«إيلاف» من دبي:&لا شك في أن الهجمات الصاروخية الأخيرة التي نفذتها الولايات المتحدة على قاعدة الشعيرات الجوية في سورية غيرت الكثير من قواعد اللعبة على الساحة السورية، المفتوحة على صراع مستمر منذ نحو 6 أعوام، بلا أفق. ففي 7 أبريل الجاري، وبعد أقل من 72 ساعة على هجوم كيميائي شنه النظام السوري على خان شيخون شمال سورية، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجيش الأميركي بقصف القاعدة بـ 59 صاروخ توماهوك.

وبحسب تحليل نشرته «كارنيغي الشرق الأوسط»، لا يزال من السابق لأوانه تحديد إذا كان هذا الهجوم يقتصر على ضربة واحدة أم هو بداية حملة جوية طويلة الأمد. ففي حين أن الأثر العسكري ضئيل ومحدود، يمكن أن يكون الأثر النفسي في نظام الأسد الذي يعاني البارانويا والعزلة أكثر أهمية، خصوصًا أن ثمة احتمال لظهور تفاهمات جديدة بين واشنطن وموسكو يذهب ضحيتها الأسد.

لعبة جديدة

بحسب كارنيغي، لا بد من التوقّف عند نقطتَي تحوّل مهمتَين ربما تؤشران إلى "لعبة كبرى" روسية - أميركية جديدة في سورية: الأولى مرتبطة بالطبيعة الحالية للتدخل العسكري الروسي؛ والثانية تتعلق بتبعات الحملة العسكرية على داعش. ففي ما يتعلق بالتدخل الروسي، حققت موسكو هدفها الأساسي المتمثل بإبقاء الأسد في السلطة في مستقبل منظور، ولو كان قد أصبح في وضع مضعضع، «بيد أن هجوم خان شيخون سلّط الضوء ربما على فعل التوازن الدقيق في الجهود الروسية الآيلة إلى ترجمة التفوّق العسكري إلى مكاسب سياسية دائمة. فكلما أصبح الأسد أقوى، تراجع اعتماده على الدعم الروسي».

يتوقع تقرير كارنيغي بأن تتسبّب الهجمات الجوية الأميركية بزيادة التأثير الروسي على النظامٍ السوري الذي يجد نفسه في موقف دفاعي، أقلّه في الوقت الراهن. فبعد الهجوم الكيميائي في الغوطة في أغسطس 2013، ساهمت موسكو في التوصل إلى اتفاق لشحن الأسلحة الكيميائية في سورية إلى خارج البلاد، ولو أنه لم يُنفَّذ بالكامل. فكيف ستتعامل روسيا هذه المرة مع الرد الأميركي الأشد هجومية؟

الهجوم الكيميائي لنظام الأسد على خان شيخون

&

مسألة الجنوب

من ناحية أخرى، لا إسرائيل ولا حزب الله يرغبان في خوض معركة، لكن تزداد احتمالات اندلاع نزاع مع اقتراب الجبهة الأمامية من مرتفعات الجولان. فقد تؤدّي تحرك النظام ضد درعا المحاذية للأردن إلى إحداث خلل في التوازن الدقيق في الجنوب السوري، حيث قبلت موسكو حتى الآن بمنطقة عازلة مفروضة بحكم الأمر الواقع مع الأردن.

تعظمت المخاوف الإسرائيلية بسبب الهجوم الكيميائي على خان شيخون، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعا إلى تحرّك دولي طارئ لاستكمال نزع الأسلحة الكيميائية السورية. إلى ذلك، يلقى السعي الأميركي إلى تحجيم الدور الإيراني في المنطقة ترحيبًا شديدًا في إسرائيل وعواصم الخليج، «لكن قد يزيد من احتمالات اندلاع نزاع بين حزب الله وإسرائيل، مع ما تترتب عنه من تداعيات هائلة على لبنان أيضًا. فهل يمكن أن تدفع التشنجات المتعاظمة بين إسرائيل وحزب الله روسيا إلى وقف التحرير الكامل لجنوب سورية، من خلال نزع فتيل القتال بما يؤدّي إلى تجميد النزاع تقريبًا عند خطوط المعارك الراهنة؟».

نقطة تحول

بحسب كارنيغي، تتمحور نقطة التحول الجيوسياسية الثانية حول التداعي الوشيك لدولة الخلافة في الرقة، «ففي حين أن انحسار سيطرة داعش على الأراضي أمرٌ مستحَب إلى حد كبير، من المؤكّد أنه سيولّد تعقيدات جديدة مقلقة، مع ظهور تحدّيات على صعيدَي الحكم والأوضاع الإنسانية، فضلًا عن أشكال جديدة من التشدّد – موزّعة جغرافيًا على الأرجح. وما يثير القلق بالدرجة نفسها هو احتمال حدوث تصفية حسابات بين تركيا والأكراد السوريين. فقد يتّضح بصورة مطردة أن الجهود الأميركية الهادفة إلى تفادي هذه المواجهة أمرٌ لا بد منه، مع اقتراب موعد الحملة البرية ضد الرقة. وهذا يساعد على فهم الأسباب التي دفعت بالقوات العسكرية الأميركية إلى التدخل في منبج في وقت سابق خلال العام الجاري، من أجل الحد من احتمالات اندلاع صدام مباشر بين القوات الكردية والتركية».

لكن، مَن سيتولى الزمام في الرقة؟ اقترحت أنقرة تعبئة خمسين قبيلة عربية سورية بقيادة تركية وهدف أنقرة إحداث خرق في تَجاوُر الأراضي في الجيب الكردي السوري في شمال سورية. وأكّدت السعودية استعدادها لإرسال قوات برية إلى سورية على الرغم من انشغالها في اليمن وإسقاطها سورية من حساباتها.

ويبدو أن إدارة ترامب، كما إدارة أوباما قبلها، استنتجت أن قوات سورية الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد هي الوحيدة القادرة على تحرير الرقة في المستقبل المنظور، وهذا ما لا تستسيغه تركيا.

اقتراب موعد الحملة البرية ضد الرقة

&

لحظة قوة عظمى

مع إخفاق المفاوضات الدولية في خلال ستة أعوام في تسوية النزاع السوري، يسأل تقرير كارنيغي هل التوقيت مؤاتٍ لنكون أمام لحظة «قوة عظمى» روسية-أميركية في سورية؟

هل يولّد لجوء الولايات المتحدة إلى رد انتقامي ضد الأسد فرصة للتوصل إلى تسوية مع روسيا أم يحمل بذور تصعيد خطير؟

هل يمكن شراء الموافقة التركية على شنّ هجوم كردي على الرقة من خلال إنشاء منطقة عازلة بدعم من الولايات المتحدة بما يؤدّي إلى الحد من تدفق اللاجئين شمالًا، ويهدّئ المخاوف التركية من قيام منطقة كردية موحّدة عند الحدود الجنوبية؟

هل ستُظهر روسيا استعدادًا – وقدرةً – للجم دور إيران وحزب الله في سورية إلى درجة معينة، بما يقلل من خطر التدخل الإسرائيلي؟

هل هناك أسسٌ كافية للتوصل إلى اتفاق بين واشنطن وموسكو من أجل فرض ترتيب جيوسياسي جديد لا يُعطي أيًا من الجانبَين كل ما يريده، إنما قد يساعد على احتواء القتال؟ وهل بالمستطاع فرض مثل هذا التفاهم على الأفرقاء المحليين؟

ويختم التقرير: «يمكن أن تقطع الأجابة عن هذه الأسئلة شوطًا طويلًا نحو تحديد إذا كانت الحرب الأهلية الكارثية في سورية تتّجه نحو الانحسار، أو إذا كان سقوط حلب والرقة مجرد محطتَين على الطريق نحو مزيد من الموت والدمار».