فرضت أميركا عقوبات جديدة على النظام السوري والمتهاونين معه وداعميه، سمته "قانون قيصر"، إلا أن أغلبية قراء "إيلاف" ترى أن هذه العقوبات الجديدة لن تسقط هذا النظام، بل ستكتفي بهزّ أركانه.

دخل قانون "قيصر" حيز التنفيذ في 17 يونيو الجاري، وهو حزمة عقوبات فرضتها الولايات المتحدة على النظام السوري هدفها وقف انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها هذا النظام بحق شعبه. تنص هذه العقوبات على تجميد مساعدات إعادة إعمار سوريا بعد الحرب الأهلية المستعرة منذ 2011، وفرض عقوبات على النظام السوري والشركات المتعاونة معه، مستهدفة كيانات إيرانية وروسية ولبنانية.

في هذا الإطار، سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل ينجح قانون قيصر بإسقاط نظام الأسد؟". شارك في الإجابة عن هذا السؤال 462 قارئًا: أجاب 156 منهم بـ "نعم"، بنسبة 34 في المئة، مقارنة بـ 306 قراء أجابوا بـ "لا"، بنسبة غالبة تبلغ 66 في المئة.

يهز أركانه فحسب

ربما يصيب من يقولون إن هذا القانون لن يسقط النظام السوري، بل سيكتفي بهز أركانه. فهذه ليست أول عقوبات على هذا النظام، فقد عرقلت الإجراءات الأميركية والأوروبية منذ سنوات قدرته الاقتصادية؛ إذ طالت شركات ورجال أعمال وقطاعات مختلفة. إلا أن قانون "قيصر"، يوسّع دائرة الاستهداف لتطال أذرع النظام السوري إلى جانب عدد من مسؤوليه. فكل شخص أجنبي يتعامل مع حكومة بشار الأسد مستهدف، إلى جانب الكيانات الروسية والإيرانية في سوريا والكيانات اللبنانية التي تؤيد هذا النظام وتدعمه بأي شكل من الأشكال، من البناء إلى النفط.

ينص قانون "قيصر" على اتخاذ إجراءات خاصة بحق المصرف المركزي السوري إذا ثبت أنه "مؤسسة مالية أساسية في عمليات تبييض الأموال". ونقلت تقارير أوروبية عن إدوارد دينيرت، من وحدة "إيكونوميست" للبحوث قوله: "على الولايات المتحدة أن توضح إلى أي مدى تنطبق هذه العقوبات، لكن الأكيد إن قطاعات العقارات والإعمار والطاقة والبنى التحتية ستتأثر كثيرًا".

يضيف: "قانون قيصر آخر محاولة أميركية لفرض تسوية سياسية تطيح الأسد، لكن ذلك لن يحدث اليوم أو غدًا، فموقع الأسد مضمون اليوم من راعييه الروسي والإيراني"، مستنتجًا أن القانون لم يفعل إلا عرقلة قدرة نظام الأسد وأعوانه، خصوصًا في لبنان وعلى رأسهم حزب الله، على الاستفادة من فرص اقتصادية جزيلة توفرها عملية إعادة إعمار مكلفة لما هدمته الحرب الأهلية.

ويؤكد أن واشنطن صاغت هذه العقوبات "لإبقاء نظام الأسد منبوذًا ومعزلًا عالميًا، من دون أي تحرك حثيث اليوم لإطاحته، من منطلق أن التهديد الأميركي بفرض عقوبات إضافية كافيًا للحد من الاستثمارات الخارجية في سوريا اليوم، ومتى شحت هذه الاستثمارات بما تمثله من دعم خارجي، سيعاني نظام دمشق ماليًا بشكل أساس".

سيسقط في النهاية

من جانب آخر، يؤكد مراقبون أوروبيون أن الجميع يخشى أن تقتصر مفاعيل قانون قيصر على إنجاز وحيد: انهيار الليرة السورية بشكل غير مسبوق، بتجاوز سعر صرف الدولار أخيرًا عتبة 3000 ليرة سورية في السوق الموازية، وبالتالي المساهمة الفاعلة في انهيار الاقتصاد السوري، وارتفاع معدل السوريين الواقعين تحت خط الفقر، خصوصًا أن التقارير الأممية تبين أن أكثر من 80 في المئة من السوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية 133 في المئة منذ مايو 2019، كما يقول برنامج الغذاء العالمي.

يضيف هؤلاء المحللون أن سوريا عانت أزمات اقتصادية خانقة جدًا في الماضي، حتى في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، إلا أن النظام لم ينهر، بسبب القبضة الأمنية القاسية التي ما زال يتمتع بها حتى الساعة في مناطقه، وفي المناطق التي انتزعها من المعارضة بفضل حليفيه الروسي والإيراني. لكن المختلف في هذه المرة هو اتساق القانون مع قراري مجلس الأمن 2118 و 2254 ، ملقيًا مسؤولية التنفيذ على النظام السوري وروسيا وإيران، ما يجعل من الروس شركاء فيه، تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة، في ظل ظروف دولية تبدو مواتية لتطبيق القانون، لأنه ينسجم مع سياسة الضغط القصوى على إيران وتحجيم أذرعها في العراق ولبنان.

ويرى محللون أن الأزمة الاقتصادية القصوى في سوريا اليوم، وانهيار الليرة السورية، سيدفعان الأسد إلى تقليص خياراته في مواجهة أي عقوبات أميركية جديدة متوقع أن تطال أركانًا عسكرية واقتصادية وسياسية فيه. ففي حال أصرَّ الأسد على مواصلة العنف، ربما يفتح قانون قيصر بابًا لتفكيك النظام السوري، بدفع الخاضعين له والواقعين تحت تأثيره للتمرد على سلطاته بسبب تزايد أزماته المعيشية وعجزه عن تقديم حلول واقعية وملموسة، فتضعف قدرة النظام على السيطرة الداخلية، وتندفع قطاعات من السوريين حتى من المؤيدين للنظام إلى المطالبة بوضع حد للأزمة من خلال الحلِّ السياسي. واي حل سياسي يعني في النهاية انتهاء النظام السوري كما هو الآن.