تزايدت التساؤلات عن العلاقة بين النظام الديني في إيران وجماعة الإخوان المسلمين، ومن تأثر بمن منهما، بعدما تم طرح ترجمة مرشد إيران الأعلى علي خامنئي لكتاب القيادي الإخواني الراحل سيد قطب "في ظلال القرآن" باللغة الفارسية ونشرته مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث.

إيلاف: قالت وسائل الإعلام الإيرانية إن خامنئي كان بدأ بترجمة هذا الكتاب في عام 1969 على عهد النظام الملكي السابق، وكان عمره آنذاك 30 عامًا، وترجم بعض أجزاء الكتاب أثناء السجن، وبعد الانتهاء من الجزء الأول من ترجمة الكتاب، بلغت أسماعه أن الأستاذ الدكتور المرحوم أحمد آرام يقوم بترجمة الكتاب، لذلك توقف عن مواصلة الترجمة.&

وقالت وكالة (فارس) إن ترجمة الكتاب تتسم بالاتقان والروعة وذات أسلوب خاص بالمترجم، وهو ما أضاف جمالية إلى الكتاب. وفي بعض الحالات تم إدراج حواشي إلى بعض موضوعات الكتاب مع توقيع المترجم، وهو إما تفسير لنص المؤلف أو نقده.

ترجمات
يذكر أنها ليست المرة الأولى التي يترجم فيها خامنئي كتابًا لسيد قطب، الذي كان أعدمه الرئيس المصري جمال عبدالناصر في العام 1966، وينتمي إليه تيار التشدد في حركة "الإخوان المسلمين".&

صورة لقاء سيد قطب ونواب صفوي في القدس العام 1953

فقد كان خامنئي ترجم في العام 1966 كتاب "المستقبل لهذا الدين"، الذي ألفه سيد قطب، والذي كان حينها أبرز منظري جماعة الإخوان المسلمين. وحمل الكتاب المترجم للفارسية عنوان "بيان ضد الحضارة الغربية"، كما ترجم "الإسلام ومشكلات الحضارة" من العربية إلى الفارسية.

وفي المقدمة التي صاغها خامنئي، أثنى على سيد قطب، ووصفه بـ"المفكر المجاهد"، وأن كتبه تشكل خطوة على طريق إيضاح معالم الرسالة الإسلامية.

يشار إلى أن جماعة الإخوان ترتبط بالإسلاميين في إيران منذ الخمسينيات من القرن الماضي، من خلال اجتماع بين سيد قطب القيادي في الجماعة ونواب صفوي، مؤسس منظمة "فدائيي الإسلام" الثورية الإسلامية "فدائيو إسلام"، المقرب من الخميني، وذلك على هامش حضورهما مؤتمرًا في القدس.

تهنئة الخميني
جاء في كتاب "الإخوان المسلمون وإيران: الخميني - خامنئي"، أنه بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، بادرت الجماعة وجماعات إسلامية سنية أخرى عدة إلى تهنئة الخميني، ومد يد التعاون للعمل المشترك وفق مرجعية الثورة الإسلامية.

أيّد الإخوان الثورة الإيرانية، وزار وفد منهم طهران، وعارضوا استضافة الشاه في مصر، وناصروا إيران في حربها ضد العراق، خاصة في بداية المواجهات.

بعد وفاة الخميني، سنة 1989، نعته الجماعة، واحتسبته "فقيد الإسلام الذي فجّر الثورة ضد الطغاة". كما استمر التعاون بين الطرفين إلى السنوات الأخيرة.&

تهنئة مرسي
وحينما وصلت الجماعة إلى الحكم في مصر، كان خامنئي من أوائل المهنئين بفوز مرشح الجماعة محمد مرسي في انتخابات الرئاسة. وفي فبراير 2012 زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد القاهرة، وهي الزيارة الأولى لرئيس إيراني لمصر منذ اندلاع الثورة الإيرانية.

إلى ذلك، يشار إلى أن الضوء كان تسلّط ثانية على علاقات طهران ونظام ولاية الفقيه سياسياً وعقائديًا وتاريخيًا بجماعة الإخوان حين رفض النظام الإيراني القرار الأميركي المرتقب حول تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية.

ووفق تحقيق سابق أجرته هدى الصالح، لـموقع "العربية.نت"، يحتفظ الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين بصورة جمعت زعيمي الجماعتين اللتين توحدتا في الأهداف السياسية رغم اختلافهما في ثنائية "الخلافة والإمامة" نواب صفوي وسيد قطب.

لكن الجماعتين جمعتها أيديولوجية "الإسلام السياسي"، وكان نواب صفوي، واسمه الحقيقي مجتبى ميرلوحي (1924-1955)، رجل دين في الحوزة الشيعية في قم، ولعب دورًا كبيرًا في ربط الأصولية الشيعية بالحركات الأصولية الإسلامية الأخرى، من خلال "جمعية أنصار الإسلام"، التي كانت تروّج لمناهضة الغرب، وتتهم الشاة بالتبعية للاستعمار، وتدعو إلى إنشاء جبهة إسلامية واحدة.

سفر نواب صفوي
ويقول الباحث الإيراني مهدي خلجي، في مقال في موقع "معهد واشنطن" إن سيد قطب وجّه دعوة إلى نواب صفوي في عام 1954، وسافر نواب صفوي إلى الأردن ومصر للقاء قادة جماعة الإخوان، حيث تأثر هناك بالقضية الفلسطينية، وهي المرة الأولى التي يهتم فيها رجال الدين الإيرانيون بقضية فلسطين، حيث كانت هذه العلاقة تقتصر على المثقفين والنشطاء العلمانيين اليساريين في المجتمع الإيراني.

سيد قطب&

كان صفوي قد تورط عام 1946 بتدبير عملية اغتيال المؤرخ الإيراني أحمد كسروي، من خلال إعطاء الأوامر لاثنين من أتباعه، وذلك بعد اتهامهم لكسروي بـ " الانحراف ونشر الكتب الضالة".

اعتقل نواب صفوي، وأودع السجن، ولكن بضغط من الجماهير والمتظاهرين ضد حكم الشاه، أفرج عنه. ثم شارك في الاحتجاجات ضد الشاه، وكان يخطب في الناس بحماسة حادة وشعارات راديكالية، حتى تم اعتقاله مجددًا، وسُجن مرات عدة لاستمراره في المشاركة في الأنشطة المناهضة للشاه.

اغتيالات
بعد ذلك قام صفوى، ومن خلال منظمته "فدائيي إسلام" بتصفيات واغتيالات لسياسيين وشخصيات إيرانية، من بينها عملية اغتيال فاشلة لرئيس الوزراء حسين علاء، عام 1955، حُكم على إثرها بالإعدام، حيث نُفذ الحكم به في عام 1956، ولم يقبل الشاه وساطة كل من الخميني وجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

يقول المرشد الإيراني، علي خامنئي، في سيرته الذاتية القصيرة إنه أصبح مهتمًا بالأنشطة السياسية بعد لقائه بـ"نواب صفوي" في مدينة مشهد في إيران.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر من أول المرحّبين بالثورة الإيرانية عام 1979 ومن أشد الداعمين لتشكيل نظام الجمهورية الإسلامية على يد خميني.

حديث يوسف ندا
وذكر القيادي الإخواني يوسف ندا، في مقابلة تلفزيونية، أن الإخوان شكلوا وفدًا لزيارة الخميني عندما كان في المنفى في باريس لدعمه، وأن ثالث طائرة تهبط في إيران بعد طائرة الخميني بعد الثورة هي طائرة وفد الإخوان، الذي قدم إلى إيران لتهنئة الخميني.

سيد قطب ونواب صفوي&

يقول الباحث الإيراني مهدي خلجي من معهد واشنطن، إن الثورة الإيرانية منحت الثقة للإخوان المسلمين بأنهم أيضًا قادرون على قلب نظام الحكم العلماني في بلدهم، كما فعل الإيرانيون ضد الشاه، لكن بعد قيام متطرف إسلامي باغتيال الرئيس المصري أنور السادات في عام 1981، اضطرت جماعة "الإخوان" إلى اتخاذ موقف حذر من الجمهورية الإسلامية، على الأقل في العلن.

حديث تلمساني
ووفقًا لخلجي، فقد قال عمر التلمساني، المرشد العام لجماعة "الإخوان" في ذلك الوقت، في يناير من عام 1982، في تصريحات لصحيفة "المصور" المصرية الأسبوعية، "إننا دعمناه [الخميني] سياسيًا، لأن شعبًا مظلومًا قد تمكن من التخلص من حاكم ظالم واستعاد حريته، لكن من وجهة النظر الفقهية، فإن السنة شيء، والشيعة شيء آخر".

مع ذلك استمرت جماعة الإخوان المسلمين في انتقاد الخلافات الطائفية بين المسلمين، بحجة أن الوحدة ضرورية من أجل "الجهاد" ضد الحكام الفاسدين والغرب.

تواصل اللقاءات
وبعد سنوات من سقوط رئاسة محمد مرسي، تتواصل إيران بالجماعة وعناصرها في المنفى، خاصة في تركيا وقطر ودول أخرى.

وفي يوليو 2017، التقى آية الله محسن أراكي مستشار المرشد الإيراني، بنائب رئيس حركة الإخوان المسلمين في مصر إبراهيم منير، والعضو البارز فيها جمال بدوي، وأكد على تنمية التعاون العلمي بين الحوزات الدينية الشيعية والسنية، بحسب وكالة "فارس".

أثار اللقاء حفيظة جماعة الإخوان المسلمين السورية، التي انتقدت لقاء منير بأراكي ومشاركته في مؤتمر "الوحدة الإسلامية" في لندن، والذي نظمته منظمة إيرانية يرأسها أراكي، وصفته بأنه "خيانة لدم الشهداء الذي أهرقته الميليشيات الإيرانية".