هل قلبت تظاهرات العراق الطاولة على النفوذ الإيراني في العراق؟ أكانت طهران مستفيدًا من خراب البصرة اليوم أو متضررة منه، تبقى أصابع الاتهام موجهة إليها وإلى أدواتها على الساحة العراقية.

إيلاف من بيروت: تختلف التحليلات التي تتناول ما يحدث في البصرة اليوم، لكنها تتفق كلها على أن هذا الحراك المتصاعد لا يمثل خطرًا على العراق وحده، بل على مواقع قوى إقليمية عدة، في مقدمها إيران. من هذا المنطلق، سألت "إيلاف" قارئها: هل تشكل تظاهرات البصرة برأيك نقطة تحول لتمادي النفوذ الإيراني في العراق؟ انقسم رأي القراء بين نعم (288 صوتًا من أصل 532، بنسبة 54 في المئة)، ولا (بنسبة 46 في المئة).

غاية في الخطورة

يقول الكاتب السياسي الأميركي باتريك كوكبيرن، مؤلف كتاب "قيام الدولة الإسلامية: داعش والثورة السنية الجديدة" (The Rise of Islamic State: ISIS and the New Sunni Revolution)، في موقع "كاونتر بانش" إن احتجاجات البصرة اليوم هي أخطر ما شهده العراق منذ سنوات، إذ تحدث في مناطق متاخمة لأكبر حقول النفط في العالم، &كما أطلقت قذائف الهاون على المنطقة الخضراء في بغداد أول مرة منذ أعوام. لو حدثت هذه التظاهرات في عام 2011، خلال الربيع العربي، لتصدرت عناوين الأخبار في العالم.

لكن هذه الأخبار تلقى تغطية محدودة في الإعلام الدولي. فها قد سقط العراق مرة أخرى من خريطة الإعلام بينما تلفه أزمة يمكن أن تزعزع استقراره.

ينطوي عدم اهتمام الحكومات الأجنبية والمنافد الإخبارية على تشابهات منذرة مع سباتها السابق قبل خمسة أعوام، عندما تجاهل الجميع تقدم تنظيم داعش قبل أن يستولي على الموصل، "حتى إن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قلل، بكلمات ندم عليها في ما بعد، من شأن داعش حين شبهه بفريق صغير لكرة السلة يلعب خارج الدوري الذي يجب أن يلعب فيه".

إيران مستفيدة

أكد الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد أن إيران هي "المستفيد الوحيد من تفجر الأوضاع في البصرة"، وأن الحكومة العراقية، ونظام الحكم السياسي في بغداد، مطالبان بأن يتحركا في محافظة البصرة ككل لتصبح خالية من الميليشيات والسلاح والتدخلات الإيرانية.

وكتب في مقال في "الشرق الأوسط": "أولًا، نتساءل من هو المستفيد من تخريب الأمن في البصرة؟ ردًّا على دعاوى الإيرانيين، ليس لدول الخليج، بما فيها السعودية، مصلحة. عدا أنها محافظة مجاورة حدوديًا، وأمنها من أمن الخليج مباشرة، أيضًا محافظة البصرة منطقة نفطية وفي حال عطلت الفوضى إنتاجها سترتفع الأسعار وهو ضد سياسة هذه الدول التي تسعى إلى تثبيت السعر".

أضاف: "كذلك الأميركيون متضررون في حال تسببت الفوضى في رفع أسعار النفط؛ لأن اقتصادهم سيدفع الثمن. المشتبه به الوحيد هو الحكومة الإيرانية، فهي تعلن صراحة بأنها تريد للأسعار أن تصعد بشكل قياسي، وأن تعم الفوضى أسواق النفط العالمية. إيران ترى في ارتفاع الأسعار سلاحًا للضغط فيضطر الغرب للسماح لها بالتصدير، والتفاوض معها وفق شروطها. أيضًا، في الشهر الماضي كانت الشركات البترولية العراقية الرسمية قد وقعت عقدًا كبيرًا مع شركة شيفرون الأميركية لتطوير حقول النفط في المحافظة، ما أغضب طهران".

يتابع الراشد: "الماء المالح والملوث فجر مشاعر الناس المعروفة سلفًا ضد الأحزاب الدينية السياسية العراقية، وضد إيران. وليس جديدًا أن تظهر مشاعر العداء نحو هذين القطبين وتحديدًا في البصرة. فهي المدينة الثانية الأهم في العراق، وهي التي حملت هذه الأحزاب على أكتافها للحكم، وهي أكثر من وعد ومنى بمستقبل أفضل، لكن منذ خروج الأميركيين ووضع البصرة يسوء".

تجاوزٌ ما كان محسوبًا

ما حصل في الآونة الأخيرة في البصرة كان هياج الحراك البصري إلى مدى تجاوز ما كان محسوبًا، إذ "طال غضب المتظاهرين العراقيين المكان الذي تدار منه عملية اختطاف مدينة البصرة طيلة 15 عامًا، فأضيفت القنصلية الإيرانية إلى مصاف مقار الأحزاب والميليشيات التابعة لنظام الملالي، التي أقدمت الحشود على اقتحامها"، بحسب تقرير نشرته سكاي نيوز عربية.

يعد حرق أعلام إيران وصور رموز نظامها، واقتحام الممثلية الدبلوماسية لأحد أبرز اللاعبين الأساسيين في الساحة العراقية، تحولًا كبيرًا في احتجاجات البصرة التي انطلقت شرارتها بعدما سمم تلوث المياه فيها أكثر من 30 ألفًا، فتصاعدت الهتافات "إيران بره بره".

يضيف التقرير: "يفسر المتابعون للشأن العراقي هذه التطورات بأنها حركة عفوية بسبب التدخلات التي زادت عن حدها كثيرًا لإيران في الشأن الداخلي العراقي وتحريكها للأحزاب والميليشيات العراقية كما يحلو لها، فكانت النتيجة خرابًا أصاب المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط".

تصدي إيراني

أمام هذه الأحداث المتواصلة، لم تصمت الميليشيات التي كان الدعم والتوجيه الإيراني سببًا في ظهورها للعلن، بحسب سكاي نيوز، وتمتعها بسطوة لا تضاهي سطوة المؤسسات الأمنية والرسمية العراقية، "فخرجت عصائب أهل الحق لترد على المتظاهرين بالرصاص، وتقتل وتجرح عددًا منهم".

إضافة إلى ذلك، أعلن قسم التعبئة في مكتب هيئة الحشد الشعبي في البصرة عن تشكيل عشرة ألوية احتياطية من واجبها مساندة الحشد الشعبي والقوات الأمنية في المحافظة، ودعا المواطنين الى ترقب فتح باب التطوع، في ما يدعم نظرية التصدي الإيراني للحراك البصري.

فذكر بيان قسم التعبئة في مكتب الهيئة أن هيئة الحشد الشعبي (مكتب البصرة) تعلن عن تشكيل قوات التعبئة الاحتياطية التطوعية مكونة كوجبة أولى من عشرة ألوية تتوزع في مختلف مناطق المحافظة لكي يتصدى الشباب البصري للأخطار المحتملة في مناطقهم بأنفسهم.

ولفت البيان إلى أن تشكيل القوات الاحتياطية جاء "بعد الأحداث الأخيرة في البصرة، وما جرى من استغلال لمطالب المتظاهرين من قبل مخربين مدعومين من جهات خارجية لزعزعة استقرار المحافظة وتهديد أمنها وحرق وتدمير الممتلكات العامة ومحاولة المساس بالحشد الشعبي"،&

مؤشر واضح

كيف لا يتحرك الإيرانيون من خلال أدواتهم الشيعية العراقية إن لم يشعروا بالخطر، وبأن الأمور في العرق تفلت من أيديهم؟ فقد بثت وكالات الأنباء والفضائيات العربية والدولية مقاطع فيديو وصورًا لمتظاهرين يحرقون صور آية الله الخميني في البصرة، ويهاجمون مقرات أحزاب إيران: منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وتيار الحكمة.

يقول وائل عبد اللطيف، النائب السابق عن محافظة البصرة، &كما أورد موقع دي دبليو الألماني، إنّ حرق صور الخميني والخامنئي والاعتداء على مقار الأحزاب والقوى السياسية والفصائل المسلحة مؤشر واضح على حجم الرفض الشعبي للنفوذ الايراني في العراق عمومًا، والبصرة خصوصًا.

في الإطار نفسه، نقل موقع بغداد بوست عن كريم البيطار، الخبير بالشؤون السياسية الشرق أوسطية لدى معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، قوله إن أحداث البصرة عكست ردة الفعل العنيفة ضد النفوذ الايراني في العراق.

اضاف: "هذه الازمة أظهرت ان صفحة التنافس مع ايران لم تقلب في الوعي الوطني العراقي، وان الماضي يستيقظ سريعًا، وإحراق القنصلية الايرانية ومقار أحزاب وجماعات مسلحة مقربة من طهران يعكس ردة فعل عنيفة ضد الإفراط في تمدد النفوذ الايراني في العراق".