إيلاف من بيروت: لطالما أدرك القادة الشيعة قوة الاختفاء. اختفى إمامهم الأكبر، محمد المهدي، في عام 873. وبعد أكثر من ألف عام، أصبح رمزا قويا يلهم المؤمنين لتحدي الظالمين. ويبدو أن مقتدى الصدر، وهو رجل دين وسياسي عراقي شعبوي، يحذو حذوه. وفي 29 أغسطس، أعلن عن 'انسحابه النهائي' من السياسة بعد أشهر من الجمود منذ الانتخابات العامة في العام الماضي. وبعيدا عن الإشارة إلى أنه سيستقيل، كان إعلانه بمثابة دعوة واضحة لأتباعه للنزول إلى الشوارع.

سرعان ما اجتاح المتظاهرون البرلمان، ثم انتشروا في جميع أنحاء 'المنطقة الخضراء'، مقر الحكومة العراقية المحصن في وسط بغداد، واقتحموا المكاتب الحكومية وتناثروا في برك السباحة الفخمة، ومزقوا أيقونات خصومهم السياسيين المدعومين من إيران، الإطار التنسييق، بما في ذلك صور راعيه قاسم سليماني، الجنرال الإيراني الذي قتل في غارة جوية أمريكية في عام 2020.

واندلع العنف عندما حاول أنصار الصدر السير نحو منزل أحد قادة الجبهة الإسلامية، وهو رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي. وفي تلك المرحلة، فتحت الميليشيات النار، ما دفع أنصار الصدر إلى إرسال جماعتهم المسلحة، سرايا سلام، التي وصل رجالها حاملين قذائف صاروخية. وأعقب ذلك ليلة من المعارك الضارية في المنطقة الخضراء وحولها خلفت ما لا يقل عن 30 قتيلا ومئات الجرحى.

المظالم الرئيسية للصدر هي الانتخابات التي سرقت بعد فترة طويلة من فرز الأصوات. وكان حزبه، سائرون، المرشح الأوفر حظا بنسبة 22٪ من المقاعد. وعلى الرغم من أنه يحظى بدعم رئيسي بين الشيعة، أكبر طائفة في العراق، إلا أنه شكل ائتلافا ضم السنة والأكراد، وهما المجموعتان الرئيسيتان الأخريان في العراق.

انقلاب قضائي

لكن عندما بدا أن لديه أغلبية برلمانية تسمح له بتشكيل حكومة، قامت لجنة العلاقات الخارجية، وهي كتلة من الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران، بـ 'انقلاب قضائي'، وفقا لمايكل نايتس، خبير العراق في معهد واشنطن، وهو مركز أبحاث أميركي. وأشار نايتس إلى أن المحكمة الاتحادية العراقية 'حركت المرمى بينما كانت الكرة على وشك عبور خط المرمى' من خلال الحكم بأن الصدر يحتاج إلى أصوات ثلثي النواب لانتخاب رئيس جديد، وليس أغلبية بسيطة كما هو الحال عادة. وقضت المحكمة أيضا بأن الحكومة الإقليمية الكردية اضطرت إلى تسليم السيطرة على صادراتها النفطية إلى الحكومة الاتحادية، في خطوة يبدو أنها تهدف إلى معاقبة الأحزاب الكردية على دعمها ائتلاف الصدر.

وسحب الصدر الغاضب نوابه من البرلمان. وبموجب القانون العراقي، كان هذا يعني التنازل عن مقاعدهم للوصيف من كل دائرة، مما أعطى حزب العمال الشيوعي أغلبية وسمح له بمحاولة تشكيل حكومة خاصة به. ولمنع ذلك، أرسل الصدر الغوغاء لاحتلال البرلمان في يوليو الماضي. وسرعان ما استقروا على اعتصام طويل الأمد للمطالبة بإجراء انتخابات جديدة. وتضخمت أعدادهم في أوائل أغسطس المنصرم عندما حضر الآلاف صلاة جماعية داخل المنطقة الخضراء.

اليوم، انسحبت الميليشيات المتنافسة عن حافة الهاوية.

خشية حرب أهلية

كان للخوف من حرب أهلية بين الشيعة تأثير مهدئ. وبعد يومين من الابتعاد عن الأنظار، ظهر الصدر على وسائل التواصل الاجتماعي ليأمر قواته بالانسحاب من المنطقة الخضراء.

في المقابل، يشك البعض في أنه حصل على موافقة اللجنة على اختياره المفضل لرئاسة الوزراء. ويعتقد آخرون أن جميع الأطراف تحشد الحلفاء فقط للمعركة المقبلة. وبالنسبة لإيران، يعد العراق مدخلا مهما إلى المنطقة. ولن تتخلى بسهولة عن حلفائها. ويريد الصدر أيضا تعزيزات من حلفائه العرب في الخليج والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ويغيب عن المعركة الممثلون الذين ظلوا في يوم من الأيام يغطون السياسة العراقية. وبدون وجود سليماني الشاهق، فإن الفصائل الشيعية في العراق تتشاجر. لقد سئمت أميركا مجالسة الأطفال في بلاد كلفتها أكثر من 4400 شخص ومئات المليارات من الدولارات. المؤسسات الديمقراطية التي أنشأتها – برلمان منتخب ومحكمة فيدرالية ورئيس وزراء – أصبحت ألعابا بيد الميليشيات الشيعية. قد لا يكون فعل الاختفاء الحقيقي هو فعل الصدر، بل فعل الأمل في عراق ديمقراطي.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إيكونوميست" البريطانية