يتراجع عدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا المستجد بشكل مطرد في أجزاء كثيرة من أفريقيا، لكن هذه الأنباء السارة شابتها فضائح تتعلق بالفساد وفقدان الأموال المخصصة لمكافحة هذا الوباء.

جوهانسبرغ: في البلدان الأفريقية التي تعاني أصلا من الفساد، صُدم الجمهور بالكشف عن عقود مضخّمة ممنوحة لأشخاص لهم علاقات سياسية فضلا عن الفواتير المضخمة والسرقة الواضحة.

تتصدر جنوب أفريقيا قائمة الفضائح حيث يحقق مسؤولون حكوميون في أكثر من 600 شركة ومؤسسة منحت خمسة مليارات راند (300 مليون دولار) في عقود لتوريد معدات الحماية الشخصية للعاملين الصحيين وتوزيع مساعدات الإغاثة.

وسرقة أموال الدولة ليست ظاهرة جديدة في جنوب أفريقيا حيث تعود الفضائح إلى عهد الرئيس السابق جاكوب زوما.

لكن فكرة تبخّر أموال مخصصة لمعدات الوقاية الشخصية والمساعدة في حالات الطوارئ، شكّلت صدمة لدى العديد من مواطني جنوب إفريقيا. وقد أطلق على الناهبين لقب "تجار كوفيد".

ونظم العاملون الصحيون احتجاجات في أماكن عملهم بلغت ذروتها الأسبوع الماضي مع اعتصام خارج مكتب الرئيس سيريل رامافوزا في بريتوريا لتسليط الضوء على نقص الكمامات والأدوية الطبية والقفازات والنظارات الواقية للعاملين في الخطوط الأمامية.

فهم فقدوا حتى الآن ما لا يقل عن 240 من زملائهم بسبب كوفيد-19 من بين أكثر من 27ألف عامل طبي أصيبوا أثناء أداء الواجب.

وقالت الممرضة فرانس موكوب "لم نعد نستطيع السكوت بعد الآن".

وكشف إدوار كيسويتر رئيس مصلحة جباية الضرائب في البلاد الخميس أن 63 في المئة من المناقصات على معدات الحماية الشخصية التي منحت لم تكن متوافقة مع قوانين الضرائب وأن العديد من الشركات التي فازت بها ليس لديها خبرة في إمدادات معدات الوقاية الشخصية.

عتاد وأموال مفقودة

سجلت أفريقيا 1,33 مليون إصابة بكوفيد-19 وحوالى 32 ألف وفاة، وفقا للأرقام الرسمية. وإذا كانت هذه الحصيلة دقيقة، فإن تأثير الوباء على الصحة كان أقل حدة بكثير مما كان يُخشى في البداية.

لكن بالنسبة إلى العديد من البلدان، جاء هذا النجاح بكلفة اقتصادية خانقة بسبب حظر التجول وعمليات الإغلاق، ورغم النقص الكبير في معدات الوقاية الشخصية للعاملين في الخطوط الأمامية ومعدات العناية المركزة.

في شرق أفريقيا، انتشرت الصور التي التقطها أطباء وممرضون لمعدات الوقاية الشخصية المعيبة التي وزعت على وحدات العناية المركزة في مستشفيات كينيا على نطاق واسع، ما أدى إلى إحراج الحكومة.

وتخضع هيئة الإمدادات الطبية الكينية لتدقيق خاص، إذ يُتهم المسؤولون فيها بسرقة مبالغ ضخمة مخصصة لمعدات الحماية الشخصية.

ولم يستطع المحققون العثور على 64 مليون دولار، لكن الناشطين يقولون إن هذه مجرد بداية.

وأفاد تحقيق تلفزيوني تحت عنوان "مليونيرات كوفيد" كان سباقا في كشف هذه المعلومات، بأن السرقة أكبر من ذلك المبلغ بكثير، مقدرا إياه بحوالى 400 مليون دولار.

في أوغندا، يواجه أربعة من كبار المسؤولين الحكوميين السجن بتهمة اختلاس حوالى نصف مليون دولار من برنامج الإغاثة الغذائية المخصص للفئات الأضعف خلال الوباء.

وفي غضون ذلك، سجلت محادثة بين سفيرة أوغندا لدى الدنمارك ونائبها بالتخطيط على ما يبدو في اجتماع على تطبيق "زوم" لسرقة أموال مخصصة للوباء. وتعهدت الحكومة إجراء تحقيق.

وفي الصومال، أُدين تسعة مسؤولين في الوزارة بإساءة استخدام الأموال وحُكم عليهم بالسجن لمدد تراوح بين ثلاث وثماني سنوات.

في وسط أفريقيا، أعلن رئيس وزراء جمهورية الكونغو الديموقراطية سيلفستر إيلونغا إلونكامبا في أيار/مايو أنه خصص 10,7 ملايين دولار لمكافحة الفيروس.

لكن بعد شهر من ذلك، قال جان جاك مويمبي المدير العام للمعهد الوطني للبحوث الطبية الحيوية، إنه تلقى 1,4 مليون دولار فقط من الحكومة.

الفساد المرتبط بالفيروس "جريمة"

قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس الشهر الماضي "الفساد المرتبط بمعدات الوقاية الشخصية التي من شأنها إنقاذ الأرواح، جريمة قتل بالنسبة إلي".

وأضاف "إذا عمل العاملون الصحيون بدون معدات الوقاية الشخصية، فإننا نضع حياتهم بخطر، وهذا أيضا يهدد حياة الأشخاص الذين يخدمونهم".

وقال جون نكينغاسونغ رئيس مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا ، إن اختلاس الأموال التي تهدف إلى إنقاذ الأرواح "هي قضية حقوق إنسان يجب إدانتها والمعاقبة عليها".

وتقول منظات المجتمع المدني إن الأزمة المالية المرتبطة بالوباء منتشرة على نطاق واسع.

وأوضح ديفيد لويس مدير منظمة "كورابشن واتش" لوكالة فرانس برس أن "الفساد متجذّر بعمق".

وتابع "خلال فترة الحرب، كان الأشخاص الذين يُقبض عليهم وهم يستفيدون منها، يعدمون... لأن الأمر كان يعتبر خيانة".