بغداد: شهدت محافظة البصرة العراقية الغنية بالنفط والمجاورة لإيران في جنوب البلاد، أسبوع احتجاجات عنيفة أنتجت عاصفة سياسية في العاصمة بغداد.

لذا، يرى محللون أن الأزمة الاجتماعية والصحية التي أدت إلى مقتل 12 متظاهرا وحرق القنصلية الإيرانية في المحافظة، تعتبر عنوانا للتحديات المقبلة في العراق، بعد "الانتصار" على تنظيم الدولة الإسلامية.

أزمة اجتماعية ومكاسب سياسية؟&
ليل الجمعة الماضي، كانت هتافات المتظاهرين عالية: "إيران بره بره"، وسط ألسنة النار والدخان المتصاعد من قنصلية الجارة المؤثرة جدا على الساحة السياسية العراقية.

وبعد أقل من 24 ساعة، أعلنت الكتلة البرلمانية الموالية لإيران عزمها تشكيل الحكومة المقبلة في بغداد من دون رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي الذي كان يأمل بتحالف يبقيه في منصبه. ونددت تلك الكتلة بالعنف في البصرة، واتهمت العبادي بـ"الفشل" في الاستجابة لمطالب المحتجين.

يبدو أن هذه الكتلة التي حاولت في بادئ الأمر تشكيل تحالف من دون الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر الذي كان الرابح الأكبر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قبل أن تعلن السبت أنها "على الخط نفسه" معه، باتت في وضع يمكنها من ترشيح بديل من العبادي الذي تنظر إليه على أنه "مرشح الغرب".

يرى المحلل السياسي العراقي عصام الفيلي أن اللائحتين المنافستين للعبادي أعلنتا نفسيهما "صراحة" لتشكيل الحكومة المقبلة، وهو دليل على أن "الموضوع في البصرة موضوع صراع أحزاب (...) بدافع إقليمي ودولي". ويضيف أن ما حصل "سيناريو كتبه سيناريست متمكن، والمشرف عليه أحد أباطرة السيناريو في العالم وخارج الحدود الإقليمية، والمخرج ومساعدو المخرج من داخل العراق".

العبادي خارج اللعبة؟&
دفع العبادي ثمن أزمة البصرة خسارة تحالفه مع الصدر، والغالبية البرلمانية التي كانت ستتيح له فرصة البقاء لولاية ثانية. وبدا أيضًا أنه خسر دعمًا أساسيًا آخر، مع إعلان آية الله السيد علي السيستاني، أعلى مرجعية شيعية في العراق، أن المرجعية "لا تؤيد رئيس الوزراء المقبل إذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية". وهو ما اعتبره الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق" الموالية لإيران قيس الخزعلي "طلقة الرحمة على المشروع الأميركي".

لكن مهمة المعسكر الموالي لإيران تبدو حساسة بعض الشيء، إذ إن تسمية رئيس للوزراء في العراق عادة ما تكون ثمرة اتفاق ضمني بين واشنطن وطهران.

ما التبعات السياسية؟&
يرجح أن تتضح الأمور أكثر السبت المقبل، إذ يعقد البرلمان جلسة مرتقبة لانتخاب رئيس له، وبالتالي إعلان الكتلة النيابية الأكبر التي ستسمي رئيس الحكومة. لذا، على الكتلة القريبة من طهران، أن تبحث الآن في صفوفها عن مرشح مقبول من الجميع، داخل العراق وخارجه.

بالنسة إلى المحللين، فإن هؤلاء قد يلجأون إلى تسمية مرشح تكنوقراط ووجه غير معروف، كما كانت الحال مع العبادي في العام 2014.

ماذا عن الشارع؟&
ويرى محللون أن الغضب الشعبي الذي تفجر في البصرة قد يعود إلى الشارع في حال كان المعسكر المؤيد لإيران هو المسيطر سياسيًا.

يرى كريم بيطار، الخبير في شؤون الشرق الأوسط لدى معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن "هذه الأزمة أظهرت أن صفحة التنافس مع إيران لم تقلب في الوعي الوطني العراقي، وأن الماضي يستيقظ سريعًَا".

يشير الفيلي في هذا الصدد إلى أنه خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، كانت البصرة "بوابة الحروب ومرمى القصف الإيراني"، ومنذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 أصبحت خاضغة لـ"تحكم الأحزاب الإسلامية الكثيرة التي تربطها علاقات استراتيجية بإيران".

ويرى بيطار أن إحراق القنصلية الإيرانية وأيضًا مقار أحزاب وجماعات مسلحة مقربة من طهران "يعكس رد فعل عنيف ضد +الإفراط+ في تمدد النفوذ الإيراني في العراق".

في هذا السياق، يلفت الفيلي إلى أن "أي حكومة تأتي (مستقبلًا) قريبة من المحور الإيراني وتعمل لمصلحة إيران، سيتم تقويضها وإسقاطها في أقرب وقت من داخل جماهير العراق". ويشير بيطار إلى أنه "بعد هزيمة داعش، هناك عودة إلى المشاعر الوطنية العراقية والمطالب التي تركز على الظروف المعيشية ومكافحة الفساد وسوء الحكم". ويشدد منسقو التظاهرات على أن الهدوء السائد الآن وتعليق التظاهرات ليس إلا "مرحلة لإعادة تنظيم الصفوف".
&