ثمة إجماع على وجوب صيام رمضان المبارك في ظل تفشي جائحة كورونا، لأن الصيام يقوي المناعة البشرية ضد الوباء ولا يضعفها. أما المصاب، فليسأل طبيبه. وفي ذلك كله، يلتقي أهل الدين مع أهل الطب.

إيلاف من الرياض: يحلّ رمضان في هذا العام والناس منشغلة بتدابير الوقاية من جائحة كورونا المستجد، فيتساءل المسلمون عن حكم صيام الشهر الكريم في ظل ما يؤكده الأطباء والمختصون بشأن ضرورة تقوية المناعة البشرية بحسن التغذية لمحاربة فيروس "كوفيد-19".

في أوائل الشهر الحالي، ساد جدل في شأن ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار خبر زائف مفاده أن وزارة الصحة السعودية تنتظر فتوى من مجلس الإفتاء لجواز إفطار رمضان، بعدما ثبت أن شرب الماء الدافئ وعدم ترك الحلق جافًا يساعدان على مقاومة الفيروس، فتبين بعد ذلك أن لا صحة للخبر.

في مصر: اسألوا الطبيب

أصدرت دار الإفتاء في مصر فتوى جديدة بشأن صيام شهر رمضان في ظل انتشار فيروس كورونا، مؤكدة أن الأصحاء واجب عليهم الصوم.

وأشارت دار الإفتاء المصيرة إلى أنه "من كان صحيحًا لم يصبه فيروس كورونا واستوفى شروط الصيام ولم يكن لديه عذر يمنعه من الصوم وجب عليه الصوم بل هو أولى لأن الصوم يقوي المناعة".

تابعت: "في ما يخص المصاب بالفيروس، فإننا في هذه الحالة نسأل الأطباء، فإذا رأوا أن الصوم يضره فإنه يجب عليه أن ينصاع لأمر الطبيب وهو أمر واجب حتى يحافظ على نفسه، لأن حفظ النفس في هذه الحالة مقدم على الصيام".

وأكدت دار الإفتاء المصرية أن "الأطباء وطاقم التمريض الذين يواجهون فيروس كورونا يجوز لهم الفطر إذا وقع عليهم ضرر، والفتوى تبنى على رأي الأطباء في هذه الحالة".

وفي مقابلة متلفزة، قال شوقي علام، مفتي مصر، إن لجنة طبية عالية المستوى في دار الإفتاء المصرية أجمعت على أن فيروس كورونا يحتاج إلى مناعة، "والصوم يؤدي إلى تقوية المناعة".

أضاف: "الصوم في حد ذاته مطلوب شرعًا، وهو ركن من أركان الإسلام لا يسقط بحال من الأحوال إلا بعذر شرعي من مرض أو سفر أو حيض، وغيره من الأعذار الشرعية".

وبحسبه، رخص الإفطار موضحة في القرآن، "فهناك رخصة لمن كان مريضًا، ومجرد الخوف وحده من فيروس كورونا لا يمكن أن يرخص بسببه".

وعن مقولة "في وقت الأوبئة لا جماع أو صيام"، قال علام إن لا أساس لها من الصحة، ولم يقل بها أحد.

في تركيا: صوموا

في تركيا، أكدت رئاسة الشؤون الدينية التركية أن الصيام لا يضعف المناعة لدى الأفراد الأصحّاء ضد فيروس كورونا، ولا يجوز تعليقه في شهر رمضان لهذا السبب.

جاء ذلك في بيان صادر عنها الثلاثاء، شدد أن الصيام من أهم مبادئ الدين الإسلامي، "وتم تحديد توقيته بالوحي الإلهي، وأن الصوم فرض على كل مؤمن يتمتّع بالصحة، وما لم يكن يحمل الأعذار الشرعية التي تبيح له الإفطار في رمضان".

أضاف البيان الصادر عن رئاسة الشؤون الدينية التركية أنه من غير الممكن تعليق هذه العبادة بشكل كامل، وفقًا لما ورد في تعاليم الدين الإسلامي، مشيرًا إلى أن الخبراء في هذا المجال يؤكدون أن صيام الأفراد الأصحّاء لا يشكل سبباً لزيادة مخاطر انتشار كورونا، وأن الصيام لا يضعف المناعة، بل على العكس يساهم في تعزيزها وتقويتها.

ونوّه البيان إلى أنه بإمكان المرضى أو من يعانون مشكلات صحية الإفطار في رمضان، "ومن ثم قضاء ما فاتهم من أيام الصيام في وقت لاحق بعد تماثلهم للشفاء، وذلك بناء على استشارة الأطباء".

في العراق: بحسب درجة الإصابة

كان علي السيستاني، المرجعية الشيعية العليا في العراق، قال في رد على سؤال عن هذه المسألة: "اذا حلّ شهر رمضان القادم على مسلم وخاف من أن يصاب بالكورونا إن صام، ولو اتخذ كافة الاجراءات الاحتياطية، سقط عنه وجوبه بالنسبة الى كل يوم يخشى إن صامه أن يصاب بالمرض".

أضاف السيستاني: "إذا أمكنه تضعيف درجة احتمال الإصابة حتى يصبح مما لا يعتد به عند العقلاء، ولو من خلال البقاء في البيت وعدم الاختلاط بالآخرين عن قرب واستخدام الكمامة والكفوف الطبية ورعاية التعقيم المستمر ونحو ذلك، ولم يكن عليه في ذلك حرج بالغ لا يتحمل عادة لم يسقط عنه وجوب الصيام".

تابع السيستاني: "أما ما ذكر من أن الأطباء يوصون بشرب الماء في فترات متقاربة تفاديًا لقلة الماء في الجسم وجفاف الحلق، لأنهما يرفعان من احتمال الإصابة بفيروس كورونا، فهو لا يمنع وجوب الصوم إلا بالنسبة إلى من بلغه ذلك، فخاف من الإصابة بالمرض إن صام ولم يجد طريقًا لتقليل احتمالها بحيث لا يصدق معه الخوف، ولو بالبقاء في المنزل واتخاذ سائر السبل الاحتياطية المتقدمة. وأما غيره فلا بد من أن يصوم، علماً أنه ربما يمكن تفادي قلة الماء في الجسم في حال الصيام من خلال أكل الخضروات والفواكه الغنية بالمياه كالخيار والبطيخ الاحمر قبل الفجر".

في الطب: الصوم آلية مناعية

إلى ذلك، قالت دراسات حديثة إن الصيام يقوي فعليًا جهاز المناعة البشري، وبالتالي يعزز مقاومة فيروس كورونا المستجد.

وخلال الصيام، يستخدم الجسم الغليكوجين لإنتاج الطاقة. وحين ينتهي الغليكوجين، ينتقل الجسم إلى الدهون، علمًا أن الغليكوجين هو الشكل الأساسي الذي يتم فيه تخزين السكر في الجسم، يخزن في الكبد والعضلات ويُفكك بسهولة لاستعمال الغلوكوز الذي فيه. وبعد نفاد الغليكوجين، يفرز الجسم كيتونات كمنتج ثانوي لاستخدام الدهون بصفتها وقودًا. هذه الكيتونات مفيدة جدًا في مقاومة الجسم للإفلونزا، بحسب دراسة أجرتها جامعة يال الأميركية.

ثمة دراسة أخرى تقول إن الصوم المتقطع يعزز عدد الكريات البيضاء المهمة لمحاربة الفيروسات. فالصوم يجبر الجسم على استخدام الغلوكوز والغليكوجين لإنتاج الطاقة، ثم يقوم بعد ذلك بتقسيم الكريات البيضاء. في المقابل، يبدأ الجسم في تجديد وإنتاج خلايا بيضاء جديدة ما يساهم في إعادة ضبط نظام مناعة الجسم، علمًا أن طرد الفيروس من الجسم بالصيام هو إحدى الآليات الطبيعية التي يلجأ إليها الجسم لمحاربة العدوى.

في التغذية: اشربوا ماءً

يشدد المختصون في علم التغذية على أهمية تناول الصائم 8 إلى 10 أكواب ماء يوميًا، بين الإفطار والإمساك، فالماء يساهم في تعزيز مناعته ضد الفيروسات كافة.

كما يؤكدون أهمية تناول الخضروات والفواكه التي تحتوي على الماء، وتناول المشروبات الأخرى والفيتامينات، مع تجنب القهوة والشاي، أي كل ما فيه كميات وافرة من الكافيين.

يفضل مختصو التغذية أن يتجنب الصائم شرب عصائر الفواكه الجاهزة أو المُحلات، مع التركيز على العصائر الطبيعية، وأن يتجنب أيضًا تناول المشروبات الغازية والدهون المشبعة وغير المشبعة، خصوصًا الدهون الصناعية، وأن يكثر من تناول الأغذية المتوازنة التي تحوي ما يلزم الصائم من فيتامينات وبروتينات ونشويات، لتزويد الجسم بالمناعة اللازمة، خصوصًا في ظل جائحة كورونا.

أخيرًا، فليقلل الصائم من استخدام الملح في إفطاره وسحوره قدر مستطاعه، وليستبدله بملح معالج باليود.