إيلاف من بيروت: تنقل صحيفة "غارديان" البريطانية عن صحافية أفغانية شهادة تروي فيها كيف عاشت عامها الأول في ظل حكم حركة طالبان، التي عادت لتحكم أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي منها. في ما يأتي الشهادة كاملة كما روتها لمراسل الصحيفة حكمت نوري.

احتبأت وراء البرقع

في اليوم الذي دخلت فيه طالبان مدينتي في أغسطس الماضي، بدأت أتلقى تهديدات متجددة من قادة طالبان الذين أرادوا معاقبتي على عملي كصحفية إخبارية. أجبرت على مغادرة منزلي في ذلك اليوم، وسط انفجارات مدوية في معركة مستمرة، مختبئة وراء برقعي، أصلي طالبة النجاة. ما لم أكن أعرفه آنذاك هو أن هذه الرحلة ستستمر عاماً.

كل بضعة أسابيع، كنت أتنقل من مقاطعة إلى أخرى، أعيش حيناً في قلب المدن، وأختيئ أحيانا في القرى النائية. في الأيام الأولى، مكثت في منزل عمي في مقاطعة ساري بول، لكن بمجرد أن علمت قيادة طالبان المحلية أنه كان يؤوي هاربة، اضطررنا إلى المغادرة في منتصف الليل. ذهبت إلى مدينة مزار الشريف في بلخ، ثم سلكت الطريق إلى كابول مرورا بمقاطعات سامانغان وبغلان وباروان. أوقفتنا نقاط تفتيش في كل محافظة، وفي كل مرة كان قلبي يخفق داخل صدري. لحسن الحظ، كنت متلطية خلف شاداري [البرقع الأفغاني الكامل] ومررت عبر نقاط التفتيش من دون أن يكتشفوا أمري.

غارات عشوائية

في كابول، كان هناك خوف وفزع، إلى جانب الاحتفالات، حيث تجمع مقاتلو طالبان من جميع أنحاء البلاد في العاصمة. بمساعدة بعض الأصدقاء، تم نقلي إلى منزل آمن، حيث قضيت الأشهر الثلاثة التالية محاولة إيجاد طرق لمغادرة البلاد، لكن نادرا ما غادرت المجمع الذي كنت أختبئ فيه. كانت طالبان تشن غارات عشوائية في الحي، بحثا عن هاربين مثلي. وعندما زاد عدد المداهمات، كنت أعرف أنني سأضطر إلى مغادرة كابول قريبا.

في ديسمبر 2021، سمعت خبر مقتل ابن عمي برصاص طالبان. كان شرطيا وكثيرا ما اشتبك مع طالبان خلال سنوات الصراع. مثلي، كان مختبئا منذ أشهر، يبحث عن طريقة لمغادرة البلاد، لكن قبضوا عليه وقتلوه. انهرت، ليس حزنًا على خسارته فحسب، لكن ألماً مما آلت إليه حياتي. قررت العودة إلى مقاطعتي، لكنني لم أعد إلى المنزل لأنني لم أكن أرغب في المخاطرة بحياة عائلتي. اختبأت في منزل قريب آخر، لكن قربي من عائلتي مرة أخرى جعلني أشعر بالحنين إلى الوطن. كنت أتوق إلى حضن أمي. لم أرها منذ شهور.

تعانقنا كثيراً

في أحد الأيام، التقيت بأمي في سوق مزدحم. تعانقنا كثيراً، وبكيت، لكنها أمدتني بالقوة. كنت أعرف أنني لا أستطيع الاستسلام. خلال الأشهر القليلة التالية، بدأت في نسج السجاد للمساعدة في إعالة عائلتي. منذ استيلاء طالبان على السلطة، لم نفقد دخلنا فحسب، بل كانت حياتي في المنفى تكلف والدي اللذين ضحيا بالكثير لتربيتي وعليهما الآن دعمي. كان عملا شاقا، وأصبت بطفح جلدي وقروح في يدي، لكنه ساعد عائلتي وأبعد ذهني عن التهديدات التي كنت لا أزال أتلقاها.

تغيرت تهديدات طالبان. لم يعودوا يريدون قتلي. أرادوا مني أن أتزوج من أحد قادتهم. تواصلوا مع والدي وشيوخ المجتمع، وضغطوا عليهم ليزوجوني. لم أصدق أن هذا يحدث لي. في الماضي، غطيت قصصًا عن فرض طالبان الزواج القسري على الفتيات الصغيرات. الآن كنت واحدة من اللواتي أبلغت عنهن في العام الماضي. وعندما رفضت، أرسلوا لي صورا لبنادق AK-47 ومسدسات، مهددين باختطافي وقتل والدي. حظرت أرقامهم وحذفت تطبيق واتسآب لكنهم يجدون طرقا لإرسال تهديداتهم إلي. في النهاية، أخرجت شريحة جوالي وحطمتها. كنت مرعوبة مما سيفعلونه بي، أو ما هو أسوأ، بعائلتي.

خرجت من البلاد

في يوليو، وبمساعدة الأصدقاء، قمت بمحاولة أخرى لمغادرة البلاد. أولا، بمساعدة والدي، انتقلت إلى مزار الشريف، ثم سلكنا الطريق إلى كابول مرة أخرى. كنت أحمل شهادات طبية، وفي كل مرة يتم فيها إيقافنا، كنا نقول إنني ذاهبة إلى كابول لتلقي العلاج. كنت متوترة طوال الرحلة لأن طالبان كانت أكثر وحشية من ذي قبل.

وصلنا إلى كابول، حيث التقيت بنساء أخريات مثلي. معا، بحجة طلب المساعدة الطبية، تمكنا من الصعود على متن رحلة جوية متجهة إلى بلد مجاور. أنا أكثر أمانًا إلى حد ما الآن. بالكاد أنام لأنني أخشى على عائلتي التي لا تزال في أفغانستان. إنهم يتعرضون للعار لأنني هربت. وتعتبر الابنة الشابة غير المتزوجة التي تترك بمفردها أمرا مخزيا للغاية في الثقافة الأفغانية.

أناشد حلفاءنا الدوليين تمكين الأسر الأفغانية، ولا سيما النساء. لقد عملنا بجد لتحقيق قيم المساواة والحرية وخسرنا أكثر من غيرنا في العام الماضي. لكننا ما زلنا نقاوم، ونبحث عن حلفاء لدعمنا وإيصال أصواتنا.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن صحيفة "غارديان" البريطانية