إيلاف: تأتي الهدنة الروسية بعد أربعة أيام على تبني مجلس الأمن الدولي قرارًًا ينص على وقف شامل لإطلاق النار في سوريا "من دون تأخير"، لكنه لم يمنع استمرار قوات النظام استهدافها للمنطقة المحاصرة وإن بوتيرة أقل.
هدوء ملحوظ
وأفاد مراسلان لفرانس برس في الغوطة الشرقية عن هدوء صباح الثلاثاء، وخروج بعض السكان من ملاجئهم لتفقد ممتلكاتهم وشراء الحاجيات. وأورد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "الهدوء يسود مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية مع دخول الهدنة حيز التنفيذ". ويُفترض أن تطبّق الهدنة يوميًا لمدة خمس ساعات، على أن يُفتح خلالها "ممر" عند معبر الوافدين شمال شرق مدينة دوما لخروج المدنيين، وفق الإعلان الروسي.
إخراج "هيئة تحرير الشام"
إلى ذلك أكدت فصائل سورية معارضة في الغوطة الشرقية الثلاثاء استعدادها لاخلاء مقاتلي هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وعائلاتهم من المنطقة بعد 15 يومًاً من دخول وقف اطلاق النار الذي أعلنه مجلس الامن الدولي حيز التنفيذ الفعلي.
وفي بيان مشترك وجّهته الى الامم المتحدة ومجلس الأمن، أعلنت فصائل جيش الاسلام وفيلق الرحمن وحركة أحرار الشام الاسلامية "التزامنا التام باخراج مسلحي تنظيم هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة والقاعدة وكل من ينتمي إليهم وذويهم من الغوطة الشرقية لمدينة دمشق خلال 15 يومًا من بدء دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ الفعلي".
يشكل جيش الاسلام وفيلق الرحمن الفصيلين الأكثر نفوذاً في المنطقة، وشاركا في جولات التفاوض السابقة في الأمم المتحدة.واقترحت الفصائل أن يتم ذلك "وفق آلية يتم الاتفاق عليها خلال الفترة نفسها، وبالتعاون مع مكتب المبعوث الخاص للامم المتحدة الى سوريا".
يطلب قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر ليل السبت من "كل الاطراف وقف الاعمال الحربية من دون تأخير لمدة 30 يوماً متتالية على الأقل في سوريا من اجل هدنة انسانية دائمة" لافساح المجال أمام "ايصال المساعدات الانسانية بشكل منتظم واجلاء طبي للمرضى والمصابين بجروح بالغة".
خرق جوي
خُرقت الهدنة الإنسانية التي أعلنتها روسيا لخمس ساعات يومياً ودخلت حيز التنفيذ صباح الثلاثاء في منطقة الغوطة الشرقية بغارات وقصف نفذه الطيران السوري، وفق ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان.
وأشار المرصد الى أن "قوات النظام شنت غارة على بلدة الأفتريس، وألقت برميلين متفجرين على بلدة الشيفونية. كما سقطت قذائف على أطراف مدينتي حرستا ودوما وفي بلدة مسرابا، حيث أصيب مدني بجروح".
ونقلت وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا" من جهتها "ارهابيو جبهة النصرة والمجموعات الارهابية تستهدف بخمس قذائف مسار الممر الامن لخروج المدنيين من الغوطة في مخيم الوافدين لمنع خروجهم ومواصلة استخدامهم دروعا بشرية".
ووثق المرصد قبل بدء تطبيق الهدنة مقتل سبعة مدنيين، هم رجل قتل جراء سقوط قذائف على مدينة دوما، حيث قتلت ايضاً سيدة جراء انهيار منزلها المتصدع بفعل القصف. ومن بين الضحايا ايضاً جثث خمسة مواطنين، بينهم طفلان، تم انتشالها من تحت أنقاض مبنى كانت غارة جوية قد استهدفته في وقت سابق قرب بلدة مسرابا.
الأمم المتحدة: القتال مستمر
هذا وأكدت الأمم المتحدة استمرار المعارك الثلاثاء في الغوطة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة رغم "الهدنة الإنسانية" التي أعلنتها روسيا.
وقال الناطق باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية جينس ليرك للصحافيين في جنيف "القتال مستمر هذا الصباح وفقا للتقارير الواردة إلينا من الغوطة الشرقية"، مضيفا أنه لا يزال من المبكر الحديث عن أي عمليات إغاثة للمدنيين في ظل تواصل الاشتباكات.
وأوضح ليرك أن "الأمم المتحدة حشدت (جهودها) وهي مستعدة لدعم قوافل الإغاثة بشكل فوري لدخول مناطق عدة في الغوطة الشرقية لدى سماح الظروف بذلك".
أضاف "نحن جاهزون، ولدينا خططا لإجلاء مئات الحالات الطبية في أقرب وقت ممكن". لكنه أكد "استحالة" سماح الأمم المتحدة في الوقت الحالي بإطلاق أي عمليات إغاثة للمدنيين في ظل استمرار المواجهات. من جهته، أكد الناطق باسم منظمة الصحة العالمية طارق ياسرفيتش للصحافيين إن لدى وكالته اسماء ألف شخص بحاجة إلى الإجلاء من الغوطة الشرقية، حيث تم تصنيف حالات 600 منهم بأنها "معتدلة أو شديدة" الخطورة.
مقتل أول مدني
قتل طفل الثلاثاء جراء قصف لقوات النظام السوري على الغوطة الشرقية، هو الأول بعد بدء تطبيق هدنة انسانية أعلنتها روسيا لمدة خمس ساعات يومياً يومياً في هذه المنطقة المحاصرة وفق ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إن "طفلاً قتل وأصيب سبعة مدنيين آخرين بجروح جراء اطلاق قوات النظام لأربع قذائف على الأقل على بلدة جسرين".
أخشى تجنيدي!
قال سامر البويضاني (25 عامًا)، أحد سكان مدينة دوما، "هذه الهدنة (الروسية) مهزلة، روسيا تقتلنا يوميًا، وتقصفنا يوميًا"، معربًا عن رفضه الخروج عبر الممر الذي أعلنت عنه موسكو.
وقال "أنا لا أؤمّن على نفسي أو على أهلي الخروج لناحية النظام (...) في حال وافقت وخرجت، سيقوم مباشرة بتجنيدي لقتال السوريين".
ونقل التلفزيون الرسمي السوري بثًا مباشرًا من معبر الوافدين، حيث توقفت حافلات في المكان الذي خيّم عليه الهدوء.
ومنذ بدء التصعيد العسكري في 18 فبراير، وثق المرصد السوري مقتل أكثر من 560 مدنيًا، بينهم نحو 140 طفلًا. وترافق التصعيد مع تعزيزات عسكرية لقوات النظام في محيط الغوطة الشرقية تنذر بهجوم بري واسع.
وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن أكثر من 700 شخص بحاجة إلى إخلاء طبي من الغوطة الشرقية، التي تعرّضت "76 في المئة" من منازلها لأضرار جراء القصف.
سيناريو حلب
وأورد مركز المصالحة التابع للجيش الروسي في قاعدة حميميم الجوية أن قرار الهدنة اتخذ "بالتنسيق مع السلطات السورية"، مشيرًا إلى أنها تتعلق بمناطق معينة في الغوطة الشرقية.
يأتي إعلان موسكو مع تأكيد أبرز الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، وبينها جيش الإسلام وفيلق الرحمن، رفضها أي "تهجير للمدنيين أو ترحيلهم". وسبق لروسيا أن أعلنت خلال معارك مدينة حلب (شمال) في العام 2016 هدنات إنسانية مماثلة بهدف إتاحة المجال أمام سكان الأحياء الشرقية للخروج، لكن من غادروا كانوا قلة، إذ عبّر كثيرون عن شكوكهم بشأن الممرات التي حددت كطرق آمنة.
انتهت معركة حلب بإجلاء آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين في ديسمبر العام 2016.
وفي مدينة حمورية، شاهد مراسل لوكالة فرانس برس رجلًا يزيل ركام جدار شقته الذي انهار جراء القصف، ومرّ في الشارع أمامه بضعة أشخاص سيرًا على الأقدام أو على دراجات نارية.
طغى الدمار على المشهد في حمورية، التي تحولت فيها مبان إلى جبال من الأنقاض، وأخرى فقدت واجهاتها. وقال محمد العبد الله (30 عامًا) من حمورية: "نحن أمام خيارين: الموت أو التهجير، الحملة التي مرت علينا كانت حملة إبادة"، مضيفًا "نتمنى هدنة دائمة على مستوى الغوطة كلها، وأن يفتحوا لنا المعابر الإنسانية، أو يهجّرونا من دون قتل".
رجّح العبد الله عدم نجاح الممرات "نتيجة معارضة الفصائل لها وغياب الضمانات"، مضيفًا "نريد ضمانات دولية لإخراج المصابين أولًا وكبار السن، ثم نفكر بعدها ببقية الأشخاص المدنيين". وأوضح "رأينا التجربة التي مرت في حلب، السيناريو عينه يعيد نفسه".
التعليقات