زحلة: في مدرسة سيدة لورد الكاثوليكية في مدينة زحلة في شرق لبنان، يدخل الأهالي تباعاً إلى مكتب الراهبة كوليت مغبغب للاستفسار عن نبأ إقفال المؤسسة لأبوابها، على وقع انهيار اقتصادي يهدّد مصير مئات المدارس الخاصة في البلاد.

تقول مغبغب، رئيسة المدرسة، لوكالة فرانس برس، خلال استراحة بين الزيارات المتتالية، "فعلت المستحيل للحصول على مساعدات (...) من دون نتيجة".

تُعدّ المدرسة التي تأسّست عام 1885، واحدة من 331 مدرسة كاثوليكية في البلاد، تُدرّس ثمانون في المئة منها اللغة الفرنسية. ومن شأن إغلاق عدد من تلك المدارس أن ينعكس سلباً على المستوى التعليمي وقطاع التعليم في لبنان. كما ستتأثر الفرنكوفونية بشكل عام، في بلد تتراجع فيه اللغة الفرنسية أساساً أمام الإنكليزية.

تجاوزت تلك المدارس، التي أنشأت إرساليات فرنسية في القرن التاسع عشر العدد الأكبر منها، أزمات متلاحقة مرّت على لبنان، لا سيّما الحرب الأهلية (1975-1990). إلا أنها اليوم تجد نفسها عاجزة بمواجهة أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد في تاريخها الحديث.

دفعت الأزمة باريس إلى التدخل عبر تقديم تمويل عاجل بقيمة 12 مليون يورو خلال الأشهر المقبلة. وتحدث وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان قبل أيام عن "التزام مهم" بدعم المدارس في لبنان.

يقول الأمين العام لاتحاد المدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار لفرانس برس إن "بين 50 و75 مدرسة مهددة اليوم بالإقفال"، مشدداً على أنه "من دون المدارس الكاثوليكية، ليس هناك من تعليم فرنكوفوني في لبنان".

ويوضح السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه لفرانس برس أن لبنان هو "البلد الأول في العالم في ما يتعلق بعدد الطلاب الذين يتعلمون وفقاً للمنهاج الفرنسي بفارق كبير عن المغرب الذي يحلّ في المرتبة الثانية".

وتضم المدارس الفرنسية وتلك المعتمدة من وزارة التربية الفرنسية 120 ألف طالب من أصل نصف مليون في كل المدارس الفرنكوفونية في لبنان، وفق السفارة الفرنسية، أي نحو خمسين في المئة من إجمالي طلاب البلاد.

إقفال على مضض
لا تطال تداعيات الانهيار المدارس الكاثوليكية فحسب، بل أيضاً مؤسسات تعليمية أخرى. وتواجه البعثة العلمانية الفرنسية، التي تدير خمس مدارس في كل أنحاء البلاد، أسوأ أزماتها منذ دخولها إلى لبنان قبل أكثر من قرن من الزمن. وغادرها أكثر من 1500 تلميذ، لم تعد عائلاتهم قادرة على تحمل أعباء الأقساط. كما جرى فصل 180 فرداً من طاقمها التعليمي، بحسب مصدر مواكب للأزمة.

جراء الأزمة التي تترافق مع شح في الدولار وانهيار في قيمة الليرة، خسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم. وبات نصف اللبنانيين يعيشون تقريباً تحت خط الفقر بينما يعاني 35 في المئة من القوى العاملة من البطالة.

وكانت مدرسة سيدة لورد التابعة لراهبات القلبين الأقدسين تضم 250 تلميذاً من أبناء الطبقة الفقيرة أو الوسطى المتدنية، قررت الراهبات نقلهم إلى مدرستين أخريين تابعتين لهن في المنطقة.

وتقول مغبغب "وافقت على مضض على قرار الإغلاق، لكن كيف لنا أن نكمل؟"، بعدما باتت ورهبنتها عاجزات عن تأمين المنح الدراسية اللازمة في خضم الأزمة الراهنة.

اعتاد أولياء الأمور في هذه المدرسة الخاصة وشبه المجانية أن يدفعوا جزءاً بسيطاً من القسط، بينما تؤمّن الراهبات الجزء الآخر عبر منح دراسية. في مكتب مغبغب، يطرح سامر وزوجته السؤال تلو الآخر عما ستؤول إليه الأمور، بينما يلعب طفلهما جوليان (سبع سنوات) للمرة الأخيرة في أروقة مدرسته. يقول سامر (47 عاماً)، صاحب محل سمانة وعصير لفرانس برس "قد لا أتمكن من دفع قسط ابني الثاني في العام المقبل".

ومع انهيار الليرة، بات مدخول سامر الذي كان يعادل 800 دولار قبل أشهر عدة يساوي 150 دولار تقريباً وفق سعر الصرف المتغير بين يوم وآخر في السوق السوداء. وتخطى سعر الصرف في الأسبوع الماضي عتبة التسعة آلاف مقابل الدولار، قبل أن ينخفض في اليومين الأخيرين إلى ما دون السبعة آلاف.

خطة دعم طارئة
لطالما اعتُبرت المدارس الكاثوليكية، التي تستقطب طلاباً من الطوائف كافة، أحد أعمدة القطاع التعليمي في لبنان نظراً الى جودة تعليمها وكفاءة كوادرها.

وفي مناطق عدّة، تفضّل عائلات كثيرة إنفاق الجزء الأكبر من مدخولها على تعليم أولادها في هذه المدارس عوضاً عن المدارس الرسمية، التي يشكو كثيرون من تدني مستوى تعليمها وافتقادها للتجهيزات.

ويُتوقّع أن تستقبل المدارس الرسمية في السنة الدراسية المقبلة 120 ألف طالب تركوا المدارس الخاصة جراء الأزمة الاقتصادية عدا عن اللاجئين السوريين، وفق ما يقول مصدر في وزارة التربية والتعليم العالي.

ولمساعدتهم على تخطي الصعوبات الراهنة ولتفادي الأسوأ، أعلن الفاتيكان في مايو الماضي أن البابا فرنسيس سيقدم مئتي ألف دولار لدعم 400 منحة دراسية تعود الى طلاب لبنانيين.

أما الدعم الفرنسي المرتقب، فيأتي في إطار خطة طوارئ تتضمن تخصيص "ملايين عدة" لخمسين مدرسة معتمدة من فرنسا، فضلاً عن صندوق خاص للمدارس المسيحية وخطة شاملة لكافة المدارس الفرنكوفونية. ويؤكد السفير الفرنسي "إذا انهار التعليم، خصوصاً الفرنكوفوني، سنفقد نقطة ارتكاز أساسية لن نتمكن من استعادتها".