ستراسبورغ (فرنسا): صعّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين لهجتها مهددة بمعاقبة بولندا المتهمة بمخالفة المبادىء المؤسّسة للاتحاد الأوروبي، في مواجهة رئيس الوزراء البولندي الذي ندّد بما وصفه بأنه "ابتزاز" من جانب بروكسل أمام النواب الأوروبيين في ستراسبورغ.

وقالت فون دير لايين "لا تحاولوا الهرب أو تحويل النقاش. إنّ المساس بدولة القانون أو سيادة القانون الأوروبي يعرض ديموقراطيتنا الأوروبية للخطر. لا يمكننا السماح بحصول ذلك ولن نسمح به".

من جهته ردّ رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي الذي حضر للتحدّث أمام البرلمان الأوروبي "نحن لا نؤمن بالإبتزاز أو الموقف الأبوي تجاه بولندا".

واستهجن "لغة التهديدات والإكراه هذه".

خلاف مفتوح

وبولندا في خلاف مفتوح مع بروكسل منذ عدة سنوات بسبب إصلاحات قضائية مثيرة للجدل أدخلها الحزب الشعبوي اليميني "حزب القانون والعدالة".

وأدّى قرار أصدرته المحكمة الدستورية البولندية مطلع الشهر الحالي إلى تأجيج التوتّر، ما أثار مخاوف من خروج البلاد من الإتحاد الأوروبي ودفع بآلاف البولنديين إلى التظاهر في 11 تشرين الأول/أكتوبر تعبيراً عن تمسّكهم بالمشروع الأوروبي.

رأت المفوّضية وعدّة دول أعضاء في هذا القرار هجوماً غير مسبوق على سيادة القانون الأوروبي واختصاص محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، وهما حجر الزاوية في تأسيس التكتّل.

وأكّد وزير خارجية لوكمسبورغ، الدولة المؤسسة للإتحاد، يان أسلبورن لوكالة فرانس برس أنّ الإتحاد الأوروبي يجب أن يفّعل ضد بولندا البند المتعلّق بالتمويل الأوروبي لإنقاذ دولة القانون.

وقال قبل اجتماع مع نظرائه تحضيراً للقمة الأوروبية المرتقبة الخميس والجمعة "أوروبا لن تستمر في حال سقطت دولة القانون".

مدة حوالى أربع ساعات، توالى النواب الأوروبيون على منصبة البرلمان للتنديد بموقف رئيس الوزراء البولندي.

وانتقد غالبية هؤلاء تردّد الدول الأعضاء والمفوضية في معاقبة بولندا منددين بـ"عار" أو "هجوم على الديموقراطية".

إعادة الإستقلالية الى القضاء

جمدت بروكسل في الوقت الراهن 36 مليار يورو وعدت بها وارسو في إطار خطة الإنعاش الأوروبية لفترة ما بعد كوفيد. وحذّرت فون دير لايين من أن على بولندا إعادة الإستقلالية الى القضاء قبل التمكّن من الحصول على هذه الأموال.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية إنها قد تفعل ضد بولندا إجراء مخالفة جديداً ما يمكن أن يؤدّي إلى اللّجوء إلى محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.

كما بات لديها منذ كانون الثاني/يناير أداة تتيح تعليق أو خفض الأموال التي تدفع إلى دولة لا تحترم مبادىء سيادة القانون.

ودفع المساس باستقلالية قضاة بولنديين بروكسل إلى إطلاق عدة إجراءات ضد وارسو.

وطلب النائب مالك عزماني من كتلة الوسط "التجدّد" من أورسولا فون دير لايين أن تثبت أنّها "هذه المرة جدية".

وأضافت الإسبانية إيراتكسي غارسيا بيريز رئيس الكتلة اليسارية في البرلمان الأوروبي "حين تهدّد دولة عضو بعدم احترام القواعد، فإنّها تضع نفسها أمام باب الخروج، ولا يدفعها أحد إلى ذلك".

لكن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل دعت الجمعة إلى الحوار بدلاً من التشدّد حيال وارسو، ما يكشف عن الإحراج الذي تشعر به عدة حكومات أوروبية تخشى إحداث هوة بين الغرب والدول الشيوعية سابقاً التي انضمّت إلى الإتحاد الأوروبي.

المجر التي واجهت أيضاً انتقادات بسبب انتهاكها دولة القانون، تتضامن مع بولندا.

وقال وزير أوروبي لوكالة فرانس برس "لدينا مشكلة مع ميركل والحساسية الألمانية حيال بولندا".

مباراة شرق-غرب

والنقاش حول سيادة القانون الأوروبي على القانون الوطني يدور في دول أخرى مثل فرنسا حيث بات موضوعاً مطروحاً في حملة الإنتخابات الرئاسية.

وقال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون إنّها "ليست مباراة شرق-غرب لأنّنا نراها في كل دولنا بما يشمل فرنسا، هذه القوى السياسية التي تشكّك في أوروبا عبر الديماغوجية(...) موجودة في كل مكان في أوروبا".

وكرّر رئيس الوزراء البولندي الثلاثاء أنّ فكرة خروج بولندا من الإتحاد "رواية خاطئة". وأكّد أنّ "بولندا عضو في الإتحاد الأوروبي وستبقى كذلك" مشدّداً في الوقت نفسه على سيادة القانون البولندي الذي سيبقى "القانون الأعلى" بالنسبة لبلاده.

وردّاً على الإنتقادات لبطء المفوضية في مواجهة الإستفزازات البولندية، قالت أورسولا فون دير لايين إنّ هذا الأمر يعبّر على العكس عن قوة الديموقراطيات. وأوضحت "هي أبطأ مقارنة مع الأنظمة السلطوية لأنّها تتبع إجراءات عادلة ونزيهة ومشدّدة".