إيلاف من بيروت: قدّم وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي الإثنين استقالته إلى رئيس الحكومة حسان دياب، منتقدأ غياب "إرادة فاعلة" لتحقيق إصلاحات ملحّة يضعها المجتمع الدولي شرطاً لحصول لبنان على دعم خارجي يخرجه من دوامة الانهيار الاقتصادي.

وقال حتي في بيان "بعد التفكير ومصارحة الذات، ولتعذّر أداء مهامي في هذه الظروف التاريخية والمصيرية (...) وفي غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به، قررت الاستقالة من مهامي كوزير للخارجية والمغتربين".

وأضاف "شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد إسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة" محذراً "إن لم يجتمعوا حول مصلحة الشعب اللبناني وإنقاذه، فإن المركب لا سمح الله سيغرق بالجميع".

لبنان ينزلق إلى دولة فاشلة

وحذر حتي من أن " لبنان اليوم ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة". وقال حتّي في بيانه "تربيت ونشأت وعشقت واعتنقت لبنان، لبنان المنارة والنموذج، لبنان موطن الرسالة وملتقى الشرق بالغرب. لبنان اليوم ليس لبنان الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً، لبنان اليوم ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة لاسمح الله، وإنني أسائل نفسي كما الكثيرين كم تلكأنا في حماية هذا الوطن العزيز وفي حماية وصيانة أمنه المجتمعي، إنني وبعد التفكير ومصارحة الذات، ولتعذّر أداء مهامي في هذه الظروف التاريخية المصيرية ونظراً لغياب رؤية للبنان الذي اؤمن به وطناً حراً مستقلاً فاعلاً ومشعا في بيئته العربية وفي العالم، وفي غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي للقيام به".

استقالات مرتقبة؟

وأشار مصدر مطلع فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن أسباب كثيرة دفعت حتّي الى الاستقالة، لعل أبرزها انه لم يستطع حتى لحظة تقديم استقالته تعيين فرد واحد من أفراد فريق عمله في وزارة الخارجية التي تخيم عليها ظلال وزير الخارجية السابق جبران باسيل.

ولا يزال باسيل يمسك بمفاصل الوزارة كلها، الأمر الذي يجعل اتخاذ أي قرار جديد مسألة معقدة.

أكثر من ذلك، يضيف المصدر، فإن حتي لم يتمكن حتى من إنجاز التعيينات الديبلوماسية، بسبب تطويق باسيل له، وبسبب مطالبه العصية عن التلبية، والنابعة من رغبة باسيل في الاستمرار بعمله كوزير خارجية الظل.

وفي إطلالة متلفزة ضمن برنامج يقدمه الإعلامي اللبناني مارسيل غانم عبر شاشة "إم تي في" المحلية، امتنع حتّي عن الإجابة عن سؤال يطرح مطالبة لبنان بعودة سوريا الى الجامعة العربية، وهو موقف تبناه وزير الخارجية السابق جبران باسيل. وأوضح حتّي أن عضوية سوريا معلقة والأمر رهن التشاور العربي.

كما لم يبد حتّي أي حماسة لزيارة دمشق بل فضل أن يبقى التواصل كما هو حالياً على مستوى أمني.

وأوردت محطة "أم تي في" التلفزيونية الاثنين أن استشارات أجريت هدفت إلى الاتفاق على إسم يخلف حتّي، والأبرز هو السفير السابق شربل وهبي.

في المقابل، تحدثت المحطة عن إحتمال وجود إستقالات أخرى قد تشمل وزيرة الإعلام منال عبد الصمد.

وشكل دياب في مطلع العام الحالي حكومة اختصاصيين، حظيت بدعم رئيسي من حزب الله وحلفائه، في خضم أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ لبنان الحديث.

من الاختصاصيين

وكان حتّي يُعد من الوزراء الاختصاصيين نظراً لخبرته الطويلة في السلك الدبلوماسي، وهو من الوزراء الذين سماهم "التيار الوطني الحر" الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون. وتحدثت وسائل إعلام محلية عن احتجاج حتّي على أداء دياب خصوصاً في ما يتعلق بملف الخارجية وطريقة التعامل مع المجتمع الدولي.

واشترط المجتمع الدولي، وعلى رأسه فرنسا التي زار وزير خارجيتها جان ايف لودريان لبنان الشهر الماضي، إجراء إصلاحات ضرورية وعاجلة للحصول على دعم خارجي يساهم في إعادة تشغيل العجلة الاقتصادية، إلا أن الحكومة اللبنانية ورغم وعود كثيرة أطلقتها لم تقدم على أي خطوات ملموسة بعد.

وانتقد رئيس الحكومة قبل أيام زيارة لودريان، الذي حذّر من أن لبنان "بات على حافة الهاوية" في حال لم تسارع السلطات إلى اتخاذ إجراءات لإنقاذه. وقال دياب إن المسؤول الفرنسي كان لديه "نقص في المعلومات" حول مسار الإصلاحات الذي بدأته حكومته ولم تحمل أي جديد. وبحسب وسائل اعلام محلية، أثار استبعاد دياب لحتي عن اللقاء الذي عقده مع لودريان بحضور ثلاثة وزراء امتعاض الوزير المستقيل.

وطلبت الحكومة مطلع مايو مساعدة رسمية من صندوق النقد على أساس خطة انقاذ اقتصادية أقرتها. وعقد ممثلو الصندوق سلسلة اجتماعات مع الجانب اللبناني، قبل أن يتمّ تعليق المفاوضات بانتظار توحيد المفاوضين اللبنانيين لتقديراتهم إزاء خسائر الدولة المالية ورؤيتهم لكيفية بدء بالاصلاحات.

ولم يوفر الانهيار الاقتصادي أي طبقة اجتماعية، خصوصاً مع خسارة الليرة أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها أمام الدولار، ما تسبب بتآكل القدرة الشرائية للمواطنين. وخسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم. وبات نصف اللبنانيين تقريباً يعيش تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35 في المئة.