تقرر تركيا هذا الأسبوع شكل النظام الذي سيحكمها من خلال استفتاء عام على مشروع دستور من شأنه تعزيز السلطات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية. ولكن كم تغيرت تركيا فعلا بفعل رؤيا رجل واحد هو الرئيس رجب طيب أردوغان؟

نقطة التحول

المحاولة الانقلابية
Getty Images

أيقظ بعض النزلاء دوي اطلاق النار، بينما أيقظ آخرين أزيز ثلاث مروحيات من طراز بلاكهوك كانت تحلق في سماء المدينة.

كان ذلك في الساعات الأولى من يوم الـ 16 من تموز / يوليو 2016. أنزلت المروحيات نحو 25 من رجال القوات الخاصة التركية المسلحين ببنادق آلية وقنابل يدوية في باحة فندق (كلابتوربان) الفاخر الكائن في منتجع مارماريس الساحلي.

كان الجنود يبحثون عن شخص بعينه، وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان يقضي عطلته في نزل خاص ملحق بالفندق المذكور.

وبينما كان العسكريون المتمردون يغلقون الشوارع ويقصفون المباني العامة في أنقرة واسطنبول، أرسل رجال القوات الخاصة هؤلاء لاعتقال رئيس الجمهورية. كان من المفترض ان تكون تلك العملية ذروة الانقلاب الذي دبر ضد حكومة الرئيس اردوغان.

فتح جنود القوات الخاصة النار والقوا قنابلهم اليدوية عند اقتحامهم الفندق، وقتلوا اثنين من الحرس.

ولكن هجومهم جاء متأخرا.

فأردوغان، الذي أحيط علما بما كان يخطط له، غادر المنتجع مستقلا طائرة مروحية اخذته الى مطار دالامان. ومن هناك استقل طائرة خاصة الى اسطنبول اخفى قائدها هويتها بحيث بدت لاجهزة الرادار على انها طائرة ركاب مدنية عادية.

وصل اردوغان الى مطار اتاتورك في اسطنبول في الساعة الثالثة صباحا حيث استقبله مؤيدوه بالهتافات.

فشلت المحاولة الانقلابية، ولكن اردوغان عزز سلطته وشعبيته أكثر من أي وقت مضى.

مثلت تلك الليلة - ليلة 16-17 تموز / يوليو 2016 - بالنسبة للكثيرين ولادة جديدة لتركيا المعاصرة. وكان أردوغان اثناء تحليقه الى اسطنبول قد ناشد من خلال اتصال مع التلفزيون التركي الشعب تحدي الانقلابيين والخروج الى الشوارع لمقاومتهم.

واستجاب الأتراك لندائه باعداد كبيرة، وقتل 265 منهم على أيدي الانقلابيين.

فألقى البعض بأجسادهم امام الدبابات لمنع تقدمها، وتحدى آخرون نيران الانقلابيين عند جسر البوسفور في اسطنبول.

وبحلول فجر الـ 17 من تموز / يوليو، كان الانقلاب قد أحبط.

للمرة الأولى منذ تأسيس الجمهورية التركي في عام 1923، تمكن الشعب من تحدي دبابات الجيش وقواته. ففي العقود الماضية، نجحت 4 انقلابات في الاطاحة بنظام الحكم، ولكن أردوغان نجح في إفشال المحاولة الخامسة.

إثر ذلك، خرج الملايين للمشاركة في مظاهرات هتفت باسمه.

وبذا انتقل أردوغان من شخص كاد يفقد السيطرة على البلاد الى زعيم لا يمكن ان يجاريه أحد.

ولكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لاردوغان، اقوى زعيم شهدته تركيا منذ مؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال اتاتورك، والذي انتخب في عام 2014 رئيسا للجمهورية بعد ان قضى 11 عاما رئيسا للحكومة.

ومع ان منصب الرئيس بموجب الدستور التركي منصب فخري، كانت لاردوغان نوايا أخرى.

إذ انه كان يخطط لتعزيز سلطته وصلاحياته من خلال تغيير دستوري يغير نظام الحكم من نظام برلماني الى نظام رئاسي يلغى بموجبه منصب رئيس الحكومة.

في الـ 16 من نيسان / أبريل الحالي، سيقرر الأتراك ما اذا كانوا سيوافقون على ما يرمي اليه اردوغان.

أصبح استفتاء الأحد المقبل عمليا استفتاء على أردوغان والدولة التركية التي شكلها على شاكلته، تركيا قومية ومحافظة وتلفها المشاكل.

فتركيا، التي كانت في الماضي ركنا آمنا في الشرق الأوسط، اصبحت اليوم مبتلاة بالهجمات الارهابية كما تعثر النمو الاقتصادي الذي كان الاتراك يتباهون به.

ويقبع العشرات من الصحفيين في السجون، بينما تدفق على البلاد سيل من اللاجئين السوريين يقدر عددهم بثلاثة ملايين.

وعقب المحاولة الانقلابية الفاشلة، اعتقل وفصل عشرات الآلاف من الأتراك من وظائفهم، وتبخر أمل البلاد في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. ويرى كثيرون ان تركيا تشهد استقطابا سياسيا لم تر له نظيرا قط.

ولكن في نفس الوقت، نجحت تركيا في التحول من دولة فاشلة ماليا واقتصاديا الى واحدة من اقتصادات العالم الـ 20 الأولى.

فقد توسعت الطبقة الوسطى توسعا كبيرا، كما استفاد الملايين من الأتراك اقتصاديا من زعامة أردوغان.

فقد أحدثت مشاريع البنية التحتية الكبيرة التي شملت المدارس والمستشفيات والطرق وغيرها تغييرا جذريا في حياة الأتراك العاديين، كما مكنت حكومة أردوغان الأتراك المتدينين - الذين كانوا يشتكون من التهميش في ظل النخبة العلمانية التي كانت تسيطر على البلاد - من استعادة صوتهم ونفوذهم. علاوة على ذلك، حررت تركيا تحت حكم أردوغان نفسها من تسلط الجيش.

أما الآن، فستصوت البلاد على مستقبلها.

ريزة
Reuters
طالبات في جامعة رجب طيب اردوغان في ريزة

ترتفع صورة الرئيس التركي فوق منشآت جامعة رجب طيب أردوغان في مسقط رأسه ريزة، تلك البلدة الواقعة على ساحل البحر الأسود. ولا يمكن لأي شيء تقريبا أن يشير الى ظاهرة عبادة الشخص مثل تسمية مؤسسة بإسم زعيم ما زال على قيد الحياة.

تحدثت الى الطالبة خديجة يلدز البالغة من العمر 22 عاما وهي جالسة في باحة الجامعة المركزية على مصطبة خشبية حفر عليها اسم الرئيس أردوغان بالطبع.

قالت خديجة التي تدرس الأدب الانجليزي "أنا فخورة برئيسي، وفخروة باسم جامعتي، فهو زعيم جيد حقا، وهو زعيم عالمي."

كانت الجامعة التي أسست عام 2006 غيرت اسمها قبل سنوات خمس، ويبلغ عدد طلابها 20 الف طالب. وتنتشر منشآتها الحديثة في مناطق عدة في ريزة الصغيرة.

تعد هذه المنطقة معقلا للمشاعر القومية التركية، وهو الجانب المحافظ والمتدين من تركيا الذي كان يشعر بالتهميش والاهمال منذ عقود، والذي وجد في رجب طيب أردوغان ضالته المفقودة.

فالكثيرون من سكان هذه المناطق كانوا مهملين من جانب النخبة العلمانية التي بنت الدولة التركية الحديثة منذ تأسيسها عام 1923 من قبل مصطفى كمال القائد الغربي الميول والعلماني العنيد الذي كان يحاول إخراج تركيا من دائرة الشرق الأوسط الاسلامي.

نتيجة ذلك، شعر مسلمو الاناضول بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، إذ كان "الأتراك البيض" البرجوازيون يعيرونهم بأنهم "أتراك سود."

وحظر على هؤلاء ارتداء الحجاب الاسلامي في المؤسسات الحكومية، الى ان جاء اردوغان - أول رئيس تركي ترتدي زوجته الحجاب - والغى الحظر في عام 2013.

تقول خديجة المحجبة "تقول أمي إن الأمور كانت سيئة جدا في زمانها، فالرجال كان بامكانهم الدراسة في الجامعة، ولكن البنات لم يمكنهن ذلك لأنهن كن يرتدين الحجاب. ينبغي للفرد ان يتمكن من الذهاب الى أي مكان، مهما كان دينه او مظهره."

ومضت للقول "هذا كان الوضع قبل مجيء رجب طيب أردوغان، الذي رمى بالقانون عرض الحائط."

يستقي الرئيس اردوغان الكثير من الدعم الذي يتمتع به من انتصاره للقضايا الاسلامية، أما في ريزة فيعجب السكان بتقواه وبجذوره المحلية.

فبالرغم من أن اردوغان ولد في اسطنبول، ما زال يحتفظ بعلاقات ووشائج أسرية قوية في ريزة. وكان أجداده قد هاجروا الى هناك من جورجيا، وولد والده في المدينة الساحلية تلك.

قال سعدالله موتلو، وهو من أقارب أردوغان، إنه يتذكر الرئيس التركي كـ "صبي ناضج طموح ومهتم بالسياسة."

كان أردوغان مولعا بكرة القدم، وأراد ان يصبح لاعبا محترفا، ولكنه انجذب الى الجناح الشبابي لحركة اسلامية سياسية. وبعد ذلك بقليل، اقترن بأمينة غولباران ورزقا بأربعة ابناء. كان صعود أردوغان السياسي سريعا، فقد تمكن من أن يصبح رئيسا لبلدية اسطنبول حيث سجنه النظام العلماني لفترة وجيزة لتلاوته قصيدة دينية في تجمع عام.

وكان الفضل في تمكن أردوغان من كسب ود الناخبين العاديين يعود الى اصوله المتواضعة في منطقة البحر الأسود وطفولته التي قضاها في حي قاسم باشا الفقير في اسطنبول، فمؤيدوه يشعرون إنه صوتهم.

من هؤلاء محمد ميرال، الذي تمتلك اسرته منذ خمسينيات القرن الماضي مزرعة للشاي في الجبال المحيطة بريزة.

تعد المنطقة مركز انتاج الشاي في تركيا، التي تعد خامس أكبر منتج له في العالم.

يقول محمد، "رجب طيب أردوغان منا، إنه ابن الشعب. في الماضي كان كل الرؤساء من الطبقات الغنية والمرفهة، ولكن اردوغان ليس كذلك."

هذه المشاعر الفطرية بدت واضحة في تجمع أقامه للرئيس في ريزة من أجل شحذ التأييد لمشروع الدستور الجديد الذي سيطرح في الاستفتاء العام.

فقد تحدث أردوغان لنحو ساعة كاملة ابهر فيها مستمعيه الذين يعدون بالآلاف بكلامه حول اعادة العمل بعقوبة الاعدام للمتآمرين ومديحه للمشاريع الجبارة التي نفذت في فترة حكمه.

كما هاجم الدول الأوروبية التي منعت الوزراء الأتراك من حضور تجمعات فيها للترويج للاستفتاء، وقال "لن تتمكن حفنة من الفاشيين من النيل من شرف تركيا"، داعيا الأتراك الى "التصدي لاحفاد النازيين" مساندة مشروع تغيير الدستور.

اغضبت هذه التعليقات الحادة الحكومات الغربية، ولكنها افرحت مؤيدي اردوغان.

يكاد أردوغان ان يبز اتاتورك، اكبر الرموز التركية على الاطلاق. فمبادئ مصطفى كمال العلمانية اضحت محض ذكرى بالنسبة لهذا الجزء من تركيا.

وعند انتهاء أردوغان من القاء كلمته، بدأ ووزراؤه بالقاء الهدايا للجمهور الذي تلقفها بشغف لا يوازيه شغف الا لمس "الرجل العظيم".

بعد ذلك، قام أردوغان بقص شريط ايذانا ببدء العمل في انشاء مطار في ريزة. وكان عدد المطارات في تركيا قد تضاعف في عهده.

من الملفت ان الدعم والاحترام الذي يحظى به أردوغان من جانب عموم الأتراك لا يضاهى في العالم الديمقراطي، إذ يقول مؤيدوه "اذا أمرني بالموت من أجله، فسأفعل."

درجة الولاء هذه لا يضاهيها الى مشاعر الكراهية التي يكنها تجاهه الجانب الآخر من هذا البلد المستقطب استقطابا حادا.

الجانب الآخر من تركيا

غيزي
Getty Images

يعد متنزه غيزي في اسطنبول واحة خضراء نادرة في قلب مدينة تخنقها العمارات الكونكريتية. يقع المتنزه الى جوار ميدان تقسيم قلب اسطنبول الشهير، ويعد مرتعا للاشجار والحشائس وسط زعيق منبهات السيارات الذي لا ينقطع.

لم يكن متنزه غيزي يوما متنزها جديرا بالفوز بأي جوائز، ولكنه اكتسب أهمية كبرى بشكل مفاجئ في عام 2013 عندما اعلنت الحكومة عن خطة لتحويله الى مجمع تسوقي. أصبح المتنزه منذ ذلك الحين نقطة تحول أخرى في قيادة رجب طيب أردوغان.

فقد اعتصم فيه عشرات من أنصار البيئة للاحتجاج على الخطط الحكومية. وفي فجر الـ 28 من أيار / مايو 2013، اقتحمت الشرطة الاعتصام واضرمت النار في الخيام التي كان المعتصمون ينامون فيها واستخدت ضدهم الغاز المسيل للدموع.

كانت تلك الشرارة التي الهبت اكبر احتجاجات في تاريخ تركيا المعاصر.

قال فوتي بينليسوي، وهو ناشر كتب وأحد المحتجين في متنزه غيزي، "كان ثمة شعور بالقوة، فقد كنا نشعر بأننا انما نصنع التاريخ."

وبالفعل، خرج الملايين الى الشوارع في انحاء تركيا، اسميا ضد العنف الذي مارسته الشرطة ولكن فعليا ضد أمور أكبر من ذلك بكثير.

فأردوغان، الذي بدا كمصلح مؤيد لأوروبا في سنوات حكمه الأولى، بدأ تدريجيا باظهار جانب سلطوي استبدادي.

تحول المتنزه الى مركز لحركة احتجاجية شارك فيها انصار البيئة واليساريون والاكراد وهواة نوادي كرة القدم وغيرهم. ولأيام معدودة على الأقل، أم المتنزه الآلاف من المحتجين.

ولكن في ميدان تقسيم كما في طول البلاد وعرضها، تصاعدت الاشتباكات مع الشرطة بشكل سريع.

قال بينليسوي، "كان فعليا ائتلافا للمتظلمين. فكان هناك تذمر متصاعد من السياسات التي يختطها حزب العدالة والتنمية الحاكم ومنها الافراط في تشييد المباني والاستيلاء على المساحات العامة واعطاء العقود لرجال الاعمال المؤيدين لاردوغان، وقادت الاحتجاجات الحركات النسوية والمؤيدة لحقوق المثليين والطلاب والجماعات المدافعة عن الحقوق الاجتماعية."

شهدت تلك الفترة ميلا لسيطرة التيار المحافظ على المجتمع، حيث اعلنت الحكومة قيودا على بيع المشروبات الكحولية والاجهاض، وحث اردوغان النسوة التركيات على انجاب المزيد من الأطفال.

وبدأ العمل في تشييد أكبر مسجد في تركيا رغم الشكاوى بأنه إنما كان يشيد على ارض غابة محمية وانه سيهيمن على منظر اسطنبول.

وبينما حاول بعض المسؤولين الحكوميين اتخاذ موقف أكثر تسامحا مع المحتجين، كان موقف أردوغان أكثر تشددا بكثير، إذ وصف المحتجين بأنهم "لصوص وقطاع طرق"، واتهمهم "بتناول الخمور في مسجد" الأمر الذي نفاه امام المسجد المعني.

يقول بينليسوي إن حزب العدالة والتنمية مد يده في أول الأمر للديمقراطيين والليبراليين واليساريين والأكراد، "ولكن عقب احداث متنزه غيزي اصبح خطاب الحزب يدعو لهيمنة جانب من تركيا على الجانب الآخر وأخذ يضع قاعدته الشعبية بمواجهة الآخر."

وتعمق الاستقطاب عندما اهتز موقع أردوغان عقب افتضاح أمر مكالمات هاتفية في عام 2013 بدت انها تثبت تورطه وحاشيته في ادعاءات بالفساد، وهو أمر نفاه الرئيس التركي بشدة.

أخذ أردوغان يروج للعقلية العثمانية القائلة إن تركيا محاصرة من قبل اعداء لها، وهي العقلية التي يرمز لها المثل التركي القائل "إن صديق التركي الوحيد هو التركي."

بدأت نظريات المؤامرة بالظهور اسبوعيا تقريبا، بينما أخذ رئيس الحكومة باللجوء الى مؤيديه المخلصين والتخلص من اعضاء حزبه الذين يبدون معارضة له.

جرى تحديد حرية التعبير الى حد كبير، مما ضيع الكثير من الانجازات التي حققها أردوغان في سنيه الأولى إذ سجن الصحفيون والكتاب والأدباء والفنانون باعتبارهم "خونة". واستعادت تركيا موقعها السابق بوصفها البلد الرائد في سجن الصحفيين.

ايرول اونديرأوغلو واحد من الصحفيين الـ 150 الذين يقبعون في السجن او ينتظرون المحاكمة.

كان اونديرأوغلو، وهو ممثل لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، قد حضر اجتماعا تحريريا لصحيفة أوزغور غونديم الكردية بمناسبة يوم حرية الصحافة العالمي.

اتهمت الحكومة الصحيفة المذكورة بنشر "الدعاية الارهابية الكردية" واغلقتها. ويطالب النائب العام الآن بسجن اونديرأوغلو لـ 14 سنة.

قضى اونديرأوغلو 10 ايام في السجن، ومن المقرر ان تبدأ محاكمته في حزيران / يونيو المقبل. وعندما يسرد ما مر به، يكاد يجهش بالبكاء.

قال، "عندما زارني ابني وزوجتي، اضطررت للتكلم معهم من خلال لوح زجاجي. عندئذ فقط فهمت فداحة الظلم الذي لحق بي."

اغلق العديد من المؤسسات الاعلامية منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة، واتهم العديد من الصحفيين بنشر "الدعاية الارهابية" أو "اهانة الرئيس."

وتمت مداهمة اقدم الصحف التركية، صحيفة جمهوريت العلمانية، والقي القبض على محرريها، واضطرت العديد من الأصوات المنتقدة الى الفرار من البلد او سجنت.

ويقول أردوغان إن الصحافة في تركيا "هي الأكثر حرية في العالم"، وان القابعين في السجون ليسوا صحفيين بل "ارهابيين ولصوصا."

يقول اونديرأوغلو إن "اردوغان يسيطر بشكل مباشر او غير مباشر على 80 في المئة من المؤسسات الاعلامية في تركيا"، ويضيف بأن "أي انتقاد له ينظر اليه على انه انتقاد للدولة. لقد الغي تعريف مهنتنا (الصحافة) منهجيا من القاموس التركي".

بالنسبة لأردوغان، تبرر الظروف الاستثنائية اتخاذ اجراءات استثنائية.

فقد سبق له أن قال عقب تعرض تركيا لأسوأ هجوم ارهابي فتك بـ 103 شخص خارج محطة قطار أنقرة في تشرين الأول / أكتوبر 2015، "لا فرق بين الارهابي الذي يحمل بندقية أو قنبلة واولئك الذين يستخدمون اقلامهم ومواقعهم لخدمة اهدافهم."

أذن ذلك التصريح بالحملة التي شنتها الحكومة على الصحفيين، كما أذن بالعديد من الهجمات.

تعرف اينور يامان، وهي كردية تسكن في قرية قريبة من مدينة دياربكر اكبر مدن جنوب شرقي تركيا اكثر من غيرها الثمن الذي يدفعه المواطنين العاديين. فقد قتل زوجها في العام الماضي عندما انفجرت شاحنة كانت محملة بالمتفجرات التابعة لحزب العمال الكردستاني المحظور قبل منزلها. وعليها الآن تربية اولادها السبعة بمفردها.

تقول، "لقد سرق حزب العمال منا احلامنا وحرمنا من والد 7 اطفال لم يزل في مقتبل العمر. لا أريد ان ارى وجوههم. سأصوت للذين كانوا يدعموننا نفسيا وماديا - سأصوت لأردوغان."

قتل في تركيا نحو 500 شخص في 30 هجوم ارهابي تقريبا في السنتين الماضيتين، كان بعض منها من تنفيذ المسلحين الأكراد - استهدفت بشكل رئيسي رجال الشرطة والعسكريين - بينما استهدف تنظيم الدولة الإسلامية الأماكن العامة بما فيها مطار أتاتورك في اسطنبول ونادي رينا الليلي في نفس المدينة في ليلة رأس السنة الماضية.

ولذا تشعر تركيا بالقلق وتنتظر الهجوم المقبل. لذلك ليس من المستغرب ان يكون الأمن الهاجس الأكبر للكثيرين عندما يتوجهون الى صناديق الاقتراع.

كان وقف لاطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني قد انهار في تموز / يوليو 2015، مما أدى الى استئناف الحرب التي فتكت بأكثر من 40 الف شخص منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وبينما حمل البعض مسلحي حزب العمال مسؤولية استئناف العنف، يقول آخرون إن أردوغان خطط لانهاء اتفاق وقف اطلاق النار من اجل الفوز بأصوات القوميين الأتراك واستعادة الاغلبية البرلمانية التي كان خسرها في الشهر السابق.

اذا كان ذلك صحيحا، فقد نجح أردوغان في مسعاه، فقد استعاد حزب العدالة والتنمية اغلبيته في تشرين الثاني / نوفمبر 2015، ولذا يأمل الرئيس التركي في ان يعود عليه موقفه المتشدد تجاه الارهاب بالفوز في الاستفتاء المقبل ايضا.

تقدّر الأمم المتحدة بأن الفي شخص من عسكريين ومدنيين قتلوا منذ انهيار اتفاق وقف اطلاق النار، بينما يقول الجيش التركي إنه قتل الآلاف من المسلحين الأكراد.

وسجنت السلطات 13 من نواب حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد - الذي اصبح ثالث أكبر الاحزب الممثلة في البرلمان في عام 2015 - لارتباطاتهم المزعومة بحزب العمال الكردستاني، كما استبدلت 86 من رؤساء البلديات للسبب ذاته.

والنتيجة ان الأكراد الذين وجدوا صوتا سياسيا يمثلهم قبل سنتين يشعرون الآن بأنهم كمموا.

يقول ضياء بير، وهو نائب عن حزب الشعوب الديمقراطي يواجه حكما بالسجن لمدة 23 عاما بتهمة "الترويج للارهاب" و"الانتماء لمنظمة ارهابية"، "إن معظم الناس هنا يرون أن اردوغان واتباعه مسؤولون عن الدمار الذي حل."

ومضى للقول، "اذا حصل اردوغان على ما يصبو اليه في الاستفتاء، فسيؤسس نظاما تسلطيا قد يقود تركيا الى الديكتاتورية، ولكن اذا صوت اغلبية الأتراك بلا، سيفهم انه لن ينجح بدون الحصول على اصوات الأكراد. ان التصويت بلا سيتيح فرصة للعودة الى التفاوض لحل المسألة الكردية."

يصر أردوغان على ان قيادة مركزية قوية ستمنحه السلطات اللازمة للتصدي للتهديدات الارهابية التي تواجهها تركيا، ولكن منتقديه يقولون إن ضعف السيطرة على الحدود السورية والدعم الذي تقدمه الحكومة للفصائل الاسلامية عرضت تركيا للتهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الاسلامية وسمح للخلايا الجهادية بالنمو والترعرع في تركيا.

اضافة لذلك، فإن السياسة التي تختطها تركيا في سوريا، ومحاربتها للميليشيات الكردية العاملة هناك، يعرض تركيا للمزيد من المخاطر وتؤدي الى هجمات انتقامية يقوم بها حزب العمال الكردستاني.