إيلاف من الجزائر: الحشود الهادرة التي هتفت في مسيرات الجزائريين السلمية، قد توحي للوهلة الأولى بعنف شديد متربّص كما هو حال غالبية التظاهرات في المنطقة العربية، لكن في الجزائر الأمر بدا مختلفا للغاية.

للعلاقة العدائية بين الشرطة والمواطن في العالم العربي تاريخ طويل، خاصة تحت نير الأنظمة السلطوية التي لا تفسح مجالا للحوار بغير الهراوات والغاز المُدمع، وفي أحيان كثيرة، يكون الحوار مباشرا... وبالرصاص الحيّ والبراميل المتفجرة كما جرى في ليبيا وسوريا ومن قبلهما وبدرجة أقلّ في تونس ومصر.

ولسنوات قليلة خلت، كان تجمعات الشباب العربي في الملاعب،&فرصة للتنفيس وابراز تلك العدائية في العلاقة مع عون الأمن البسيط، الذي بات في نظر الناس، مجرّد هراوة في يد السلطة، لا موظفا عاما يتقاضى أجره لحماية المواطن وصون أمنه وحرمته، فكان الوضع أشبه بحرب حقيقة ترى فيها القوارير والشماريخ واعقاب السجائر والقضبان المعدنية والحجارة تلقى بقوة في وجه رجال الشرطة، الذين يردّون بما تستوجبه التعليمات التي تأتيهم من "عقل أمني" لا يفقه قراءة نفسية الشباب، وفي ما وراء سلوكه العنيف وأسباب ذلك السلوك&الحقيقية، إنما هو "عقل كسول" يعتبرهم شرا مستطيرا فحسبُ، وجب تركيعه وتلقينه درسا تلو آخر في فنون الصمت والخضوع والانحناء والطاعة.

وتخوّف كثيرون من أن تتحول مسيرات الجزائريين ضدّ العهدة الخامسة للرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة، إلى عنف شامل يستغله الشباب الثائر على رئيسه المُقعد والمريض، لردّ الصاع صاعين لقوات الأمن خاصة في بلد يشكو مواطنوه كثيرا من رذيلة "الحُقرة" وتعني الاهانة والاذلال... لكن هذا لم يحدث قطّ.

يخطف الجزائريون أنظار أشقائهم في الشرق والغرب، بل إن كثيرين ينظرون اليهم بعين الحسد، خاصة من قام بثورتين متتاليتين لينتهي به الأمر تحت حكم عسكري يسجن ويقمع لمجرّد الشبهة، كما هو الحال في مصر، أو من انتهت به تظاهراته السلمية مسلحا ثم إلى أحضان متطرفين متشحين بالسواد، كما هو الحال في سوريا.

وحظيت مقاطع الفيديو التي نشرها الجزائريون عقب انتهاء مسيراتهم السلمية، وتظهر تكاتفا وتآزرا بين الشرطة والمحتجين، باهتمام روّاد مواقع التواصل.

كما حظيت مقاطع تنظيف الشوارع من طرف المحتجين، أيضا باستلطاف الكثيرين وتم اعادة نشرها على نطاق واسع، في محاولة لابراز تمدّن الشعب الجزائري وتحضّره.

وحرص كثير من الجزائرين على توزيع التمور والبرتقال والورود والمياه على النساء والرجال، وعلى اعوان قوات مكافحة الشغب، التي بادلت تحية الشباب المسالم بتحية أكثر سلما، والتقط كثيرون صور سيلفي تظهرهم وهم متعانقين مع اعوان الشرطة.

وقام العشرات من الشباب بمساعدة أعوان النظافة في تطهير الشوارع وازالة ما علق فيها من لافتات ممزقة وقوارير وأوراق وأعلام وبطاقات تتضمن شعارات مناهضة للعهدة الخامسة.

وحرصت عائلات على توفير الأكياس البلاستيكية وتوزيعها على الشبان، من أجل التقاط الفضلات وسحبها بعيدا عن الجادات الرئيسية ليس&في العاصمة وحدها، بل في مختلف مدن وقرى الجزائر.

&