تونس: تنطلق في تونس الخميس مفاوضات سياسية ماراتونية تمتد على عشرة أيام يقودها الرئيس قيس سعيّد بحثا عن مرشح توافقي لخلافة رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ من أجل نيل ثقة برلمان منقسم بينما تواجه البلاد أزمة اجتماعية خانقة.

جاءت استقالة الفخفاخ اثر أشهر من خلافات حادة خرجت للرأي العام بين رأس السلطة الرئيس قيس سعيّد ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي.

وقدم الفخفاخ استقالته الأربعاء اثر اتهامات تلاحقه في ملف تضارب مصالح وتحقق فيه لجنة برلمانية، كما تشبث حزب النهضة ذو المرجعية الاسلامية بسحب الثقة منه بسبب هذا الملف.

ودفعت الاستقالة بسعيّد أستاذ القانون الدستوري السابق والمدافع عن مبادئ ثورة 2011، من جديد ليكون لاعبا أساسيا في المشهد السياسي وفقا لما ينص عليه الدستور، وليقود مشاورات مع الأحزاب السياسية والكتل النيابة والمنظمات على أن يقدم مرشحه خلال مهلة عشرة أيام.

مرشح سعيّد سيكون مقيدا وفقا للدستور بتشكيل حكومة خلال شهر وعرضها على البرلمان لنيل الثقة.

غير أن مهمّة سعيّد لن تكون بالهيّنة لإقناع النهضة (45 نائبا من أصل 217) التي فشل مرشحها لرئاسة الحكومة الحبيب الجملي مطلع العام 2020 في نيل ثقة البرلمان وتم المرور الى الفخاخ الذي رشحه الرئيس وقبلت به درءا لانتخابات برلمانية سابقة لأوانها آنذاك.

استغرقت المفاوضات السابقة منذ أن أجريت الانتخابات النيابية في أكتوبر 2019 نحو أربعة أشهر من التجاذبات السياسية الى حين تم الاتفاق على الفخفاخ ونيله الثقة نهاية فبراير.

"من الثورة...الى البراغماتية"

يصف المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي وضع الرئيس التونسي مثل الشخص الذي "يمشي على خيط رفيع"، مبينا أنه أصبح في وضعية حرجة لأنه يجب أن يحسن اختيار المرشح حتى يتمكن من الحصول على الأغلبية البرلمانية...ان فشل في ذلك سيعرض البلاد الى مرحلة دقيقة وربما انتخابات مبكرة".

دفعت النهضة باستقالة الفخفاخ بعد أن فشلت في اقناعه بتوسيع الائتلاف الحاكم وإشراك أحزاب أخرى وشعرت وكأنها مهمشة داخل الحكومة التي تضم أحزابا تلتقي مع سعيّد في الدفاع عن مبادئ ثورة 2011 وتختلف مع النهضة في بعض السياسات.

ويرى الجورشي في هذا السياق أنه بالنسبة للمشهد السياسي في المستقبل ربما "سنشهد تحوّلاً في التحالفات، من ما كان يسمى بائتلاف الثورة (حكومة الفخفاخ) الى الشق الآخر البراغماتي...الانتقال من منطق الثورة الى منطق البراغماتية المبنية على المصلحة السياسية"

ظهر في الآونة الأخير توافق علني بين حزب النهضة وحزب "قلب تونس" (27 نائبا) الذي يترأسه رجل الأعمال نبيل القروي.

أصرّت النهضة منذ البداية على إشراك "قلب تونس في الحكم" لكن قوبل طلبها برفض متواصل من الفخفاخ.

ترشح نبيل القروي للانتخابات الرئاسية الفائتة وانحصر السباق بينه وبين قيس سعيّد في جولة ثانية حاسمة خسر فيها أمام تصويت شعبي فاق 70 في المئة لصالح سعيّد.

ليس بالأمر الهين تحديد توجه الرئيس التونسي لاختيار مرشحه. فقد عبّر في أكثر من مناسبة عن كرهه الشديد للمناورات السياسية "داخل الغرف السوداء" كما أن له كامل الصلاحيات في ان يفرض شخصية ربما لا تفضلها الأحزاب.

فرضية انتخابات مبكرة

يقول أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني إن الرئيس "يملك صلاحية حلّ" البرلمان بينما "ستخسر الكتل النيابية الكثير" ان تم اقرار انتخابات مبكرة.

وقد أظهرت استطلاعات للرأي تم نشرها في وسائل اعلام محلية مطلع الأسبوع الحالي تقدم "الحزب الدستوري الحرّ" في نوايا التصويت. وتقود هذا الحزب المحامية والمدافعة عن نظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، عبير موسي.

تقود موسي حملة ضد حزب النهضة وراشد الغنوشي وتتهمه بالتسبب في تأزم الوضع في البلاد منذ الثورة.

وقامت موسي الخميس بالاحتجاج في مقر البرلمان وعطلت سير جلسة كانت مخصصة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية.

وهذا مؤشر آخر على أن التجاذبات السياسية والخلافات داخل البرلمان ستكون فاصلة في عملية منح الثقة للمرشح الجديد.

وفي حال فشل مرشح سعيّد في كسب ثقة البرلمان ب 109 أصوات، فتتعزز فرضية المرور الى انتخابات نيابية مبكرة نهاية العام 2020 والبلاد لم تخرج بعد من أزمة اقتصادية واجتماعية حادة.

وتتواصل في الجنوب التونسي منذ أسابيع احتجاجات اجتماعية للمطالبة بالتشغيل بالقرب من حقول لاستخراج النفط والغاز ويهدد المحتجون بوقف الانتاج في منشآت نفطية في ولاية تطاوين.

كما أثرت أزمة كوفيد-19 على اقتصاد البلاد المهدد بانكماش قد تبلغ نسبته 6,8 في المئة وبخسارة أكثر من 130 ألف شخص وظائفهم، حسب تقديرات رسمية. بينما يقدر اقتصاديون أن الأرقام ربما تتجاوز المعلن عنه بكثير مع تواصل غياب الاستقرار الحكومي.

بالموازاة مع ذلك، فإن المفاوضات مع المانحين الدوليين ربما تتأثر بتغير المسؤولين والبلاد في حاجة مستمرة لتمويلات خارجية لاصلاح وضع المالية العمومية وقد أقرّ الفخفاخ سابقا بأن غالبية الشركات الحكومية مفلسة تقريبا.