لم ينتج مؤتمر جدة جبهة قوية بوجه إيران، ولا اتفاقًا أمنيًا إقليميًا، ولا إعلانًا عن خطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والسعودية.

إيلاف من بيروت: غادر الرئيس الأميركي جو بايدن جدة السبت منهيا زيارته الأولى للشرق الأوسط، بعد أربعة أيام في المنطقة من دون إعلانات رئيسية. كان الاستقبال الفاتر وقلة الحماس واضحاين عند إرسال أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل إلى المطار لاستقبال بايدن فور وصوله إلى جدة، في تناقض صارخ مع الاستقبال الباهظ الذي لقيه الرئيس السابق دونالد ترمب عندما زار الرياض في عام 2017.

الطريقة التي استقبل بها بايدن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقبضة اليد بدلًا من المصافحة، والتعبيرات الجادة التي حافظا عليها وهما بالكاد حركا شفتيهما، لم تترك أي شك حول شعورهما تجاه بعضهم البعض.

تصدرت ثلاثة مواضيع رئيسية أجندة زيارة بايدن إلى السعودية: الأمن والطاقة والتكنولوجيا. جمعت قمة جدة رؤساء حكومات دول تنتج نحو 50 في المئة من نفط العالم، وكانت فرصة للعديد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الذين يعتقدون بقوة أن الولايات المتحدة قد حولت تركيزها من منطقتهم إلى آسيا، لإعادة العلاقات مع واشنطن.

قال الرئيس الأميركي للزعماء العرب في خطاب ألقاه خلال القمة التي حضرها دول الخليج الست دول مجلس التعاون - البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات - وكذلك مصر والأردن والعراق: "إن الولايات المتحدة مستثمرة في بناء مستقبل إيجابي للمنطقة، بالشراكة معكم جميعًا - والولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان".

أقل ضجيجًا

في النهاية، لم يرق البيان الختامي للقمة إلى مستوى الضجيج الذي سبق الحدث المرتقب بشدة، إذ فشل في تشكيل جبهة عامة قوية بوجه إيران أو إقامة اتفاق أمني أو الإعلان عن أي خطوات للتطبيع بين إسرائيل والسعودية. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان للصحفيين بعد القمة إن قرار الرياض بفتح مجالها الجوي لجميع شركات النقل الجوي لا علاقة له بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وليس تمهيدا لمزيد من الخطوات.

زعم اللواء العراقي المتقاعد ماجد القبيسي أن الرئيس الأميركي استقبله "شرق أوسط مختلف لم يقرأه بايدن بشكل صحيح". وكان الموقف العراقي واضحا من خلال تصريح لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي رفض السماح لبغداد بالانضمام إلى أي محور عسكري أو أمني مواجه لإيران.

سياسة العراق هي أن يكون على مسافة متساوية من جميع الأطراف. وجاء في البيان أن الوضع السياسي والأمني في العراق لا يسمح له بأداء دور في هذه المنطقة بالدخول في تحالفات ضد أحد. يقول القبيسي إن بغداد تؤدي دورًا إيجابيًا في تقارب وجهات النظر بين طهران والرياض، و "لن تعرض جهودها للخطر".

ورغم محاولة أميركية وإسرائيلية قوية لتوحيد المنطقة ضد إيران وتشكيل تحالف عسكري، يؤكد القبيسي أن بايدن فشل في مساعيه. فلم يتم الإعلان عن تحالف أو عمل أمني أو عسكري ضد إيران بسبب غياب أي تنسيق أو تجانس بين الدول المشاركة في القمة، وهناك خلافات سياسية كثيرة، بعضها تربطه علاقات سياسية واقتصادية مع إيران، كما يقول القبيسي.

متغيرات جيوسياسية عالمية

قال فهد الشليمي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والسياسية في الكويت، إن المحفز الرئيسي للزيارة هو وجود متغيرات جيوسياسية عالمية تجبر بايدن على تغيير موقفه من السعودية. يضيف الشليمي إن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة شجع الصين وروسيا على ملء الفراغ الاقتصادي والاستراتيجي من خلال بناء شراكات مع دول الخليج. يقول: "التقارب الخليجي والعربي والروسي والصيني أجبر الأميركيين على إعادة التفكير في نهجهم في المنطقة".

يتابع الشليمي: "هناك حاجة لبناء جسور ثقة جديدة أو استعادة جسور الثقة القديمة والشراكات السياسية"، فالعامل الآخر الذي أثر في إدارة بايدن لإعادة التواصل مع حلفائها في الشرق الأوسط هو تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على سوق الطاقة الدولية، وكذلك على التحالفات السياسية والعسكرية الإقليمية والدولية والأمن الغذائي.

يوضح الشليمي أن المخاوف المحلية الأميركية ساهمت أيضًا في زيارة بايدن إلى السعودية، "في محاولة لإقناع دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالطاقة بزيادة إنتاجها حتى ينخفض سعر النفط". هناك أيضًا رغبة واشنطن في مساعدة الحلفاء الأوروبيين، الذين يعتمدون بشكل كبير على الطاقة من روسيا، على مواجهة العقوبات الشديدة التي يفرضها الغرب على موسكو، في الوقت الذي يبحثون فيه عن مصادر بديلة للطاقة.

رسالة إلى إيران

كما كان الملف النووي الإيراني على جدول الأعمال، "من أولويات دول الخليج ودول المنطقة"، بحسب الشليمي. يقول: "زيارة بايدن للمنطقة ولقائه مع دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر بمثابة إرسال رسالة إلى إيران، حيث تعتبر هذه الدول برنامج إيران النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية تهديدًا لأمنها القومي".

قال البروفيسور محمد ماراندي، رئيس قسم دراسات أميركا الشمالية في جامعة طهران، إن الجمهورية الإسلامية لا ترى أن نية الرئيس بايدن الرئيسية هي استهدافهم. أضاف: "أعتقد أن وجهة النظر هنا هي في الغالب أن بايدن يبحث عن النفط السعودي لتعويض أزمة الطاقة الحالية وأنه لم يحصل على ما يريد".

وبحسب ماراندي، الشعور السائد في طهران هو أن الرحلة فشلت في تحقيق أهدافها.

ازداد الحديث عن قيام إسرائيل بتشكيل نوع من التحالف العسكري مع الدول العربية قبل رحلة الرئيس بايدن إلى المنطقة، حيث كرر رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد موقف بلاده تجاه إيران، مهدّدًا باستخدام القوة العسكرية وأصر على أن "الكلمات" و " الدبلوماسية "لم تكن كافية لوقف طموحات إيران النووية.

التهديدات الإسرائيلية الموجهة ضد إيران ليست جديدة. يقول ماراندي: "رأينا هذا كثيرًا، خلال عهد ترمب، سمعنا نفس اللغة، وأيضًا خلال عهد أوباما كانت جميع الخيارات مطروحة دائمًا على الطاولة، والأمر نفسه ينطبق مع بوش. إن الإسرائيليين يعرفون أنهم إذا شنوا غارة على إيران، فسترد طهران بسرعة".

يقول إن فرص تشكيل اتفاق أمني ضد إيران ضئيلة لأن "الدول الإقليمية، وخاصة في الخليج العربي، ببساطة لا تثق ببعضها البعض". يضيف: "حلفاء إيران في العراق أقوياء للغاية، وبالتالي لا إمكانية لعقد مثل هذا الاتفاق".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية