قد توافق موسكو وطهران على قيام تركيا بتنفيذ عملية أخرى عبر الحدود نحو سوريا، ولكن اختيار تركيا للأهداف سيعتمد على المصالح الأميركية والروسية والإيرانية المتعددة.

إيلاف من بيروت: من المرجح أن تكون القمة التي انعقدت في طهران في 18 يوليو بين الرؤساء رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي قد حددت ما إذا كان التوغل التركي في سوريا سيحدث بالفعل أم لا. وفي السنوات الأخيرة، ركّزت أنقرة جهودها عبر الحدود على تقويض وحدات حماية الشعب التي يقودها الأكراد، والتي تسيطر على أجزاء من الأراضي الشمالية للبلاد. وإذا خلصت موسكو وطهران إلى إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ عملية توغل أخرى، فمن المرجح أن تحدد مفاوضاتهما مع أردوغان المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب والتي تسعى تركيا ووكلاؤها المحليون إلى الاستيلاء عليها.

أهداف تركيا

يقول سونر جاغابتاي، زميل باير فاميلي ومدير برنامج الأبحاث التركي في معهد واشنطن، وأندرو تابلر، زميل مارتن ج. غروس في معهد واشنن والمدير السابق لشؤون سوريا في مجلس الأمن القومي الأميركي، في مقالة نشرها موقع المعهد: "دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع وحدات حماية الشعب لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية منذ عدة سنوات، لا سيما منذ انضواء الجماعة الكردية تحت راية قوات سوريا الديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال أنقرة تركّز على واقع كَوْن وحدات حماية الشعب فرعاً من حزب العمال الكردستاني، وهو جماعة تركية صنفتها أنقرة وواشنطن ككيان إرهابي.

وبحسبهما، في البداية، تقبّلت تركيا على مضض المساعدة الأمريكية لـ وحدات حماية الشعب لأن واشنطن أشارت إلى أن الشراكة ستكون مؤقتة وتكتيكية ومرتبطة بالصفقات. ومع ذلك، من أجل منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، تطورت السياسة الأمريكية منذ ذلك الحين إلى التزامٍ مفتوح لـ قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب - وهي سياسة وُلِدت من قدرة الجماعة المؤكدة على استعادة مساحات كبيرة من سوريا من تنظيم الدولة الإسلامية بمساعدة الولايات المتحدة. ورداً على ذلك، نفّذت تركيا أربع عمليات توغل عبر الحدود منذ عام 2016، وفككت المنطقة التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية".

وفي إطار هذه الاستراتيجية المستمرة، وفي سياق قيام روسيا بسحب بعض قواتها تكتيكياً في سوريا منذ غزوها أوكرانيا، تريد أنقرة الآن إنشاء شقوق جديدة في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. ويبدو أن هناك ثلاثة أهداف محتملة على الأرجح: تل رفعت و/ أو منبج و/ أو كوباني.

يقول جاغابتاي وتابلر: "ستكون المنطقة المرشحة الأولى محور حوار أردوغان ورئيسي في طهران. وتنتشر حالياً الميليشيات المدعومة من إيران في نبل والزهراء، وهما قريتان شيعيتان تقعان بالقرب من تل رفعت، لذلك ستحتاج أنقرة إلى إقناع إيران بالابتعاد عن طريقها إذا كانت ترغب في الاستيلاء على هذه المنطقة المحصورة. ومع ذلك، من المرجح أن يصر رئيسي على قيام تركيا بالبحث عن أهداف أخرى، وقد يوافق أردوغان بالفعل نظراً إلى اتباع البلدين مؤخراً لسياسة تجنب الاشتباكات العسكرية المباشرة وعدم تعارُض مصالحهما".

مهمة رمزياً

مرجح أن يدفع بوتين أيضاً أردوغان إلى النظر في النقاط الواقعة شرق تل رفعت، ولا سيما منبج وكوباني. لكن الولايات المتحدة تعتبر كوباني مهمة رمزياً، باعتبارها مهد العلاقة الفعلية بين الولايات المتحدة و وحدات حماية الشعب بعد أن فكّ الشريكان حصار تنظيم الدولة الإسلامية هناك في عام 2014 بطريقة دراماتيكية. وسيثير تنفيذ هجوم مماثل حفيظة واشنطن، وهذه نتيجة سيستمتع بوتين بالتأكيد تحقيقها. إلا أن أردوغان ما زال يتودد إلى الرئيس بايدن، ويريد على ما يبدو تجنُّب تضعضُع الدبلوماسية العامة في واشنطن.

يكتب جاغابتاي وتابلر: "يبدو أن هدف تركيا الأكثر ترجيحاً هو منبج، أو ربما تنفيذ عملية توغل محدودة في تل رفعت. وستتطلب أي من الخطوتين موافقة موسكو، التي كان بوتين مستعداً لمنحها في السابق مقابل تبادُل الأراضي - أي استيلاء تركيا على الأراضي التي تتواجد فيها وحدات حماية الشعب الكردية مقابل حصول نظام بشار الأسد على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون المدعومون من تركيا في سوريا. ومع ذلك، تقلصت مؤخراً بشكلٍ كبير مساحة الأراضي التي يمكن أن تتبادلها أنقرة. ويقع جزءٌ كبيرٌ منها في محافظة إدلب السورية، حيث من المحتمل أن يتجه مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، من السوريين النازحين أساساً إلى الحدود إذا تمت مبادلة مناطقهم وأُعطيت للأسد - وهو سيناريو يأمل أردوغان بلا شك في تجنبه بالنظر إلى المشاكل الاقتصادية المتزايدة والمشاعر المعادية للاجئين في بلاده".

لتفادي هذه العقبة المحتملة المتعلقة باللاجئين، قد يقرر أردوغان الاستفادة من حرب أوكرانيا. وعلى وجه التحديد، يمكنه عرض مساعدة إلى بوتين في إنشاء "ممر قمح" يسمح بتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية التي تحتلها روسيا ومواقع أخرى على البحر الأسود مقابل موافقة موسكو على التوغل في سوريا.

حسابات الأسد

بالنسبة لنظام الأسد، بحسب جاغابتاي وتابلر، سيشكل أي توغل تركي ضربة أخرى لهدفه النظري المتمثل في استعادة السيطرة على كامل سوريا. وحتى إذا قرر بوتين وأردوغان منح الأسد قسماً من الأراضي في إدلب، فإن أي منطقة من هذا القبيل ستكون معادية لحكمه، ما يجبره على تكريس موارد ثمينة للاحتفاظ بها. وسيحرم التوغل في تل رفعت النظام من موردين حيويين: إمدادات المياه والمطار المحلي. كما أنه سيحط من قدر الميليشيات المدعومة من إيران ويرسلها جنوباً.

في غضون ذلك، سيتم دفع رجال الميليشيات الكردية التمحمسين للغاية والمنتشرين في تل رفعت إلى الشرق، ومن بينهم أولئك العناصر الذين يُقال إنهم ذوو أصول علوية مشتركة مع نظام الأسد.

يقول جاغابتاي وتابلر: "قد يؤدي التوغل التركي إلى تقريب قوات سوريا الديمقراطية من دمشق، وربما من طهران أيضاً، كجزءٍ من المساومات الدائمة التي تقوم بها الجهات الفاعلة المختلفة التي قسّمت البلاد إلى مناطق نفوذٍ خاصة. وسيذعن نظام الأسد على الأرجح لهذا التحوّل لأنه بحاجة ماسة إلى المزيد من الطاقة الكهربائية وإمدادات الوقود، والتي يمكن الحصول عليها بسهولة أكبر من خلال زيادة عمليات نقل النفط والغاز الطبيعي من المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في الشرق. وستصبح تجارة الطاقة الآن أكثر سهولة بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2642 الأسبوع الماضي بشأن المساعدات عبر الحدود، والذي يُدرِج الكهرباء على وجه التحديد كجزء من أنشطة التعافي المبكر المسموح بها".

توصيات في مجال السياسة العامة

إذا تم إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ التوغل وانتهى به المطاف في تل رفعت، فإن ذلك يعني أن تركيا تتطلع إلى استغلال قوة ميزتها بينما تعيد روسيا نشر بعض القوات خارج سوريا - ولمنع إيران من الاستفادة من ذلك. وقد يمثّل ذلك أيضاً السيناريو "الأقل سوءاً" بالنسبة للولايات المتحدة، نظراً لأن تل رفعت لم تشكل أبداً جزءاً من مجال النفوذ الأميركي أو الاتفاقيات السورية المتعددة لتفادي التضارب. وستكون النتيجة الأسوأ هي التوغل في كوباني، الأمر الذي من شأنه أن يخلّ بالوضع الراهن ومن المرجح أن يقود قوات سوريا الديمقراطية إلى التوصل إلى تسوية غير مؤاتية مع نظام الأسد، مما يحدّ من قدرة واشنطن على المناورة ضد دمشق - وربما ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وفي المقابل، من المرجح أن يؤدي تنفيذ عملية محدودة في تل رفعت أو منبج إلى رد أمريكي أقل سلبية.

يضيفان: "قد يحدد موقف تركيا من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو الاستجابات أيضاً. فقد وصلت علاقات دول الشمال مع وحدات حماية الشعب إلى منعطف حرج بسبب القرارات الأخيرة المتعلقة بتوسيع حلف الناتو، لذلك ستحرص واشنطن على تجنب حدوث أزمة جديدة مع أنقرة بشأن القضايا الكردية. وعلى الرغم من تجنب المأزق الأولي، ستظلّ تركيا تتمتع بحق النقض على المحاولات السويدية والفنلندية خلال العام المقبل. وإذا أتم إرجاء التوغل من طريق الصدفة بسبب اعتراضات روسيا أو إيران، فستحظى واشنطن بمجال أكبر قليلاً لالتقاط أنفاسها من أجل العمل بهدف تحقيق نتيجتها المثالية على المدى الطويل. وبشكلٍ عام، قد يستلزم ذلك الاعتراف بمخاوف تركيا في سوريا، مع الحد من نزوح قوات سوريا الديمقراطية طالما يستمر القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية".