أثارت وفاة الطفلة ندى بسبب الختان في مصر الكثير من الغضب والتساؤلات حول جدوى الحملات الرسمية التي ينظمها المجلسان "القومي للمرأة" و"القومي للطفولة الأمومة"، وحدثت تطورات مهمة في القضية، فأمرت النيابة العامة بحبس الأب والطبيب، وتدخل البرلمان على خط الأزمة أيضًا.

إيلاف من القاهرة: قررت النيابة العامة في مصر حبس والد الطفلة ندى حسين، ضحية ختان الإناث، والطبيب الذي أجرى لها عملية الختان في عيادته الخاصة، 4 أيام على ذمة التحقيقات، على أن يراعى لهم التجديد في المواعيد المقررة.

ووفقًا لمحضر الشرطة، فإن اللواء أسعد الذكير مساعد وزير الداخلية مدير أمن أسيوط، تلقى بلاغًا بوفاة الطفلة "ندى" وعمرها 14 عامًا داخل عيادة خاصة أثناء إجراء عملية الختان لها.

بالانتقال والإسعاف تبيّن صحة البلاغ وأن الطفلة داخل عيادة الطبيب الذي يدعى "على . ع" طبيب نساء توليد، على المعاش قضت أثناء إجراء عملية الختان، وتم تشكيل لجنة برئاسة مدير إدارة الصحة بمنفلوط، وبمشاركة إدارة العلاج الحر، وعثرت اللجنة على الطفلة داخل العيادة بعدما فارقت الحياة.

أمرت النيابة بعد المعاينة الأولية إرسال الطفلة إلى مشرحة مستشفى منفلوط المركزي لتوقيع الكشف الطبي عليها، وكشفت المعاينة الأولية للجثة تعرّضها لصدمة عصبية أثناء خضوعها لإجراء العملية، وأمرت النيابة العامة بالقبض على والدها والطبيب الذي قام بإجراء العملية.

وأثار الحادث ردود فعل غاضبة على المستويات الشعبية والرسمية كافة. وتقدمت النائبة منى منير، عضو مجلس النواب ببيان عاجل إلى رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الصحة، بشأن حادث وفاة طفلة التي تبلغ من العمر 12 عامًا، أثناء إجراء طبيب بعيادته الخاصة عملية ختان لها داخل إحدى العيادات الخاصة بقرية الحواتكة مركز منفلوط، محافظة أسيوط.

قالت النائبة في البيان الذي أرسلت لـ"إيلاف" نسخة منه، إن استمرار عمليات ختان الإناث مؤشر إلى عدم فاعلية المبادرات الحكومية وحملات التوعية خاصة في المناطق الريفية والصعيد، مشيرة: الطب والدين ضد هذه العملية، ومع ذلك لا تزال منتشرة.

وناشدت النائبة بالتعامل بحسم مع أي طبيب يثبت إجراؤه مثل هذه العمليات، وأيضًا توقيع عقوبات على ولي أمر أي طفلة يثبت خضوعها لهذه العملية.

وشددت على أهمية التعامل الأمني الحاسم مع العيادات الخاصة التي يتم إجراء هذه العمليات بها، وتوعية طلبة المدارس بأهمية التبليغ الفوري من خلال وسائل التواصل المختلفة مع الجهات المعنية عن هذه العمليات سواء قبلها أو بعد إجرائها.

أعلنت الجمعية المصرية لمساعـدة الأحداث وحقوق الإنسان عن إدانتها واستنكارها الشديد لواقعة سقوط ضحية جديدة لجريمة ختان الإناث في قرية الحواتكة التابعة لمركز منفلوط في محافظة أسيوط، والتي أصرت أسرتها على التشبث بتلك العادة الذميمة، والتي يجرّمها المشرع المصري، والتي نتجت منها إصابة الفتاة (14 عامًا) بصدمة عصبية تحت يد طبيب النساء والولادة الذي قام بإجراء العملية، مما أدى إلى وفاتها على الفور.

وقالت رباب عبده، نائب رئيس الجمعية ومسؤول ملف المرأة والنوع الاجتماعي، إن الواقعة تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الطفل لمخافتها أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، المعدل بالقانون 126 لسنة 2008، والمادة (242) مكررًا من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المستبدلة بالقانون رقم 78 لسنة 2016، والتي قررت عقوبة السجن من خمس إلى سبع سنوات لكل من قام بختان لأنثى، وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأت عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو أفضى ذلك الفعل إلى الموت، وكذا نص المادة 242 مكرراً (أ)، المضافة في القانون نفسه، والتي قررت عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز ثلاث سنوات لكل من طلب ختان أنثى، وتم ختانها بناءً على طلبه، وكذلك المادة (10) من القانون رقم 415 لسنة 1954 في شأن مزاولة مهنة الطب، وقرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007، الصادر بتاريخ 28 /6 /2007، والذي يحظر إجراء الأطباء وأعضاء هيئات التمريض وغيرهم أي قطع أو تسوية أو تعديل لأي جزء طبيعي من الجهاز التناسلي للأنثى (الختان) سواء تم ذلك في المستشفيات الحكومية أو غيرها من الأماكن الأخرى.

أضافت لـ"إيلاف" أن هذه الواقعة تكشف تكشف بما لا يدع مجال للشك أن هناك حالة من الخطورة التي تواجهها الدولة في محاربة عدد من الموروثات والعادات المغلوطة التي تنتقص من حقوق المرأة، على الرغم من أن الدولة المصرية ممثلة في قيادتها السياسية لا تدخر جهدًا في مسار تعزيز ودعم حقوق المرأة والطفل بها، وهو ما نقدّره ونرى أنه يمثل نقله نوعية في مجال الارتقاء بحقوق النساء في الداخل المصري.

وذكرت أنه على الرغم من هذا الدعم السياسي الذي تكفله الدولة المصرية لحقوق النساء، وتوافر الإرادة السياسية الداعمة لحقوقهن لدى متخذ القرار المصري، إلا أن هناك حربًا شرسة مع عدد من الموروثات الثقافية والدينية والاجتماعية والتربوية المغلوطة، ولعل أخطرها هو عادة الختان، التي تنال من الصحة الجسدية والنفسية للنساء، وترتب لديهم مشاكل على المستوى العضوي والنفسي والصحي يستحيل تلافي أخطارها في الحال والمستقبل.

دعت عبده إلى تصويب مسار مكافحة تلك العادات الضارة، بل والقاتلة، مشيرة إلى أن الواقعة الأخير لوفاة الطفلة "ندى"، تكشف عن حجم الفجوة الحاصلة بين جهود الآليات الوطنية المعنية بشؤون المرأة والطفل في مصر، وبين القواعد الشعبية المستهدفة بجهود تلك المجالس والآليات الوطنية، مما يجعل تلك العادات ومرتكبيها ومؤيديها في حالة من الأمان والاستمرارية بفضل تلك الموروثات المغلوطة غير صحيحة سواء دينيًا أو طبيًا أو ثقافيًا أو مجتمعيًا، وهو ما يستوجب إعادة النظر في طرق ومسارات مكافحة تلك العادات الاجتماعية الذميمة.

وقالت الدكتور إيناس عمر، الأستاذ في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن آخر الاحصائيات حول الختان تعود إلى العام 2014، مشيرة إلى أن هذه الاحصائيات تقول إن 92 بالمائة من السيدات اللاتي سبق لهن الزواج من سن 14 إلى 42 سنة تعرّضن للختان.

وأضافت لـ"إيلاف" أن هناك غالبية في المجتمع المصري تؤيد ختان الإناث بنسبة 58 بالمائة، ويعتقدون أن الختان نابع من الشريعة الدينية، موضحة أن نسبة الأمهات اللاتي ينوين إجراء الختان لبناتهن تصل إلى 37 بالمائة.

لفتت إلى أن نسبة الفتيات اللاتي تعرّضن للختان في مصر في العام 2014، في سن يتراوح من سنة إلى 7 سنة بلغت 21 بالمائة، بينما ارتفعت النسبة إلى 65 بالمائة في البنات من سن 16 و17 سنة.

وأشارت إلى أن عادة الختان تنتشر في محافظات الصعيد، بنسبة تصل إلى 90 بالمائة، وتنخفض هذه النسبة في محافظات الوجه البحري والمحافظات الساحلية لتصل إلى 15 بالمائة، موضحة أن محافظة القليوبية تعتبر الأعلى في محافظات الوجه البحري بنسبة 68 بالمائة، وفي القاهرة تصل النسبة إلى 35 بالمائة.

وفقًا لدراسة صادرة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف" في العام الماضي، فإن مصر تحتل المركز الرابع عالميًا والثالث على مستوى الدول العربية بنسبة 91%، مشيرة إلى أن الصومال تأتي في صدارة العالم والدول العربية في نسب انتشار ختان الإناث، بنسبة 98%، ويليها في القائمة غينيا ثم جيبوتي، ثم تأتي مصر وبعدها السودان في المرتبة الثامنة عالميًا والرابعة عربيًا بنسبة 88%.

أرجعت منظمة "اليونسيف" ختان الإناث إلى الموروثات الاجتماعية التي تربط بين الختان والطهارة والاستعداد للزواج، مشيرة إلى أن نسبة انتشار ختان الإناث في مصر عام 2000 تصل إلى 97%، وسجلت انخفاضًا عام 2015 إلى 92%، ثم إلى 87% عام 2016، إلا أن انتشار تلك الممارسة عاد إلى الصعود إلى 91 % عام 2017، رغم تبني الحكومة المصرية منذ عام 2008 تشريعات عقابية لمن يقوم بالختان للإناث.