هجين: ركام أبنية، هياكل سيارات محترقة وحفر ضخمة، مشهد يطغى على بلدة هجين في أقصى شرق سوريا بعد معارك وقصف عنيف انتهوا بطرد تنظيم الدولة الإسلامية منها.

في سوق بلدة هجين، لا تزال السواتر الترابية تُغلق الطرقات التي تنتشر فيها مخلفات الرصاص والقذائف. وفي تلة قريبة، تبدو الخنادق المغطاة بقطع أقمشة لحجب الرؤية فضلاً عن الأنفاق التي حفرها تنظيم الدولة الإسلامية للدفاع عن مواقعه.

وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية، تحالف فصائل كردية وغربية مدعوم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، الجمعة من السيطرة على هجين في إطار عملية عسكرية مستمرة منذ العاشر من سبتمبر لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من آخر جيب له في ريف دير الزور الشرقي بمحاذاة الحدود العراقية.

شكلت هجين أبرز وأكبر بلدات هذا الجيب. وفوق أحد أبنيتها القليلة غير المدمرة رفع المقاتلون راية قوات سوريا الديموقراطية الصفراء اللون. ووسط أحد الشوارع، يقول القائد الميداني الكردي في قوات سوريا الديموقراطية زنار أواز لوكالة فرانس برس "باتت هجين في أيدي قواتنا". وتدور المعارك حالياً عند أطراف البلدة حيث "تلاحق قواتنا المرتزقة"، وفق قوله.

يتصاعد الدخان الكثيف من أطراف البلدة وتُسمع أصوات قذائف الهاون وطلقات الرصاص مع استمرار الاشتباكات بين قوات سوريا الديموقراطية والجهاديين بالقرب منها. بين المنازل المدمرة وسط هجين، تمر سيارات مصفحة تابعة للتحالف الدولي يعتليها جنود يضعون خوذاً ونظارات شمسية.

لا تفارق طائرات ومروحيات التحالف سماء المنطقة، فيما تمر أيضاً سيارات محملة بمقاتلي قوات سوريا الديموقراطية متجهة إلى خطوط الجبهة الأمامية. يجلس أحد المقاتلين فوق إحدى الآليات رافعاً شارة النصر، ويطلق آخرون الرصاص في الهواء ابتهاجاً.

ألغام ومفخخات وانتحاريين
ولا يزال التنظيم يسيطر على غالبية الجيب الأخير الذي يتضمن قرى عدة، أبرزها السوسة والشعفة، ويتحصن فيه مئات المقاتلين من تنظيم الدولة الاسلامية. ويرجح أن العدد الأكبر من هؤلاء هم من الأجانب والعرب.

وواجهت قوات سوريا الديموقراطية صعوبات عدة للتقدم داخل الجيب الأخير، أبرزها وفق أواز، "السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية".

وفي هجين أيضاً، لجأ تنظيم الدولة الإسلامية إلى استراتيجيته المعتادة لإعاقة تقدم خصومه عبر زرع الألغام في كل الأنحاء. وقد بدأت قوات سوريا الديموقراطية، وفق أحد القيادة الميدانيين، العمل على إزالتها.

ويقاتل عناصر التنظيم بشراسة دفاعاً عن هذا الجيب الذي تحاصره قوات سوريا الديموقراطية منذ أشهر، وتستهدفه غارات التحالف الدولي، بوصفه آخر معاقله على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وقد شنّ الجهاديون السبت هجوماً مضاداً على هجين، إلا أن قوات سوريا الديموقراطية تمكنت من صده بدعم من غارات التحالف.

يُدرك عناصر التنظيم، وفق محللين، أنهم سيقتلون عاجلاً أم آجلاً ولم يعد لديهم مناطق واسعة ينسحبون إليها ما يفسر خوضهم قتالا شرساً.

الموت هو مصيرهم
يتذكر المقاتل في قوات سوريا الديموقراطية باهوز اللحظات الأولى لدخوله بلدة هجين، ويروي كيف سارع إلى تصوير جثث الجهاديين فيها. ويقول المقاتل "يعتقدون أنهم سوف يذهبون الى الجنة، لكننا قتلناهم (...) الموت هو مصيرهم بعدما دمروا كل شيء".

منذ بدء الهجوم في العاشر من سبتمبر، قتل أكثر من 930 جهادي و540 من قوات سوريا الديموقراطية، وفق المرصد السوري لحقوق اللإنسان الذي وثق أيضاً مقتل أكثر من 320 مدنياً، بينهم نحو 115 طفلاً، غالبيتهم في غارات للتحالف.

وخلال شهري اكتوبر ونوفمبر، استفاد التنظيم المتطرف من سوء الأحوال الجوية ومن خلاياه النائمة في محيط الجيب ليشن هجمات مضادة على قوات سوريا الديموقراطية ويجبرها على التراجع بعدما كانت قد أحرزت تقدماً ميدانياً.&

إلا أن قوات سوريا الديموقراطية أرسلت تعزيزات كبيرة خلال الأسابيع الماضية حتى بلغ عديد قواتها المشاركة في عملية طرد تنظيم الدولة الإسلامية من الجيب الأخير نحو 17 ألفاً، وفق المرصد.

وقد فتحت قوات سوريا الديموقراطية ممرات لخروج المدنيين. ولم ير مراسل فرانس برس في هجين أي مدني، بعدما فرّ الآلاف منها ومن القرى المحيطة خلال الفترة الماضية على وقع القصف والمعارك. يحضر المقاتل في قوات سوريا الديموقراطية محمد المحمد (19 عاماً) نفسه للتوجه إلى صفوف الجبهة الأمامية.&

ويبدو المحمد واثقاً من قرب القضاء على الجهاديين في المنطقة، ويقول "لم يتبق سوى القليل". ويضيف الشاب الأسمر الذي لف وجهه بوشاح بني اللون "معنوياتنا مرتفعة وسوف نتقدم إلى الشعفة والسوسة لتحريرهما والنصر لنا بإذن الله".
&