كوبلنس (ألمانيا): طلبت النيابة العامة الفدرالية الألمانية الخميس السجن مدى الحياة لضابط سابق في الاستخبارات السورية متّهم بارتكاب "جرائم ضدّ الإنسانية"، وذلك خلال أول محاكمة تجري في العالم بشأن فظائع متّهم نظام بشار الأسد بارتكابها.

وأمام محكمة كوبلنس (غرب)، أكّد المدّعي العام أنّ المتّهم أنور رسلان (58 عاماً)، اللاجئ في ألمانيا، مذنب بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية.

ولجأ رسلان إلى ألمانيا بعد فراره في 2012، وهو يحاكم منذ 23 نيسان/أبريل 2020 أمام محكمة كوبلنس بتهمة تعذيب معتقلين في مركز احتجاز سرّي تابع للنظام في دمشق.

وهذا الضابط السابق في جهاز أمن الدولة متّهم خصوصاً بالضلوع في قتل 58 شخصاً واغتصاب آخرين وتعذيب نحو أربعة آلاف معتقل في السجن التابع لقسم التحقيقات-الفرع 251 والمعروف باسم (أمن الدولة - فرع الخطيب).

وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على اندلاع الانتفاضة في سوريا، هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها محاكمة في العالم محورها فظائع متّهم بارتكابها نظام الرئيس بشار الأسد.

ومن المتوقّع صدور الحكم في هذه القضية التاريخية التي يتابعها عدد كبير من السوريين المقيمين خارج بلدهم، في 13 كانون الثاني/يناير المقبل.

وأسفرت هذه المحاكمة التي قسّمت إلى جزئين في بداية العام، في 24 شباط/فبراير عن صدور حكم بإدانة عضو سابق في أجهزة الاستخبارات، لكنّه من رتبة أدنى، وذلك بتهمة "التواطؤ في جرائم ضدّ الإنسانية".

وأصدر قضاة كوبلنس حكماً بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة في حقّ إياد الغريب بعدما أدين بتهمة اعتقال متظاهرين في 2011 ونقلهم إلى سجن فرع الخطيب حيث تعرّضوا للتعذيب.

ولمحاكمة هؤلاء السوريين، تطبّق ألمانيا المبدأ القانوني للولاية القضائية العالمية الذي يسمح لقضائها بمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطرة، بغضّ النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب الجرائم.

ولزم أنور رسلان الصمت خلال كلّ الجلسات، لكنّ محاميه قرأ في بداية المحاكمة بياناً مطوّلاً نيابة عنه نفى فيه أن يكون موكّله قد مارس التعذيب في فرع الخطيب الذي كان يترأّس فيه قسم التحقيقات.

وفي الواقع فإنّ رسلان لم يحاول إخفاء ماضيه عندما لجأ إلى ألمانيا، لا بل إنّه طلب بنفسه من الشرطة في برلين أن تحميه في شباط/فبراير وأخبرها بأنّه كان ضابطاً في المخابرات السورية.

لكن سرعان ما افتضح أمر رسلان حين تعرّف عليه في أحد شوارع العاصمة الألمانية مواطن سوري آخر هو أنور البنّي، المحامي والمعارض الذي يقوم الآن بمطاردة المتعاونين السابقين مع النظام اللاجئين في أوروبا.

وأوقف رسلان في شباط/فبراير 2019 وهو مذّاك رهن الحبس الاحتياطي.

ومنذ بدء محاكمته، توالى على منصّة الشهود أكثر من عشرة لاجئين سوريين، من رجال ونساء، أتوا من دول مختلفة في أوروبا للإدلاء بشهاداتهم بشأن الفظائع التي تعرّضوا لها في فرع الخطيب.

غير أنّ شهوداً آخرين رفضوا المثول أمام المحكمة، في حين وافق آخرون على الإدلاء بإفاداتهم بشرط ألا يتمّ الكشف عن هوياتهم فقاموا بإخفاء وجوههم أو وضعوا شعراً مستعاراً، وذلك خوفاً من أن يتعرض أقاربهم الذين ما زالوا في سوريا لأعمال انتقامية.

وفي سابقة من نوعها، عرضت أمام المحكمة صور من "ملف قيصر"، وهو أمر لم يسبق حدوثه في أي محاكمة حتى اليوم.

وقيصر هو الاسم الذي أُطلق على مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية هرب من بلاده وبحوزته 50 ألف صورة وثّقت 6786 معتقلاً سورياً وقد قتلوا بطرق وحشية بعدما تضوّروا جوعاً وتعرّضوا لشتّى صنوف التعذيب.

وتعليقاً على هذه الصور المروّعة قالت رئيسة المحكمة إنّ هذه المشاهد ستلاحقها طويلاً.

في الواقع، تشكل الفظائع المتّهم بارتكابها النظام السوري محور شكاوى عديدة في أوروبا رفع القسم الأكبر منها ناشطون سوريون فرّوا من بلدهم ولجأوا إلى القضاء الفرنسي أو الألماني أو السويدي أو النمسوي.

كذلك، رفعت دعاوى ضدّ نظام الأسد تتّهمه بشنّ هجمات بأسلحة كيميائية.

ومن المقرّر أن تبدأ محاكمة أخرى مرتبطة بالنظام السوري في كانون الثاني/يناير في فرانكفورت. وسيحاكم في هذه القضية طبيب سابق في سجن حمص العسكري متّهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية لضلوعه في تعذيب معتقلين.

وهذا الطبيب لجأ إلى ألمانيا حيث مارس مهنته قبل أن يتعرّف عليه عدد من ضحاياه أو أقاربهم.

بالمقابل، قضت محكمة النقض الفرنسية في حكم أصدرته مؤخراً بـ"عدم اختصاص" القضاء الفرنسي بمحاكمة عسكري سوري سابق متّهم بالضلوع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وأوقف هذا العسكري السابق في اليوم نفسه الذي أوقف فيه أنور رسلان وإياد الغريب.