بكين: باتت سياسة "صفر كوفيد" رمزا لنهج الرئيس شي جينبينغ في الصين، مع ما تفرضه من إجراء فحوص لكشف الإصابة بكوفيد-19 كلّ يومين أو ثلاثة أيام أو مسح رمز استجابة سريعة عند مدخل الأماكن العامة لإثبات عدم الإصابة وغيرها من إجراءات.

وحتى إن كانت تدابير الإغلاق المتكررة وحملات الفحوص الواسعة النطاق والحجر الصحي المكلف تشكل عبئا على ثاني قوة اقتصادية في العالم، لا يبدو الرئيس الذي يستعد للفوز بولاية ثالثة غير مسبوقة، على استعداد للتخلي عنها.

ويؤكد إنها الطريق "الأكثر فاعلية والأقل كلفة" نحو المستقبل، في وقت يرفض الحزب الشيوعي الحاكم أن يحدد ما إذا كانت القيود ستبقى مفروضة لأسابيع أو أشهر أو سنوات.

وتوضح ديانا فو خبيرة السياسة الداخلية الصينية في معهد بروكينغز الأميركي أن "إرث شي وشرعية الحزب على ارتباط بنجاح حملة صفر كوفيد".

وأضافت أن "الحملة، أيا كانت عواقبها الاجتماعية والاقتصادية، ستبقى بمثابة نجاح جدير بالثناء للاشتراكية الصينية مع اقتراب المؤتمر العشرين للحزب" في إشارة إلى الاجتماع الحاسم الذي تنطلق أعماله في 16 تشرين الأول/اكتوبر.

أوجه المبالغة

وتثير أوجه المبالغة في هذه السياسة أحياناً استياء يتم التعبير عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حصل عند فرض الإغلاق المطول في شنغهاي في الربيع أو عند تعرض حافلة تنقل سكانا إلى مركز حجر صحي لحادث سير مؤخراً في مقاطعة كويتشو (جنوب غرب)، ما أسفر عن وقوع 27 قتيلاً.

لكن السكان مرغمون في حياتهم اليومية على الانصياع للقواعد، مثل وجوب الخضوع لفحوص كشف الإصابة عدة مرات في الأسبوع للتمكن من الدخول إلى أي مكان عام.

وعند مداخل المكاتب أو المراكز التجارية أو المطاعم، يتحتم مسح رمز استجابة سريعة يظهر نتائج آخر فحص أجراه الشخص.

وإن كان الرمز أخضر يُسمح لهم بالدخول. أما إن كان برتقالياً أو أحمر، فهذا يعني أن نتيجة فحصهم كانت إيجابية أو أنهم خالطوا شخصاً مصابًا.

وينطوي هذا النظام على مخاطر حصول تجاوزات. ففي حزيران/يونيو، تعرضت سلطات محافظة هينان (وسط) لانتقادات للاشتباه بحصول تزوير في تراخيص صحية حتى تُظهر نتائج "حمراء" ما يسمح بمنع محتجين من التوجه إلى تظاهرة.

الرقابة الاجتماعية

ورأى ستيف تسانغ مدير معهد "سواس تشاينا" في جامعة لندن أن سياسة صفر كوفيد تندرج "ضمن خطّ نموذج الرقابة الاجتماعية في عهد شي".

واعتبر أن الإبقاء عليها يتوقف على "التوازن بين الضرورة الاقتصادية" و"أسطورة شي المعصوم عن الخطأ".

ويتحتم بموجب هذه السياسة على أي مسافر قادم من الخارج الخضوع لحجر صحي لمدة عشرة أيام لدى وصوله إلى الصين.

وأوضح يان جيانغ (38 سنة) المهندس في النقل الجوي أنه قضى مجمل مئتي يوم معزولاً في المستشفى مضيفاً أن ذلك "مزعج للغاية في حياتي الخاصة".

لكنه يذعن قائلاً "إنها سياسة الحكومة الصينية، لا خيار لدينا"، مشيرًا إلى أنه اغتنم الأمر لتعلم الفرنسية في غرفته.

السياسة الصارمة

شي جينبينغ نفسه لم يغادر الصين من مطلع 2020 وحتى أيلول/سبتمبر الماضي حين توجه إلى آسيا الوسطى.

وأتاحت هذه السياسة الصارمة الحد من حصيلة الوفيات جراء كوفيد في الصين بخمسة آلاف حالة وفق الأرقام الرسمية، مقابل أكثر من مليون وفاة في الولايات المتحدة.

وحتى عندما دفعت المتحورة أوميكرون الأشد عدوى غير أن أعراضها أقل خطورة، العديد من الدول إلى إعادة فتح حدودها، لم تبدل بكين خطّها.

ويبدو هذا الحذر مستغرباً في ظل نسبة تلقيح بلغت حوالى 90% بحسب وزارة الصحة.

وأكد جين دونغ يان الأستاذ في معهد العلوم الطبية الأحيائية في جامعة هونغ كونغ "لا بد أن يتخلوا في نهاية المطاف عن سياسة صفر كوفيد" التي وصفها بأنها "خاطئة ومخالفة لكل الأدلة العلمية".

ولفت يانتشونغ هوانغ خبير الصحة في معهد "مجلس العلاقات الدولية" للدراسات الأميركي أن ظهور متحورات سريعة العدوى قوض النهج الصيني الذي بنى نجاحه على الحد من عدد الإصابات.

ومع تخطي الفيروس قدرة السلطات على الاستجابة "تلجأ المدن إلى تدابير الحجر كرد آنيّ".

وتعتبر الصين سياستها الصحية ضرورية لمنع إغراق النظام الصحي ولا سيما في الأرياف الفقيرة.

لكن هوانغ يرى أن هذه المخاوف "مبالغ فيها"، مشددا ًعلى أن "معدل الوفيات لدى الذين تزيد أعمارهم عن ثمانين عاماً يفترض أن يكون محدوداً" إن كانوا تلقوا اللقاحات بالكامل.

كلفة اقتصادية

ولهذه السياسة كلفة إذ يتوقع بنك نومورا الياباني أن يتباطأ النمو الاقتصادي الصيني إلى 2,7% هذه السنة.

وتعكس هذه النسبة تراجعاً كبيراً عن معدلات ما قبل الوباء وعن الهدف الرسمي الذي حدد النمو بـ"حوالى 5,5%".

وأدت تدابير الحجر وإغلاق المصانع إلى زيادة نسبة البطالة بين الشباب وقوضت ثقة المستهلكين بحسب المحللين، في وقت تسبب الارتفاع الحاد في اسعار الطاقة والمخاوف من حصول ركود في الولايات المتحدة بتراجع الإقبال على الصادرات الصينية.

ورغم ذلك لا يزال العديدون في الصين مؤيدين لهذه السياسة بعدما أقنعتهم الدعاية الرسمية بضرورة الحد من الإصابات "أيا كان الثمن الإنساني أو الاقتصادي"، برأي ديانا فو.

ومن المستحيل معرفة حتى سيقرر شي جينبينغ تليين نهجه وقال جيفري فاسرستروم خبير الصين وأستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا إن "الحزب الشيوعي الصيني يتمنع عن الاعتراف بالخطأ حين يسلك طريقا إشكالية" وبالتالي فأن "تصحيح المسار قد يأتي متأخرا جدا".