في المواجهات الأخيرة التي وقعت داخل المنطقة الخضراء في بغداد، كان الحشد الشعبي المدعوم من إيران البادئ في إطلاق النار، لذا ينبغي ألا يكون مسؤولًا عن الأمن في هذه المنطقة الحكومية.

إيلاف من بيروت: في 29 و30 أغسطس، أطلق المقاتلون بقيادة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر وابلاً من الرصاص وقذائف الهاون والصواريخ على المنطقة الخضراء ببغداد، وتضم الوكالات الحكومية الرئيسية والمجمعات الدبلوماسية في البلاد. مع ذلك، لم يتم تسليط الضوء كثيراً على حقيقة أنه في وقت سابق من ذلك اليوم، أطلقت الميليشيات المدعومة من إيران الطلقات الأولى بالقرب من القصر الجمهوري، ما دفع مثيري الشغب التابعين للصدر، الذين كانوا في الغالب غير مسلحين في ذلك الوقت، إلى الانسحاب، وحشد عدد أكبر من إخوانهم، واللجوء إلى إطلاق النار من أسلحة ثقيلة. منذ ذلك الحين، أمر الصدر جميع مناصريه بمغادرة "المنطقة الدولية"، لكن على الولايات المتحدة وشركائها أن تحث بغداد على الطلب من جميع الميليشيات أن تحذو حذوهم، حتى تلك التي تتنكر كوحدات تديرها الحكومة، كما يقول مايكل نايتس، زميل برنشتاين في معهد واشنطن.

كيف اندلع العنف؟

في 29 أغسطس، اقترب أنصار التيار الصدري - الذين شقوا طريقهم نحو "المنطقة الدولية" خلال سلسلة احتجاجات وأعمال غوغائية في الأسابيع الأخيرة - للمرة الأولى من القصر الجمهوري. ويُعتبر هذا القصر الواقع في وسط المنطقة موقعاً رمزياً لاستقبال الشخصيات الأجنبية البارزة، علماً بأن بعض الوظائف الحكومية تنفذ في مكاتبه الكثيرة.

بحسب نايتس، ما يكتسي أهمية كبيرة هو أن أراضي القصر والشوارع المحيطة به تضم أيضاً مكاتب وثكنات تابعة للميليشيات المدعومة من إيران على غرار "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"حركة حزب الله النجباء"، وهي جماعات تصنفها الولايات المتحدة إرهابية وتتنكر بعباءة وحدات تتقاضى أجرها من الحكومة ضمن قوات الحشد الشعبي العراقية، على الرغم من أنها تواصل عملها خارج سيطرة الحكومة. وحين بدأ الصدريون بالتدفق إلى المنطقة، أطلقت وحدات الحشد الشعبي النار وأرغمتهم على العودة إلى المداخل الشمالية للمنطقة الدولية.

يقول نايتس: "لسوء الحظ، حالما أعادت قوات الصدر تعبئة صفوفها وبدأت مجدداً برد النيران على المنطقة الدولية، شكلت عناصر قوات الأمن العراقية الحقيقية الهدف الأوضح بالنسبة لها. في المقابل، أظهرت قوات الأمن درجة عالية من ضبط النفس من خلال عدم الرد على النيران بنيران قاتلة، إذ كانت تعمل بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ضمن قيادة العمليات المشتركة. لكن قناصي وحدات الحشد الشعبي واصلوا إطلاق النار على مناصري الصدر الذين ردوا بدورهم. وبحلول الليل، عمّت الفوضى المكان وخرج غوغائيو الصدر عن السيطرة تماماً وهاجموا المنطقة الدولية بالرشاشات والقذائف الصاروخية. وعندما هدأت المعركة، ناهزت حصيلة القتلى إثني عشر شخصاً من الصدريين ونحو إثني عشر قتيلاً أيضاً في صفوف الأمن العراقي، ونحو ستة قتلى من عناصر الحشد الشعبي".

حكم مستقر

خلال المواجهات، أظهر كل عنصر من عناصر قوات الأمن العراقية درجة عالية من ضبط النفس، باستثناء قوات الحشد الشعبي. الميليشيات التابعة للصدر وتلك المدعومة من إيران نفذت عملياتها خارج سلطة رئيس الوزراء وقيادة العمليات المشتركة. كما بدأ عنصر واحد فقط، أي مقاتلو قوات الحشد المدعومون من إيران، باستخدام الذخائر الحية ضد مدنيين غير مسلحين داخل المنطقة الدولية. وبحسب نايتس، يسلط هذا الأمر الضوء على ضرورة طرد جميع وحدات الحشد الشعبي من المنطقة، ليس حفاظاً على سلامة الحكومة العراقية فحسب، بل على سلامة عناصر السلك الدبلوماسي فيها أيضاً.

يضيف نايتس: "كانت هذه المسألة تتفاقم طيلة سنوات. وتختلف التقديرات عن عدد قوات الحشد الشعبي داخل المنطقة الدولية إلى حدّ كبير (بين 500 و 10 آلاف عنصر)، كما يتغير الرقم على الأرجح بحسب الظروف المختلفة. وخلال عهد الكاظمي، تمّ تقليص عدد القوات إلى جانب أسلحتها الثقيلة التي وضعتها داخل المنطقة (على سبيل المثال، المدافع المضادة للطائرات من عيار 23 ملم) وهامش حريتها في تعزيز صفوفها متى شاءت. بالفعل، أثبتت الأيام القليلة الماضية أن قوات الأمن العراقية الشاملة قادرة على منع الحشد الشعبي من زيادة عددها بشكل كبير داخل المنطقة الدولية خلال حالات الطوارئ. ومع ذلك، يُظهر النزاع الدائر أيضاً أنه حتى مع خفض عدد عناصر الحشد الشعبي، لا يزال بإمكانها التسبب بفوضى عارمة وأضرار جسيمة تطال علاقات العراق الدولية. وبسبب عدم انضباط عناصر هذه القوات، اندلعت معركة شاملة لليلة واحدة في قلب المنطقة الدولية، ما أعاد بغداد إلى أوضاع أشبه بالحرب الأهلية".

يتابع: "هذه ليست المرة الأولى التي تستغل فيها قوات الحشد الشعبي موقعها داخل المنطقة الدولية. فالإرهابيون المدعومون من إيران والذين يتنكرون بعباءة مقاتلي الحكومة حرّضوا على الهجمات ضد السفارتين الأمريكية والبريطانية ومسؤولين عراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء، ووفروا المعلومات الضرورية لتنفيذها. فعلى سبيل المثال، حاولوا اجتياح السفارة الأميركية في ديسمبر 2019، ليهددوا باندلاع معركة مدمرة في العراق. وفي وقت لاحق، طوقوا مقر إقامة الكاظمي في المنطقة الدولية في يونيو 2020 وقصفوه بطائرات مسيرة متفجرة بينما كان نائماً هناك في نوفمبر 2021".

وصمة عار

ربما ما حدث هذا الأسبوع لقن الصدر درساً، مفاده أن قتل عناصر قوات الأمن العراقية وصمة عار رهيبة بغض النظر عن سياق إطلاق النيران. مع ذلك، فإن الإرهابيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على الحشد الشعبي لم يتحملوا بعد تبعات إراقة أول نقطة دماء، وما زالوا قابعين في قلب مركز الحكم، ولم تصدر أي أوامر بعد بطردهم، بحسب نايتس، مضيفًا: "خلال المرحلة القادمة، تملك قوات الأمن العراقية وقائدها العام، رئيس الوزراء الكاظمي، صلاحية طلب خروج جميع الميليشيات والحراس الشخصيين الذين يكثر عددهم من المنطقة الدولية، وهذا واجب أخلاقي عليها، وعلى المسؤولين الأمريكيين حث الكاظمي على ذلك. وفي 30 أغسطس، وعد الكاظمي بالتحقيق في الاستخدام الافتتاحي للذخيرة الحية ضد المحتجين من قبل جماعات غير منضبطة - وهي العبارة التي يستخدمها رجال السياسة لوصف قوات الحشد الشعبي - وندد بها لعدم التقيد بأوامره".

وخلص نايست إلى أن من شأن اتخاذ الخطوة المهمة بطرد جميع الميليشيات من المنطقة الدولية أن يقلل من خطر اندلاع اشتباكات جديدة، ونشر قوات أمنية أكثر خضوعاً للأوامر في المنطقة، والبدء باستئصال ورم خبيث متواجد منذ فترة طويلة ينخر استقرار الحكومة والأمن الدبلوماسي، "وبغض النظر عن المستقبل السياسي للكاظمي، على المجتمع الدولي أن يذكّره بأنه لا يزال بإمكانه ترك إرث دائم في مجال واحد مهم، وهو: إقامة مركز حكم تسيطر عليه قوات الأمن العراقية بالكامل ويتمتع بالولاء للحكومة العراقية. وبدلاً من ذلك، إذا لم تتدارك بغداد ناقوس الخطر هذا وتترك المحرضين الذين تسببوا بمعركة الشوارع التي دارت هذا الأسبوع في مواقعهم، فسيكون ذلك مؤشراً آخر على وجود حكومة ضعيفة وغياب الشركاء الخارجيين".