تتجه الأنظار إلى كيفية معالجة العلاقات اللبنانية السورية اليوم، بعد مرحلة الثقة المحسومة للحكومة اللبنانية الجديدة، حيث الإصطفافات المرتقبة على طاولة مجلس الوزراء لن تسهَل موضوع العلاقة اللبنانية مع سوريا.

إيلاف من بيروت: تتجه الأنظار بقوة إلى مرحلة ما بعد الثقة النيابية المحسومة بالحكومة اللبنانية الجديدة، وذلك بالنسبة إلى الاصطفافات المرتقبة على طاولة مجلس الوزراء بعدما أفرغ كل فريق سياسي ما في جعبته من انتقادات وتحفظات وحتى تراكمات في سياق مناقشة البيان الوزاري في حكومة "إلى العمل".&

ويبقى أن الحراك المكثف الذي شرع فيه رئيس الحكومة سعد الحريري باتجاه كل القيادات والمرجعيات السياسية، قد أدى إلى نشوء معادلة جديدة في السلطة قوامها التفاهم على كل الملفات باستثناء الملفات السياسية، وتحديدًا ما يتصل بها بعلاقة الحكومة مع عواصم القرار الإقليمية، وفي مقدمها سوريا، في ضوء الموقف المعروف للحريري من دمشق، إضافةً إلى ملف الإستراتيجية الدفاعية، الذي يبقى عنوانًا مطروحًا للنقاش، ولكن توقيته لم يتحدد بعد.

ملحّة إقتصاديًا
يؤكد المحلل السياسي والأكاديمي بشارة أبو زيد لـ"إيلاف" أن لبنان المنقسم على نفسه متضارب الرؤى بشأن إعادة تفعيل التواصل الرسمي مع سوريا، ففي حين يؤيد قسم كبير من اللبنانيين والقوى السياسية هذه العلاقات، ويعتبرونها ضرورة وحاجة لبنانية ملحّة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وأمنيًا أيضًا، يجهد فريق آخر في رفض هذه العلاقات وإعادة تفعيلها.

يتابع "على وقع السجال الداخلي حول العلاقات اللبنانية السورية​، توضع علامات الإستفهام حول ما تطرحه بعض القوى السياسية بالنسبة إلى رفض "التنسيق" مع دمشق أو "التطبيع" معها، لا سيّما في ظل المعاهدات الموقّعة بين الجانبين، التي لا تزال قائمة حتى اليوم، وهي تفرض على الدولتين، بحسب المادة الأولى من معاهدة "الأخوّة والتعاون والتنسيق"، العمل على تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق بينهما في جميع المجالات السياسيّة والإقتصاديّة والأمنيّة والثقافيّة وغيرها بما يحقق مصلحة البلدين في إطار سيادة وإستقلال كل منهما".

إضافة إلى ذلك، هناك مجلس أعلى بين البلدين، يتشكل من رئيس الجمهورية، في كل من الدولتين المتعاقدتين، وكل من رؤساء مجلس النواب والحكومة ونائب رئيس الحكومة، إلى جانب العديد من اللجان الأخرى التي تضم المسؤولين في الدولتين، أي إن رئيس الحكومة سعد الحريري​، الذي أعلن رفضه "التنسيق" مع دمشق، هو عضو في هذا المجلس.

14 آذار
رغم ذلك يؤكد أبو زيد أنه "في السابق، طرح ملف العلاقات اللبنانية السورية في أكثر من مناسبة، لكن كل مرة كان يصطدم بالعديد من الإعتراضات المحلية، أبرزها من جانب قوى الرابع عشر من آذار، لا سيما تيار "المستقبل"، في حين كانت قوى الثامن من آذار من الداعمين له.

يضيف: "لا تزال قوى الرابع عشر من آذار عند مواقفها السابقة، حيث إن هذا الأمر غير مطروح على الإطلاق، لا سيما أنه ليست هناك حكومة سورية تحظى بالشرعية للتنسيق معها، وتدعو إلى الإستمرار في طرح مسألة النازحين مع المجتمع الدولي، وبحسب 14 آذار فإن "المناطق الآمنة لا يمكن أن تطلب من دمشق، فهؤلاء هاربون من نظامها، لكن من الممكن دعوة الأمم المتحدة إلى إقامة مخيمات في الداخل السوري أو على الحدود يعود إليها هؤلاء".

وتعتبر 14 آذار، بحسب أبو زيد، أن أزمة النازحين السوريين كان من الممكن معالجتها في البداية، فيما لو أقدمت الحكومة السابقة على تنظيم عملية النزوح ضمن مخيمات تتوافر فيها كل الشروط التي تمنع إستغلالهم وتحفظ الإستقرار اللبناني.

وبحسب 14 آذار، يتابع أبو زيد فإن "التنسيق مع الحكومة السورية الحالية يعني إعطاء شرعية لها، الأمر الذي قد تكون له تداعيات على الواقع اللبناني، بغضّ النظر عن الوفود التي تزور دمشق، وتشير قوى 14 آذار، بحسب أبو زيد، إلى خطورة القيام بمثل هذه الخطوة بصورة منفردة، لا سيما أن غالبية الدول العربية تعارض هذا الأمر، لأنه في الأصل لا يمكن أن يتم البحث بحسب 14 آذار عن حل مع المسؤول عن المشكلة".

في المحصلة، يشير أبوزيد إلى أن قضية العلاقات اللبنانية السورية تراوح مكانها منذ اليوم الأول لبدء الحرب السورية، ولم تدفع المخاطر "الإرهابية"، أو تخلي المجتمع الدولي عن مسؤولياته، قوى الرابع عشر من آذار إلى مراجعة حساباتها، بالرغم من أن الحديث عن إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بات من الماضي، ما يعني أن الأمور مرجّحة إلى المزيد من التعقيد.
&