الرياض: تسعى السعودية إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للمملكة هذا الاسبوع، لكنها لا تنوي بالضرورة الابتعاد عن حليفتها التقليدية الولايات المتحدة، حسبما يرى محللون.

يبدأ الرئيس الصيني الأربعاء زيارته الأولى للمملكة منذ 2016 على أن تستمر حتى يوم الجمعة، يشارك خلالها في قمتين خليجية-صينية وعربية-صينية يحضرهما قادة دول المنطقة، بحسب وكالة الأنباء السعودية.

وتأتي هذه الزيارة في خضم تصاعد التوترات بين السعودية والولايات المتحدة بشأن قضايا تتراوح من سياسة الطاقة إلى الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان.

وجاءت آخر الضربات لتلك الشراكة التاريخية في تشرين الأول/أكتوبر عندما وافق كارتل "أوبك بلاس" على خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، وهي خطوة قال البيت الأبيض إنها ترقى إلى "الاصطفاف مع روسيا" بشأن الحرب على أوكرانيا.

واختارت المجموعة التي تضم السعودية وروسيا الأحد الإبقاء على مستويات خفض الانتاج نفسها.

أكبر مصدّر للنفط

ويقول الخبير في العلاقات الخليجية الصينية بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ناصر التميمي إن رحلة الرئيس الصيني إلى الرياض "لا تتعلق فقط بالولايات المتحدة، أو إرسال إشارات إلى الولايات المتحدة، بل بالسعودية نفسها".

ويضيف "البلد (السعودية) يتغير. إنهم يحاولون تغيير هيكل اقتصادهم وهيكل سياستهم الخارجية. الموضوع الرئيسي بالنسبة لهم هو التنويع".

من جهته، يرى الباحث في مركز "صندوق مارشال" الألماني اندرو سمول ان "بكين تدرك جيدًا عمق العلاقات السعودية الأميركية - على الرغم من التوترات الحالية. لكن إذا أرادت الرياض التحوط، فهذه فترة ستحرص بكين فيها على الاستفادة من ذلك".

السعودية هي أكبر مصدّر للنفط في العالم والصين هي أكبر مستورد للخام، حيث تشتري ما يقرب من ربع الشحنات السعودية.

وقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في آذار/مارس أن الرياض تدرس تسعير بعض عقودها النفطية باليوان بعد تداولها حصريًا بالدولار لعقود. لكن رئيس شركة أرامكو وصف التقرير بأنه عبارة عن "تكهنات".

كما أن هناك إمكانية للجانبين لتكثيف التعاون في تطوير البنية التحتية مثل المصافي.

ويقول سمول إن الصين حريصة على "تعزيز علاقاتها مع موردي الطاقة الرئيسيين في وقت يستمر فيه عدم القدرة على التنبؤ بالسوق".

شريك تجاري

وبعيدًا عن الطاقة، يرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن الصين شريك مهم في محاولته لتطوير صناعات أخرى بما يتماشى مع أجندة رؤية 2030.

واعتبر محللون ان الصفقات قد تشمل عمل الشركات الصينية في مدينة "نيوم" المستقبلية الضخمة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، بما في ذلك التعرف على الوجوه وتقنيات المراقبة الأخرى.

ويرى جوناثان فولتون من معهد "المجلس الأطلسي" ان الاجتماعات بين الرئيس الصيني وقادة مجلس التعاون الخليجي يمكن أن توفّر أيضا فرصة لإحياء اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها.

ويوضح "الصين تبيع أساساً كل شيء للسعودية ... فيما السعودية تبيع النفط ومنتجات النفط إلى الصين، لذلك أعتقد أنهم يرغبون في إيجاد طرق مختلفة لدخول السوق الصينية وعدم الاعتماد على مُنتج واحد".

العلاقة مع واشنطن

ومع ذلك، فإن توثيق العلاقات مع الصين لا يعني أن المملكة العربية السعودية تريد خفض مستوى شراكتها مع الولايات المتحدة.

فحتى في ذروة التصريحات الصاخبة حول تخفيض إنتاج النفط في تشرين الأول/اكتوبر حين تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن "عواقب"، شدد المسؤولون السعوديون على أهمية علاقاتهم مع واشنطن.

ويقول المحللون إنه في الوقت الذي تتعاون فيه الصين والسعودية في مبيعات الأسلحة وإنتاجها، لا تستطيع بكين توفير الضمانات الأمنية التي دعمت الشراكة الأميركية السعودية منذ بدايتها في نهاية الحرب العالمية الثانية.

وقد عاشت المملكة لسنوات في ظل التهديد المستمر بهجمات الطائرات المسيرة من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، حيث تقود تحالفًا عسكريًا لدعم الحكومة.

وقالت الولايات المتحدة الشهر الماضي إنها كشفت وردعت تهديدات وشيكة من جانب إيران، مؤكدة تقارير سابقة عن أن الجمهورية الإسلامية كانت تخطط لشن هجوم على السعودية.

ويرى كوربورن سولتفات من مؤسسة "فيريسك مابليكروفت" الاستشارية إن "تحسين العلاقات مع الصين يمثل أولوية" للسعوديين.

لكن بحسب المحلل، هناك "حد لمدى الابتعاد عن الولايات المتحدة طالما أن الديناميكيات الإقليمية على ما هي عليه، وطالما أنها معرّضة بشدة للهجمات العسكرية الإيرانية".