واشنطن: مر زمن كانت مدينة البصرة العراقية تُسمى بندقية الشرق بسبب قنوات الماء العذب التي تخترقها وشوارعها الأنيقة على ضفتي شط العرب. وتروي الأساطير أن سندباد البحري كان يبدأ مغامراته بالاقلاع من شواطئ البصرة.
وإزاء هذا التاريخ العريق والموقع الاستراتيجي فان البصرة ينبغي أن تكون مدينة مزدهرة. فهي منفذ العراق الوحيد على البحر ومركز محافظة البصرة التي تجلس على احتياطات نفطية تزيد على 200 مليار برميل تشكل ما لا يقل عن 80 في المئة من ثروة العراق النفطية، والمدينة مركز حضري يربو عدد سكانها على مليوني نسمة.
ولكن حال البصرة اليوم تبعث على الحزن. فان قنواتها أو ما تبقى منها محفوفة الآن بالنفايات وتنبعث منها رائحة كريهة بسبب مياه الصرف الصحي.
وكورنيش شط العرب مطرز بالحفر والتكسرات ولا يرى من ينتزه هناك إلا هياكل سفن غارقة بسبب الحروب السابقة. ورغم توافد شركات الطاقة العالمية على المحافظة لاستثمار حقولها النفطية منذ عقود فان نسبة البطالة في البصرة مرتفعة وخاصة بين الشباب والخريجين.
وفي حين أن البصرة ظلت بمنأى عن آثار الحرب التي استمرت أربع سنوات ضد تنظيم "داعش" فانها تجسد التحديات التي تواجه العراق بأسطع صورها، بما في ذلك ضعف الدولة المزمن وتفشي الفساد في مفاصلها وتجارة المخدرات وصعود دور التشكيلات المسلحة والعشائر التي تعمل وفق قوانينها هي.
وأصبح الكثير من ماء البصرة مالحاً غير صالح للاستهلاك البشري أو الحيواني بسبب عقود من سوء ادارة الموارد المائية.
ورغم ان مقاتلي داعش لم يصلوا الى البصرة فان تأثيرهم تبدى على الفور. وقال مؤسس ومحرر مجلة "عراق اويل ريبورت" المختصة بأخبار العراق الاقتصادية والنفطية ان المعركة ضد داعش تطلبت ارسال قوات الى الشمال واسفر ذلك عن تردي الوضع الأمني في البصرة.
وأدى هذا الفراغ الأمني الى عودة الميليشيات وانطلاق موجة من اعمال الخطف والسرقات وانتعاش تجارة المخدرات. وقامت العشائر المتنازعة بدورها في تفاقم الوضع.
ومع بلوغ استياء العراقيين من هذه الأوضاع ذروة غير مسبوقة فان مناطق مثل البصرة هي المحك الذي يُختبر فيه أداء الحكومة وقدرتها على إعادة العراق الى مكانه الجدير به في الأسرة الدولية أو العودة الى المزيج القاتل من الصراعات الطائفية والفساد الذي أسهم في ظهور الجماعات الجهادية اصلا.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "لوس انجيليس تايمز".
التعليقات