منذ 38 عاما قام العراق بغزو إيران فيما وصف بالحرب التقليدية الأطول في القرن العشرين وقد لحقت بالطرفين خسائر فادحة وكانت لهما دوافع مختلفة للقتال.
وبعد مرور عقود ينظر جنديان من الجانبين لما حدث بمنظورين مختلفين تماما.
كم جندي ذهب للمعركة والابتسامة على وجهه؟ كم منهم مغرم بذكريات الحرب التي لقي فيها ربما مليون شخص حتفه؟
في هذا الإطار كان لقاء مايك غلاغر الصحفي في بي بي سي نيوز باثنين من شهود الحرب، وهو اللقاء الذي جرت وقائعه منذ فترة.
ظلال حرب إيران والعراق لا تزال تخيم على المنطقة
"ماذا حدث؟": اسرار الحرب العراقية الإيرانية بلسان شهودها
اللقاء الأول مع مهدي تلاتي الذي كان في الخامسة عشر من عمره عندما حمل السلاح للتصدي لقوات صدام حسين عندما غزت إيران قبل 38 عاما.
وقع الهجوم في 22 سبتمبر/أيلول عام 1980 ليشعل شرارة الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات والتي تعهد فيها صدام بتحقيق نصر كاد يصل إليه لولا ولاء العديد من الإيرانيين لقيادتهم الثورية الجديدة آية الله الخميني.
يقول مهدي:" أحببنا الإمام الخميني وعندما أمر بالدفاع عن الوطن كنا سعداء بالاستجابة له، كل جيلي ذهب للمعركة وقد استجبنا بسعادة لندائه."
تطوع مهدي في قوات الباسيج المكرسة للحفاظ على الثورة الإسلامية. وكان أغلب المتطوعين مثله صغار بدون خبرة وغير مجهزين بشكل ملائم ورغم ذلك تحدث عن الحرب بسعادة كبيرة.
قال مهدي: "كنا صغارا نحمل الكلاشينكوف والقنابل اليدوية التي لم نجرؤ في البداية على استخدامها حيث كنا نخشى ذلك، وكنا نفتقد حتى للخبز فالإمدادات كانت سيئة، ولكن الالتزام تجاه الخميني كان قويا للغاية بحيث غطى على كل شيء."
لكن القصة من الجانب العراقي كانت مختلفة.
بدأت الحرب بتقدم العراقيين الذين احتلوا ميناء خورامشهر الإيراني، ولكن رغم أن ولاء قوات الحرس الجمهوري العراقي لم يكن يقل عن ولاء الباسيج إلا أن الوضع بالنسبة للقوات الأخرى كان مختلفا حيث ذهب المجندون للحرب بحماس أقل لذلك فإن قليلين منهم من قد قد يرغب في الحديث عن تجربته ومن يتحدث ربما يريد عدم الكشف عن هويته ومن هؤلاء عدنان الذي يعمل الآن صحفيا في الخارج والذي التحق بالجيش عام 1981ومعه كان اللقاء الثاني.
يقول عدنان:" كانت فترة التدريب صعبة حيث أتذكر المدربين وهم يحملون العصي التي كانوا يضربونك بها على رأسك أو كتفيك أو صدرك، شعرت من البداية أنهم يخفضون الروح المعنوية للجيش. خبرني كيف يمكن أن يحارب جيش بروح معنوية منخفضة؟"
ولكنهم حاربوا ويعتقد أن 250 ألف عراقي فقدوا حياتهم في الحرب، وكل من رفض المشاركة عومل بوحشية.
يتذكر عدنان:" الإعدام .. أمر لا أستطيع محوه من ذاكرتي."
وقال:" كنت أجلس مع زملائي وكان هناك جلبة في الخارج، الناس قادمون، وشاهدت عربتي إسعاف تصلان، سألت زميلي ماذا يحدث فأخبرني أنه سيتم إعدام جنديين أو ثلاثة لتركهم مواقعهم، لم أستطع المشاهدة فقط سمعت صوت الرصاص لقد كان أمرا سيئا للغاية."
ويضيف قائلا:" عندما أتذكر الأمر الآن أريد أن أبكي فتلك الحرب السخيفة التي أرسلونا لها كانت بمثابة الجحيم."
في عام 1982 أعلن صدام حسين الانسحاب من المناطق التي قام بغزوها ورغم ذلك فقد استمرت الحرب لست سنوات أخرى فقد تخندق كل طرف وخاضا حربا على غرار الحرب العالمية الأولى دون جدوى فقد شهدت مذابح كبيرة مقابل تقدم محدود جدا على الأرض.
يقول عدنان:" طلبوا من وحدتي الذهاب لخورامشهر فلم ينجح سوى عدد قليل في عبور شط العرب وقتل الباقون أو أسروا. وخمسة فقط عادوا وقد بدأ المسؤولون في تشكيل وحدة جديدة بنفس الاسم."
وعانى الإيرانيون الأقل تجهيزا من سقوط عدد من القتلى أكبر من الجانب العراقي فبعد الثورة الإسلامية وأخذ دبلوماسيين أمريكيين رهائن عاقب المجتمع الدولي إيران بفرض حظر على السلاح، فصار أهم سلاح بحوزتها هم المتطوعون الشباب بأعداد كبيرة، والذين كانوا يتقدمون كـ "موجات بشرية" بشكل مفاجئ أمام المدافع الرشاشة العراقية المتمركزة في الخنادق.
يقول مهدي، الذي تطوع مرة لعمل مسار في حقل ألغام بالعدو فيه:" كنت تتعرض للرصاص وربما تقتل وفي بعض الأحيان لا يجدون جثتك التي تمزقت، لم تكن حربا متكافئة فكل ما كان بحوزتك هو نفسك بينما لدى الجانب الآخر كل شيء المخبأ والمدفعية والسلاح الجوي."
ويضيف قائلا: " عندما لا يكون لديك سلاح فإن عليك كسر خطوط العدو بجسدك، وحتى الأسلاك الشائكة أحيانا لم نكن نستطيع قطعها فكنا نلقي أنفسنا عليها حتى يستطيع الآخرون العبور علينا وكانت خسائرنا ترتفع باستمرار فنحو 70 أو 80 أو 90 بالمئة من وحداتنا دمرت."
واليوم يعمل مهدي أكاديميا في الغرب ولكن مازال جسده يحمل الندوب وتم إحلال مفصلي ركبته بالبلاستيك ومازالت هناك رصاصة مستقرة في يده.
بالصور: الذكرى الثلاثون للحرب العراقية الايرانية
ومع طول أمد الحرب طور الباسيج فعاليتهم، وتحولوا من ميليشيا إلى قوة منظمة.
يقول مهدي:" عندما رأيت لأول مرة هجوما بقنبلة يدوية ألقيت نفسي على الأرض لدقائق عدة لقد كنت خائفا جدا، ولكن مع الاعتياد على رؤية مئات القنابل اليدوية تلقى تجاهنا لم أعد أعبأ فأنت تتكيف وتعتاد على الحرب حيث تبدأ في معرفة الرصاصة التي ستجتازك وتلك التي أمامك، بمرور الوقت تصبح أكثر احترافية، وكان بعض الباسيج جيدين للغاية مع نهاية الحرب."
وبحلول أغسطس/آب 1988 عندما تم إقناع الخميني بقبول وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة كان عدد القتلى في الجانب الإيراني يتراوح بين 300 ألف ومليون شخص.
وبالنسبة للباسيج لم يكن الموت يزعجهم لاعتقادهم أنهم سيصبحون شهداء فضلا عن أن ثورتهم الدينية محل هجوم العالم والدفاع عنها أمر يستحق الموت لأجله.
ولم يجعل هذا المنطق الحرب محتملة فقط بالنسبة لهم بل ومرغوبة أيضا.
يقول مهدي:" كانت أمرا جميلا وعن نفسي أفضل لو مت في ذلك الوقت على الحياة بعد ذلك."
التعليقات