كانت خسارة بلدية إسطنبول صفعة قاسية على وجه رجب طيب أردوغان. فإسطنبول قلبه، وهو خسر قلبه. فهل يستطيع أن يعيش طويلًا بلا قلب؟

إيلاف من بيروت: جرّب أول مرة وخسر. جرّب ثانية وخسر. إنها قصة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع بلدية إسطنبول. فهل تعني خسارة أردوغان بلدية إسطنبول بداية أفول نجمه في تركيا؟

هذا كان سؤال استفتاء "إيلاف" في الأسبوع الماضي. شارك فيه 856 قارئًا، قال 615 منهم إن الجواب هو "نعم"، بأكثرية 72 في المئة، فيما قال 241 منهم إن الجواب هو "لا"، بأقلية 28 في المئة.

حكم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الإخواني إسطنبول أكثر من ربع قرن. وفي الانتخابات البلدية الأخيرة، خسر ثلاث مدن: إسطنبول وأنقرة وأزمير. إلا أن الأهم هي إسطنبول التي استطاع أكرم إمام أوغلو، الذي ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض، أن ينهي عهد حزب العدالة والتنمية في إسطنبول.

أردوغان نفسه هو صاحب المقولة الشهيرة: "من يفُز بإسطنبول... يفُز بتركيا". وبالتالي، وعلى المنوال المنطقي نفسه، "من يخسر إسطنبول... يخسر تركيا". فهل خسارة مرشح أردوغان لبلدية إسطنبول أمام أكرم إمام أوغلو تعني بداية عهد تركي جديد، بعيد عن عهد أردوغان؟

الملف الكردي

نسبت بي بي سي إلى يوسف الشريف، الصحافي المتخصص في الشؤون التركية، قوله: "أول مرة منذ 17 عامًا، يختفي الرئيس التركي أردوغان ولا يظهر عقب الانتخابات للتعليق. فعلًا، إنها مرحلة جديدة وتركيا جديدة! حزب العدالة والتنمية الحاكم الآن أمام ناخبيه: ناخب خاصمه وترك التصويت، أو غاضب صوت ضده، أو ناخب موال مصدوم بالنتيجة يطالب باستقالات جماعية للمستشارين والوزراء".

ما يحبط أردوغان وأركانه أكثر أن الهزيمة الثانية أشد مضاضة من الأولى. فقد أحرج الرئيس التركي نفسه إذ ظن خطأً أن إعادة الإنتخابات البلدية في إسطنبول ستعيد توجيه الناخبين وتغيير مزاجهم.

بحسب أحد المراقبين، الملف الكردي ساهم في تعميق خسارة أردوغان في إسطنبول. فقبل أيام من الانتخابات، سُربت رسالة عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، من سجنه طلب فيها من الأكراد البقاء على الحياد في الانتخابات. لكن الأكراد صوتوا لإمام أوغلو، بعدما رأوا في هذه الرسالة، وفي السماح لأوجلان بمقابلة محاميه وعائلته، محاولتين بذلهما حزب العدالة والتنمية لاسترضاء الأكراد، واستثمار ذلك إنتخابيًا... وهذا ما لم يحصل.

إشارات إلى بداية جديدة

يقول المراقبون إنها إشارات إلى بداية مرحلة "تركية" جديدة، من دون كثير تفاؤل بأن ضربة إسطنبول وحدها كفيلة بزعزعة العرش الأردوغاني. وهم يذكرون بأن إسطنبول، أكبر مدن تركيا، شهدت ثورة اقتصادية خلال السنوات الأولى من عهد أردوغان. وفي الوقت الذي ضربت فيه الأزمة المالية العالمية العديد من دول العالم الغربي، تدفقت أموال المستثمرين إلى إسطنبول في مساعٍ إلى تحقيق أرباح عالية في هذه السوق الناشئة.

اليوم، يعاني الاقتصاد التركي حالة ركود. وهددت الولايات المتحدة، حليفة تركيا في حلف شمال الأطلسي، بفرض عقوبات إذا مضى أردوغان في شراء منظومة الدفاع الصاروخية&الروسية أس - 400، وهذا ما حصل.

إلى ذلك، يقول عالمون بالشأن الداخلي التركي إن الخسارة الثانية لحزب العدالة والتنمية في إسطنبول تلقي المزيد من الضوء على ما وصفه أكرم إمام أوغلو بأنه تبديد لمليارات الليرات التركية في بلدية إسطنبول، التي تبلغ ميزانيتها نحو 4 مليارات دولار، في ما يشبه اتهامات بالفساد.

وكان إمام أوغلو قد أشار في بداية أبريل الماضي إلى أن حزب العدالة والتنمية حاول أن يمحو سجلات إسطنبول من الحواسب الآلية قبل تسلمه إدارة المدينة وحضور مدققين مستقلين لفحص السجلات، مجددًا تعهده أنه سيأمر بإجراء عملية تدقيق مستقلة لسجلات المدينة للكشف عن الفساد.

ماذا بعد؟

يقول محللون سياسيون غربيون إن خسارة أردوغان انتخابات بلدية إسطنبول لصالح المعارضة تحمل رسائل &لا يمكن تجاوزها، وربما تنبئ بإمكانية رحيل أردوغان عن رئاسة تركيا قريبًا.

فالفارق بين الأصوات التي نالها علي بن يلدريم، مرشح أردوغان، وأكرم إمام أوغلو تصل إلى 800 ألف، أي هذا فارق كبير جدًا، لا مفر من الاعتراف بأنه دليل على أن تصويت الأتراك في إسطنبول لصالح حزب المعارضة هو رسالة مباشرة إلى أردوغان مفادها الآتي: "الشعب التركي لا يتقبل ممارستك السياسية خلال العامين الماضيين، ولديه ملاحظات سياسية وإجرائية ودستورية على تغيير أردوغان نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي". فإن كانت انتخابات بلدية إسطنبول بمنزلة الاستفتاء لتقبل الشعب التركي سياسات أردوغان الجديدة، فنتيجة الاستفتاء واضحة للعيان: أردوغان في مأزق سياسي وطني كبير.

يضيف المراقب نفسه أن انتصار المعارضة بهذا الفارق في عدد الأصوات يدل من دون أي شك على قدرة هذه المعارضة على إلحاق الهزيمة بأردوغان وحزبه في أماكن أخرى، وبالتالي هي قادرة على إسقاط أردوغان وإنهاء عهده.