ربما ليس أفضل من قصة حب غوربا ورايسا لتكون مادة مسرحية، تمثل بشفافية ليرى المشاهد من خلالها حقبة مهمة من تاريخ عموم روسيا، في أواخر ايام الاتحاد السوفياتي.

إيلاف من بيروت: بعد محاولات عدة بذلها الكثير من الأوساط الفنية في روسيا والبلدان الغربية، منها الولايات المتحدة، للفوز بحق "مسرحة" السيرة الذاتية للرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، توقف خيار غورباتشوف عند تشولبان خاماتوفا ويفغيني ميرونوف.

قال إنهما الأكثر موهبة وقدرة على تصوير شخصيته وقرينته "رايسا". تلك كانت بداية "مشروع" مسرحية "غورباتشوف" التي افتتح بها "مسرح الأمم" موسمه الجديد في موسكو ويحتدم حولها جدل كبير، بداية من الشكل الذي اقتصر على اثنين فقط من أهم وأشهر فناني روسيا الاتحادية، وليس نهاية بالمضمون الذي يتباين بين التركيز على السيرة الذاتية للرئيس الأسبق، والحرص على "عدم الاشتباك" مع مسيرته السياسية.

بحسب تقرير نشره موقع "إندبندنت عربية"، مخرج هذا العرض المسرحي متفرد الشكل، متميز المضمون، هو ألفيس هيرمانيس عالمي القيمة والقامة. ولد لأب لاتفي الأصل، شيوعي من لاتفيا التي انفصلت مع جارتيها إستونيا وليتوانيا عن الاتحاد السوفياتي السابق قبيل انهياره. لكنه ورغماً عن مأساوية الأصل النشأة، حرص على أن يكون هذا العرض المسرحي بمنأى عن الجدل السياسي، قريباً من أن يكون "قصة حب"، أطاحت ظروف السياسة الكثير من وقارها واستقرارها.

حبيبان بخيال خصب

قال هيرمانيس إنه عَمَدَ إلى تناول هذه القصة من منظور حياة "حبيبين" يحملان خيالاً خصباً، ومشاعر نقية، وآمالاً وأحلاماً لا حدود لها. أراد أن يحكي على لسانيهما كيف كانت أحلام التغيير التي طالما راودتهما صوب تغيير ذلك الوجود الموجع، وإن لم يدر بخاطر أي منهما احتمال أن يكون هذا التغيير المنشود "قضية وجود"، ترتبط كل مفرداته وخيوطه بما يمكن أن يتخذاه من خطوات.

وأشار إلى أنه أراد بعرضه المسرحي إبراز سمات وخصال تلك الشخصية التي لم تكتف بتغيير العالم، بل تجاوزت أطروحاته التي أوجزها تحت شعار "البيريسترويكا والغلاسنوست" (إعادة البناء والشفافية والمصارحة)، حدود التاريخ إلى جغرافية المكان. بعيداً من تطورات ومتغيرات تلك الفترة المحورية من تاريخ الوطن والعالم، أراد هيرمانيس أن يستمع المشاهد إلى تجربة هاتين الشخصيتين، بما يستطيعان معه إتيان مثل تلك الأفعال التي أصابت البشرية بالدهشة المقرونة بكثير من التساؤلات.

دور غورباتشوف لعبه ميرونوف "فنان الشعب لروسيا الاتحادية" والمدير الفني لـ"مسرح الأمم"، أما دور قرينته رايسا ماكسيموفنا تيتارينكو-غورباتشوفا، فكان من نصيب خاماتوفا "فنانة الشعب" أيضاً، التترية الأصل، مثلها في ذلك مثل قرينة الرئيس.

حقيقة لا افتعال فيها

تستند "القصة" إلى أحداث ووقائع حقيقية، لا مجال فيها لخيال أو افتعال. الكثيرون من أبطالها ومن عاصروها من شهود العيان لا يزالون على قيد الحياة، وإن ظلت تتعلق في الحلوق مرارة غياب "بطلة القصة"، على نحو مأساوي أطاح هدوء واستقرار "حبيب العمر" لما يزيد على العشرين عاماً. فقد توفيت رئيسا ماكسيموفنا متأثرة بمرض سرطان الدم في أحد مستشفيات ألمانيا عام 1999.

قال ميرونوف، وأيدته تشولبان، إن الحديث مع ميخائيل سيرغيفيتش (غورباتشوف) ممتع. لم يكن يهمنا نشاطه وحياته السياسية بقدر ما كنا نريد التوغل بعيداً داخل عالمه الشخصي، ومعرفة أبعاد شخصيته من خلال "قصة الحب" التي جمعته مع "رفيقة العمر" رايسا ماكسيموفنا. سعينا نحو العودة إلى البدايات؛ إلى الأرض التي احتضنتهما منذ الميلاد.

لم يكتف بطلا العرض المسرحي، بما حفلت به المكتبات من كتب وذكريات كتبها الكثيرون من مساعدي ومعاصري غورباتشوف وشهود عيان العصر. جلسا إليه في "جلسات استماع"، طويلة اتسمت بالكثير من الحميمية والمصارحة. يتذكرها ميرونوف وتشولبان بالكثير من الارتياح. قالا إن غورباتشوف تطرق في حديثه معهما، إلى الكثير من تفاصيل قصة "التعارف" مع قرينته، وما عاشاه من شظف عيش الحياة الجامعية، ومنها ما تعلق بعدم وجود المال الذي كان مطلوباً لتوفير ما يجب من ملابس، حتى لشراء حذاء "زفاف العروس". توقف عند الجدل الذي طالما احتدم وتشعب ليطال متاعب الحياة التي عاشاها بعد التخرج في الجامعة بـ"ستافروبول" جنوب روسيا.

علاقة غيرت العالم

قال ميرونوف إنه وتشولبان كانا في حاجة إلى ما يسمى بمفتاح "الشخصية المراد تصويرها". أما تشولبان فقالت إن الأمر كان بالنسبة لها أكثر صعوبة نظراً لغياب البطلة "رايسا"، ولتكتفي بالجلوس مع الابنة "إيرينا" التي حاولت تعويض غياب الأم. كشف تشولبان وميرونوف عما استندا إليه لتبديد الغموض الذي اكتنف كثيراً من جوانب هاتين الشخصيتين التاريخيتين. قالا إنهما يحاران حتى اليوم تجاه سيل الانتقادات التي ثمة من يوجهها إلى غورباتشوف، التي تصل حد اتهامه بالخيانة.

ينقل تقرير "إندبندنت عربية" عن وكالة "تاس" ما ذكره الناطق باسم مخرج العرض المسرحي هيرمانيس حول إن "العرض المسرحي لا يتطرق إلى السياسة، بل يحكي قصة العلاقات الحميمية التي ربطت بين رايسا وميخائيل غورباتشوف وحبهما وما راودهما من آمال وخيبة أمل". لكن تلك العلاقات استطاعت تغيير بلادهما والعالم أجمع.

أضاف: "المخرج حذف عمداً من مسرحيته أعوام 1985–1991 حين كان غورباتشوف يتولى منصب الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي ورئيس الاتحاد السوفياتي وركز على أيام الطفولة والشباب والعلاقات العائلية ومرض زوجة غورباتشوف ووفاتها".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن إندبندنت عربية". الأصل منشور على الرابط: https://bit.ly/3szeBnH