باريس: كان الجراح المصري أيمن الظواهري الذي قتل في ضربة أميركية في أفغانستان، المنظر الرئيسي لتنظيم القاعدة لعقود عدة لكنه فشل في إعادة هذه الحركة الإسلامية المتطرفة إلى سابق عهدها عندما كان يقودها مؤسسها أسامة بن لادن.

وكان لطبيب العيون المصري البالغ 71 عاماً دور محوري في الهجمات على السفارة الأميركية في كل من كينيا وتنزانيا في العام 1998 وفي الاعتداءات الكبيرة على الولايات المتحدة في 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي تسببت بمقتل نحو ثلاثة آلاف شخص.

لكن خلال العقد الذي تولى فيه قيادة تنظيم القاعدة بعدما قتل بن لادن في عملية أميركية في العام 2011 في باكستان، لم تستعد هذه الحركة دورها المحوري مع بروز تنظيم الدولة الإسلامية وهيمنته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا وإعلانه دولة "الخلافة" فيها لفترة قبل دحره.

لكن في حين كان محللون يشددون على أن الظواهري يتقدم في السن وبات بطيئا، بدا على أنه يحاول إعادة بناء التنظيم بشراكة مع حركة طالبان بعد سيطرتها مجددا على كابول في آب/أغسطس الماضي.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن معلنا مقتل الظواهري في ضربة شنتها مسيّرة أميركية في كابول إلى حيث انتقل قائد التنظيم المتطرف على ما يبدو بعدما توارى لسنوات عند الحدود الأفغانية الباكستانية "العدالة تحققت وتم القضاء على هذا الزعيم الإرهابي".

أيمن الظواهري

ولد أيمن الظواهري في مصر في حزيران/يونيو 1951 في عائلة مصرية ميسورة، وقد ترأس تنظيم "الجهاد" المحظور في مصر قبل أن ينتقل إلى السعودية ثم إلى باكستان وأفغانستان حيث التحق ببن لادن.

وكان الظواهري ينشط منذ سنوات شبابه الأولى في صفوف الإسلاميين المصريين.

ونال شهادة في الطب من جامعة القاهرة عام 1974 قبل أن ينضم إلى منظمة "الجهاد" المتطرفة التي أصبح زعيمها في ما بعد. وقد أمضى ثلاث سنوات في السجن بتهمة الضلوع في اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981 الذي اتهمت منظمة "الجهاد" بالضلوع فيه.

وشنت منظمة "الجهاد" بعد ذلك سلسلة من الاعتداءات في مصر في العام 1992 وقد حكم على الظواهري عام 1999 بالإعدام غيابياً.

وكان الظواهري أيضاً الطبيب الشخصي لبن لادن ويعد ذراعه اليمنى وقد ظهر إلى جانبه في عدة تسجيلات مرئية بثت بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، كما أصدر الانتربول مذكرة توقيف في حقه.

وكانت الخارجية الأميركية رصدت مكافأة مالية قدرها 25 مليون دولار لأي شخص يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.

وغادر الظواهري مصر نهائياً في منتصف الثمانينات ويرجح أن يكون مكث مؤقتاً في السعودية والسودان والولايات المتحدة قبل أن يستقر في أفغانستان.

وأسس الظواهري مع بن لادن في بيشاور (باكستان) "جبهة تحرير المقدسات الإسلامية" في شباط/فبراير 1998.

وعلى غرار بن لادن، توارى عن الأنظار بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 ونجا من محاولات عدة لاغتياله.

ورغم بروز تنظيم الدولة الإسلامية، استمرت القاعدة بتشكيل تهديد أمني من خلال فروع لها قوية في اليمن وأفريقيا وشرق آسيا.

مجلس استشاري

ويصف محللون زعامة الظواهري على أنها مجلس استشاري أكثر منها قيادة مركزية متماسكة.

وكتب المحللان كولن كلارك واسفنديار مير في "فورين بوليسي" أن الظواهري "لم يشكل ربما حالة عبادة شخصية" مثل بن لادن إلا أنه كان خطيراً بالقدر نفسه على الولايات المتحدة.

وتوفيت زوجته المصرية وابنه على الأرجح في القصف الأميركي على أفغانستان في أيلول/سبتمبر 2001.

ويقول الصحافي والمحلل الباكستاني حميد مير الذي التقى الظواهري مرتين إنه تزوج مرة ثانية وإن زوجته أنجبت طفلة في 2005.

ويتمتع الظواهري بشخصية قوية ولا تخلو طباعه من الحس الشاعري بحسب الذين عرفوه. وكان والده طبيباً مرموقاً وجده لجهة والده كان إمام الازهر. أما جده لجهة والدته فكان سفيراً وأحد أقربائه هو عزام باشا الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية.

ولم يكن يتوانى عن تهديد أعدائه علناً وأبقى على تحالفه مع أطراف مثل حركة طالبان التي نفرت من تكتيات تنظيم الدولة الإسلامية التي تستهدف مسلمين أيضاً.

قدرة على التواصل

وكتب كلارك ومير "دعوة الظواهري إلى الوحدة وعدم اهتمامه بالمزايدة في مجال العنف سمحا لتنظيم القاعدة بطرح نفسه أمام أنصاره ومجندين محتملين لصفوفه على أنه أكثر جبهة جهادية يمكن الوثوق بها في وجه تنظيم الدولة الإسلامية".

ويبدو أن عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان أعطت تنظيم القاعدة أملاً جديداً في تعزيز وضعه.

وجاء في تقرير للأمم المتحدة في تموز/يوليو أن الظواهري أظهر في الفترة الأخيرة "قدرة وسهولة متزايدة في التواصل" مع حلفاء مقربين في إدارة حركة طالبان.

ورجح التقرير عدم إقدام الظواهري على شن هجمات على الصعيد العالمي على المدى القصير لتجب إحراج إدارة حركة طالبان.

لكن التقرير أشار إلى أن "الظرف الدولي مؤات لتنظيم القاعدة الذي يسعى مجدداً إلى فرض نفسه قائداً للجهاد العالمي".