بعد إصرار رئيس الجمهورية على حيازته وفريقه على وزارة العدل لدى تشكيل الحكومة اللبنانية، يطرح &السؤال الآتي "ما الأسباب الكامنة وراء التهافت الحاصل على الوزارات السيادية في لبنان؟".
إيلاف من بيروت: تكرّس المناقشات لتشكيل الحكومة اللبنانية الحالية، أعرافًا طارئة سرت منذ حكومة عام 2005، تقوم على تقسيم الوزارات إلى أربع فئات، وتوزّعها على الطوائف وممثليها من القوى السياسية الكبرى.&
عرف تصنيف الوزارات
وفي حين يصار إلى الالتزام بـ"المناصفة"، أي المسيحية الإسلامية عند توزيع الحصص الوزارية، يشتعل الصراع على الوزارات "الخدماتية" والوزارات "الوازنة" تستحوذ على أكبر نسب إنفاق من الموازنة المالية العامة، وتتمتع بأهمية سياسية بالغة بالنظر إلى حساسيتها.&
وهذا، مثلًا، هو حال وزارة العدل، التي يصرّ الرئيس اللبناني ميشال عون على أن تكون من حصته مرة ثانية، ويتحدث أعضاء في "التيار الوطني الحرّ" عن أن تمسّكه بها يهدف إلى "استكمال مشروع مكافحة الفساد الذي التزم به الرئيس"، و"لأننا مقبلون على ورشة إصلاحية".&
تقسيم أو تصنيف الوزارات في لبنان بين "حقائب سيادية" وحقائب "وازنة" و"خدماتية" و"وزارات دولة"، غير موجود دستوريًا، إلا أنه بات عرفًا كرّسته الممارسة في عمليات تشكيل الحكومات الأخيرة.
حرب كراسٍ
فعلى هامش المساعي في تشكيل الوزارة في لبنان، وبغضّ النظر عن إمكانية نجاح هذه المساعي أم عدم نجاحها، فتبقى لافتة شهية الزعماء الكبيرة في الاستيزار، الأمر الذي يطرح السؤال "هل أن الوزارة في لبنان شهوة أم استحقاق؟، ولماذا التهافت على استلام مراكز في الوزارة، هل هناك وزارات أهم من أخرى، هل المرشحون إلى الوزارات في لبنان يبحثون عن مصالحهم الضيقة أم مصلحة لبنان، وما الفرق بين الوزارات السيادية وغيرها، وفي النهاية ما الذي ينقصنا في لبنان كثقافة في التعاطي مع التوزير؟".&
يقول البروفيسور زياد أبو جودة (أكاديمي وناشط اجتماعي) لـ"إيلاف" إن هناك كتابًا قديمًا للرئيس اللبناني السابق كميل شمعون وكذلك في مذكرات بشارة الخوري يرد فيهما أن معدل عمر الوزارات في لبنان هو 8 أشهر، الأشهر الأولى الثلاثة تكون شهر عسل، وبعدها فترة إنتقادات، ثم في الفترة الأخيرة هنالك حرب الكراسي في سبيل التوزير، وفي لبنان التغير الوزاري في الماضي كان هدفه تأمين تداول في السلطة، لأن بعض السياسيين إذا بقوا في الحكومة لفترة طويلة قد يزيد ذلك من نفوذهم على حساب قيادات أخرى".
ليس فيدراليًا
يضيف أبوجودة: "يجب أن يكون هناك تناغم في السلطة ضمن نظام ائتلافي على الطريقة اللبنانية، ومنذ سنوات هناك تدهور في القيم الجمهورية في البلد، وتلوث في المفاهيم وتخريب في العقول من جهات إنقلابية لا تتقيد بالأصول الدستورية، وهذا ينعكس على التوزير.&وبحسب مؤسسي النظام اللبناني من ميشال شيحا وغيره، فإن الحكومة هي سلطة إجرائية، ويستعمل هذه العبارة الدستور اللبناني، بينما في الدساتير الأخرى تُستعمل عبارة تنفيذية، لا فرق بينهما، لكن عبارة إجرائية أكثر عملانية، لأنها تعني أنها تجعل الأمور جارية، والحكومات ليست مجالس نيابية مصغرة، بل هي حكومات تتقيد ببيان وزاري، وتجعل الأمور تجري، وبتاريخ لبنان أصبحت هناك حرية بتأليف حكومات من النواب أو خارجهم، من حكومات نيابية وحكومات تكنوقراط".&
يستطرد قائلًا "لكن ما يحصل اليوم في لبنان، يجب أن يحملنا إلى البحث الجدي في الموضوع، لكي يكون هناك فصل بين مجلس النواب والحكومة، وهذا منطق النظام اللبناني. أما المنطق الآخر الذي يعملون به فهو بالفعل منطق فدرالي جغرافي، ولو كان لبنان مثل سويسرا أو بلجيكا، يمكن أن يكون هناك صراع على الحكومة، كي تكون حكومة ائتلافية مع أقطاب سياسيين، لكن لبنان ليس فيدراليًا بالمعنى الجغرافي، بل لبنان بلد موحد".
يؤكد أن كل ما يجري اليوم من تداول حول التوزير والوزارات السيادية أول من يعاني منه هو رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وللأسف بعض وسائل الإعلام في لبنان فقدت البوصلة، وتكرر بعض أقوال السياسيين من دون رؤية نقدية، فالحكومة في لبنان هي سلطة إجرائية.
التهافت
ولدى سؤاله "لماذا يتم اليوم التهافت لاستلام مراكز في الوزارة؟". يجيب أبو جودة "يتم ذلك إما في سبيل متابعة إستراتيجية التعطيل، وإما في سبيل توسيع شبكة الزبائنية، وإما لتوسيع شبكة خدمات خاصة لأهداف انتخابية مقبلة".
أما هل هناك وزارات أهم من أخرى في لبنان؟. فيقول أبو جودة: "لا توجد وزارة أهم من أخرى. كل الوزارات رئيسة، إذا كان الناس واعين لحقوقهم".
الفارق
حول الفارق بين الوزارات السيادية والوزارات الأخرى، يؤكد أبو جودة: "لا فرق في ما بينها، والوزارة ليست دكانًا للوزير، وكل الوزراء يناقشون الموضوعات في مجلس الوزراء، وزير الخارجية معني بالسياسة العامة في التربية، ووزير التربية معني بقرارات الخارجية".
ثقافة
ما الذي ينقصنا في لبنان كثقافة في التعاطي مع التوزير؟. يجيب أبو جودة: "في لبنان لا يوجد لبنانيون مواطنون، بل لبنانيون مستزلمون، وهم زبائن يتبعون بعض الزعماء، ولا أتحدث هنا عن كل السياسيين، لأن هناك طبقة سياسية راقية، وتؤمن بمفهوم الدولة، لكن ظهر خلال السنوات الأخيرة بعض الزعامات الإنقلابية التي لا تملك مفهوم الدولة، ومن واجبات رئيس الجمهورية الإهتمام بالموضوع. نحن بحاجة إلى ترميم العقول. وهناك وزارة المالية لها موقع خاص، لأن كل مشروع له موجبات مالية والتمويل أساسي، لهذا السبب فإن رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي في الماضي لم يكن يقبل بأن يكون رئيس مجلس الوزراء وفي الوقت نفسه رئيس المالية.
&
التعليقات