سانتياغو: شكلت الانتهاكات الجنسية وحالات الاغتصاب بحق النساء أحد أوجه التعذيب الشائعة خلال حكم الديكتاتور التشيلي أوغوستو بينوشيه (1973 - 1999)، فيما تواصل الناجيات من هذه المأساة نضالهن من أجل العدالة في ظل جهود خجولة من القضاء لإحقاق الحق.

وتروي بياتريز باتاتشو وهي عالمة نفس في السادسة والستين من العمر لوكالة فرانس برس "هنا يتردد صدى صراخنا ودموعنا"، مشيرة بيدها إلى الطبقة الأولى من منزل في شرق سانتياغو كان لسنوات مركزا سريا للتعذيب.

وتضيف الناشطة السابقة في حركة اليسار الثوري التي احتُجزت سبعة أيام في المركز في أيلول/سبتمبر 1974 "لم نكن نحن النساء ننصاع لهم لذا كان عقابنا أشرس بكثير من الرجال".

وداخل المنزل المسمى "فندا سكسي"، كان السجناء معصوبي العينين باستمرار كما كانت الموسيقى تصدح بأعلى صوت لتطغى على "صرخات المعذبين"، وفق بياتريز باتاتشو. وكانت النساء يُعتقلن في الطبقة الأولى مع تكديس ما يصل إلى 25 منهن في الغرفة.

وكانت كريستينا غودوي-نافاريتي الطبيبة المتقاعدة البالغة 68 عاما من بين أوائل المعتقلات في "فندا سكسي". وتقول من لندن حيث تعيش منفية منذ 1974 "كانوا يقتادوننا إلى تحت الأرض حيث كانت تنتظر فرق تعذيب بالصعقات الكهربائية (...) وكلب مدرب" لاغتصاب النساء.

وأمام المنزل الذي استحال مسكنا خاصا رغم تصنيفه موقعا للذاكرة، أقيم معلم رمزي مع صور لمعتقلات متوفيات أو مفقودات.

في سبعة عشر عاما من الحكم الديكتاتوري، تعرض حوالى أربعين ألف شخص للتعذيب في تشيلي، بينهم 3200 قُتلوا أو لا يزالون في عداد المفقودين.

وفي 2005، جمعت اللجنة الوطنية بشأن السجون السياسية والتعذيب شهادات 35 ألف شخص، بينهم 13 % نساء. وإضافة إلى الانتهاكات الجسدية أو النفسية، أبلغت جميع هؤلاء النسوة تقريبا عن تعرضهن للعنف الجنسي.

واعتُقلت أكثرية النسوة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحكم الديكتاتوري وكانت أعمارهنّ تراوح بين 21 وثلاثين عاما. ومن بينهن، 229 كنّ حوامل وخمس عشرة أنجبن في السجن.

وتحدثت الضحايا عن عمليات تعذيب جنسي من خلال توجيه صدمات كهربائية على أعضائهن التناسلية أو اغتصابهن من جانب كلاب مدربة لهذه الغاية، وصولا إلى إدخال فئران في المهبل.

كذلك تحدثت أخريات عن إرغامهن على إقامة علاقات جنسية مع أفراد من العائلة.

إريكا هينينغز مدرّسة متقاعدة في سن 69 عاما، اعتُقلت 17 يوما داخل مركز للتعذيب حمل اسم "لندن 38" في سانتياغو. كما اعتُقل في المركز عينه زوجها ألفونسو شانفرو طالب الفلسفة وأحد قادة حركة اليسار الثوري الذي لا يزال مفقودا.

وتوضح هينينغز التي كانت حينها في سن 22 عاما، لوكالة فرانس برس "لقد تعرضت للتعذيب أمامه لأني كنت زوجته. أرادوا استفزاز الفونسو بمشهد زوجته الخاضعة. للمرة الأولى كنت على احتكاك مع الشر والوحشية".

في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أقام القضاء التشيلي للمرة الأولى تمييزا بين جرائم الخطف والاحتجاز، وتلك المتصلة بالتعذيب مع عنف جنسي.

ودين ثلاثة عناصر سابقين في الشرطة السياسية التابعة للنظام الديكتاتوري بهاتين التهمتين، لأن الوقائع جعلت من الضروري "تحديد جريمة جنائية مختلفة عن الخطف مع أسباب مشددة للعقوبة"، وهو "شكل محدد للعنف ضد النساء"، وفق الحكم.

وترى الناطقة باسم حركة "ذكرى التمرد النسوي" باتريسيا أرتيس لوكالة فرانس برس في الحكم "تقدما كبيرا إذ يشكل للمرة الأولى إقرارا بحصول أعمال عنف"، لكنها تؤكد "صعوبة" الإشادة بحكم صادر بعد نصف قرن على الوقائع.

وتقول كريستينا غودوي-نافاريت "آمل أن يشكل ذلك سابقة تمهد لاعتبار" هذه الانتهاكات "جرائم ضد الإنسانية".

شايرا سيبولفيدا (72 عاما) اعتُقلت عشرة أيام في مركز تعذيب آخر في العاصمة يُعرف باسم "فيلا غريمالدي" شهد أيضا تعذيب ميشال باشليه التي أصبحت بعدها رئيسة لتشيلي وباتت تشغل منصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

وتقول سيبولفيدا "آمل أن نحصل يوما على حقنا لأنهنّ يستحققن ذلك"، مشيرة بيدها إلى 190 زهرة مزروعة في "فيلا غريمالدي" لذكرى السجينات المفقودات أو المقتولات بينهن 35 في الموقع.