بيروت: مع اقتراب قوات النظام من شن هجوم في محافظة إدلب، آخر أبرز معاقل الفصائل المعارضة في سوريا، تحذر الأمم المتحدة ومنظمات دولية من كارثة إنسانية في منطقة مكتظة تعاني أصلاً في قطاعها الصحي وتنتشر فيها مخيمات النزوح.

ومنذ أسابيع ترسل قوات النظام السوري التعزيزات العسكرية تلو الأخرى إلى أطراف إدلب في شمال غرب البلاد تحضيراً لهجوم وشيك في المحافظة الواقعة بغالبيتها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتنتشر فيها أيضاً فصائل معارضة متنوعة.

وحذر مدير العمليات في مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للامم المتحدة جون كينغ قبل أيام مجلس الأمن الدولي من أن "السيناريو الأسوأ في إدلب قادر على خلق حالة طوارئ إنسانية على مستوى لم تشهده هذه الأزمة (في سوريا) من قبل".

ويرجح محللون أن تقتصر العملية العسكرية في مرحلة أولى على أطراف محافظة إدلب فضلاً عن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة المحاذية لها في محافظات حماة وحلب واللاذقية. وبشكل عام، يبلغ عدد سكان إدلب ومناطق المعارضة في المحافظات الثلاث نحو ثلاثة ملايين نسمة نصفهم من النازحين، وفق الأمم المتحدة.

ويعتمد أكثر من مليوني شخص في مناطق سيطرة الفصائل في شمال سوريا، وخصوصاً اولئك المنتشرين في عشرات مخيمات النزوح، على المساعدات الإنسانية القادمة عن طريق تركيا.

وبالإضافة إلى النازحين، تحولت إدلب خلال السنوات الماضية الى ملجأ لعشرات آلاف المقاتلين والمدنيين الذين أجبروا على مغادرة مناطق كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة بموجب اتفاقات إجلاء مع قوات النظام.

وكما في كل معركة، تكمن الخشية أيضاً في أن يدفع هجوم قوات النظام لموجة نزوح داخلية جديدة، وكونها آخر أبرز معاقل الفصائل، لن يكون أمام الفارين من القتال مجالات كثيرة للتنقل، وسيلجأون غالباً إلى المنطقة الشمالية الحدودية مع تركيا.

وكان الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش حذر الأربعاء من "الخطر المتنامي لحدوث كارثة انسانية في حال حصول عملية عسكرية واسعة النطاق في محافظة إدلب".

مستشفيات غير مجهزة

تقول المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الانسانية في دمشق ليندا توم لوكالة فرانس برس أن من شأن أي عملية عسكرية أن "تعيق العمليات الإنسانية وقدرتها على إيصال المساعدات"، كما من شأن أي حركة نزوح ناتجة عنها أن تضيف من "الثغرات" في الاستجابة الإنسانية.

ويُضاف إلى ذلك، الخشية على المنشآت الطبية من مستشفيات ومستوصفات، إذ أن سوريا تُعد، وفق الأمم المتحدة، "المكان الأسوأ في التاريخ الحديث في ما يتعلق بالاعتداءات على القطاع الصحي". وقد طال القصف خلال سنوات النزاع عشرات المنشآت الصحية من مستشفيات وعيادات ومراكز إسعاف وغيرها، وكان لإدلب أيضاً حصتها منها.

وفي النصف الأول من العام 2018 وحده، شهدت محافظة إدلب، وفق الأمم المتحدة، "38 اعتداءً" ضد منشآتها الصحية.

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن "أقل من نصف المنشآت الصحية العامة التي كانت موجودة سابقاً لا تزال تعمل حالياً في المناطق التي قد تشهد قريباً ارتفاعاً في أعمال العنف".

ويوضح بافل كشيشيك من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا أن "المنشآت المتبقية ليست مهيأة او مُجهزة بالشكل اللازم لمواجهة تدفق كبير في عدد المرضى"، مشدداً على أن "من شأن أي هجوم أن يفاقم من وضع متدهور أصلاً".

ليس هناك إدلب أخرى

ومن شأن العملية العسكرية أن تضيف الضغط على المنطقة الحدودية مع تركيا، التي تنتشر فيها أصلاً المخيمات، كونها ستكون الوجهة الأساسية لموجات النزوح المتوقعة. إلا أن تركيا، التي تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، تُبقي على حدودها مغلقة.&

وفي حال تدهور الوضع الإنساني جراء الهجوم، يبقى مصير سكان إدلب متعلقاً بإمكانية استمرار إرسال المساعدات، التي اعتادت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، ايصالها شهرياً عبر تركيا.

وتعتمد إدلب بشكل أساسي على تلك المساعدات العابرة للحدود، وفق كشيشيك الذي يوضح أن تلك العمليات كانت بمثابة "حبل حياة للسكان في ما يخص المؤن الغذائية والمواد الأخرى الضرورية للحياة اليومية".

ويحذر "في حال أغلقت المعابر الحدودية مع تركيا، فإن مئات آلاف السكان سيتأثرون".

وتُرجح الأمم المتحدة أن تدفع المعارك في إدلب نحو 800 ألف شخص للنزوح.

ويقول زيدون الزعبي من "إتحاد منظمات الاغاثة والرعاية الطبية" لفرانس برس "سيتوجه الناس شمالاً، ولا أعرف إلى متى تركيا ستكون قادرة على الإبقاء على حدودها مغلقة".&

وفي حال فتحت أنقرة حدودها، وفق قوله، "سيكون هناك كارثة جديدة في تركيا (...) وفي حال لم تفتحها، فستكون الكارثة أسوأ".

ويضيف الزعبي "كان يتم إحضار الناس من حلب والغوطة الشرقية وحمص ودرعا إلى إدلب" بموجب اتفاقات الإجلاء من مناطق المعارضة، ولكن "اليوم أين سيذهب سكان إدلب؟ ليس هناك إدلب أخرى لهم".