طرابلس: احتفل ليبيون الأربعاء بالذكرى السنوية العاشرة لبدء الثورة التي أطاحت نظام معمر القذافي عام 2011. ولو أن بلادهم ما زالت تعاني من انقسامات، فإن إعادة إطلاق الحوار السياسي أحيت الأمل في ولادة دولة ديموقراطية.

ويسود جو احتفالي في المدن الرئيسية في منطقة طرابلس غرب البلاد حيث تنظم السلطات احتفالات وخطبا إلى جانب عروض موسيقية وإطلاق ألعاب نارية.

وكانت الاحتفالات الأولى دشنت مساء الثلاثاء في ساحة الشهداء بالعاصمة. وتابع مسؤولون إيقاد شعلة بينما لوح مئات بالأعلام وغنوا والتقطوا الصور على الرغم من القيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا.

والأربعاء احتشد الآلاف رافعين الأعلام الليبية في الساحة التي كان يلقي فيها القذافي خطبه، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وشارك رئيس الوزراء المكلّف عبد الحميد دبيبة في الاحتفال محاطا بحراسه، وفق مراسلين ميدانيين لوكالة فرانس برس.

وصرّح زياد عبد الحكيم عربي (22 عاما) لفرانس برس "الأجواء جيّدة، هناك عائلات وشبان (...) الناس سعداء"، معربا عن أمله باستعادة البلاد أمنها.

وزينت الشوارع باللافتات والأضواء وقطع الزينة، بينما تم تجديد طلاء واجهات المباني.

وفي أحياء طرابلس السكنية، تبطئ الاختناقات المرورية حركة المرور وتصدح من السيارات أناشيد شعبية للثورة. ورغم العطلة الرسمية، فتح العديد من المتاجر أبوابه.

وقد أمضت فرق من الشركة الوطنية للأشغال العامة أكثر من أسبوع في إعادة طلاء لافتات الطرق على الأرض واستبدال مصابيح الشوارع والإضاءة في وسط المدينة القديمة.

وفي كل زاوية في الشوارع يتم بيع الأعلام الليبية. علم استقلال ليبيا في 1951 وكذلك العلم الأمازيغي رمز ثقافة وهوية الأمازيغ.

وفي مدينة الزاوية الواقعة على مسافة 45 كيلومترا من طرابلس، يتدفق السكان إلى وسط المدينة، حيث أعدم العشرات من "الثوار" عام 2011 بعدما حاصرهم الموالون للقذافي.

واليوم، ما زال العديد من المباني المزينة بالأعلام والزينة تحمل آثار القذائف والرصاص "التي لن تُزال حتى لا ننسى ما حدث هنا"، كما قالت لوكالة فرانس برس مفيدة الرميح التي فقدت شقيقين وأحد أفراد أسرتها في هذا المكان.

وقال خميس السحاتي الناشط المقيم في برقة إن "الخروج للاحتفال (...) سيكون ضربا من الجنون لأن الثورة كانت كارثة قوضت سنوات من الاستقرار".

وفي شرق البلاد الخاضع لسيطرة المشير خليفة حفتر، لم تجر أي تحضيرات للاحتفال، حتى في بنغازي، مهد الانتفاضة الشعبية. لكن ذلك لم يحل دون تجمّع العشرات في وسط المدينة للاحتفال بالذكرى.

وقال أحد المشاركين في التجمّع إن "المشكلات لا تزال كثيرة بعد عشر سنوات" على الانتفاضة، مضيفا "لكن ثورة 17 فبراير تبقى ثورة شعبية حقيقية وضعت حدا لحكم ديكتاتوري استمر 42 عاما".

وبعد عقد على انتفاضة فبراير 2011 التي تحولت بسرعة إلى تمرد مدعوم من حلف شمال الأطلسي وشهدت مقتل القذافي في أكتوبر من العام نفسه، ما زالت ليبيا فريسة للفصائل والجماعات المسلحة والسلطات المتنافسة.

وعبرت منظمة العفو الدولية عن تشاؤمها بقولها الأربعاء إنه "ما زال يجب إحقاق العدل لضحايا جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك القتل خارج إطار القانون والاختفاء القسري والتعذيب والتهجير القسري والخطف من قبل الميليشيات والجماعات المسلحة".

كان الانقسام الرئيسي في السنوات الأخيرة بين المعسكرين المتنافسين المتمركزين في طرابلس في الغرب ومنطقة برقة في الشرق.

وأطلق رجل الشرق القوي خليفة حفتر حملة ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس منذ ما يقرب من عامين. وقد صدت حكومة الوفاق الوطني الهجوم منتصف العام الماضي بدعم من تركيا على الرغم من مساندة مصر والإمارات وروسيا حملة حفتر.

وتوقف جزء كبير من الإنتاج النفطي لأشهر في 2020، ما أدى إلى تفاقم المعاناة اليومية لليبيين بسبب نقص السيولة والوقود وانقطاع الكهرباء والتضخم.

ومنذ فشل القوات الموالية لحفتر في الاستيلاء على طرابلس، جرت محاولات وساطة عديدة.

ودخل وقف إطلاق النار بوساطة من الأمم المتحدة حيز التنفيذ في أكتوبر وما زال مطبقًا إلى حد كبير.

واختار الحوار بين الليبيين هذا الشهر سلطة تنفيذية جديدة بقيادة رئيس الوزراء المكلّف عبد الحميد دبيبة ومجلسًا رئاسيًا من ثلاثة أعضاء - كل ذلك بدعم رسمي من كل من حفتر وحكومة الوفاق الوطني المنتهية ولايتها.

وقام المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيش بأول زيارة إلى ليبيا منذ تعيينه والتقى مسؤولين ليبيين الثلاثاء.

والأربعاء هنّأ كوبيش الشعب الليبي في الذكرى العاشرة للثورة، وذلك في بيان نشرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في صفحتها على فيسبوك.

وجاء في البيان "بعد مرور عشر سنوات على الثورة، أمام الشعب الليبي فرصة حقيقية لأن يحقق أخيراً أهداف الثورة في بناء دولة موحدة وذات سيادة حقيقية من دون تدخل أجنبي وبدون أسلحة خارجة عن سيطرة السلطات الشرعية، وعلى أساس الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والمساواة في الحقوق والفرص لجميع مواطنيها ومكوّناتها، نساءً ورجالاً".

وأكد كوبيش التزام الأمم المتحدة الراسخ "بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي في سعيه لتحقيق المصالحة الوطنية والاستقرار والأمن والازدهار، وكذلك لاستعادة الشرعية الديمقراطية ووحدة مؤسساته واسترجاع سيادة بلاده."