ايلاف من لندن: اتهمت منظمة دولية الخميس السلطات العراقية والميليشيات المدعومة منها بممارسة عمليات ترهيب وملاحقة واعتقال لنشطاء البيئة وخاصة في الاهوار الجنوبية المحاذية لايران.

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الاميركية الدولية اليوم إن النشطاء البيئيين في العراق يخضعون لتهديدات، ومضايقات، واحتجاز تعسفي على يد عناصر تابعين للحكومة والجماعات المسلحة.

الخبير البيئيالعراقي جاسم الاسدي في صورة باهوار البلاد الجنوبية المحاذية لإيران حيث اطلق سراحه في 16 من الشهر الحالي بعد اختطاف وتعذيب اسبوعين (تويتر)

واشارت المنظمة في تقرير لها تابعته "ايلاف" الى انه في 16 من الشهر الحالي تم اطلاق سراح الناشط البيئي العراقي البارز جاسم الأسدي بعد اختطافه في الاول من الشهر نفسه من قبل مجموعة مسلحة مجهولة الهوية واحتجازه لأكثر من أسبوعين.

ولفتت الى ان الاسدي اكد انه تعرض لاشد انواع التعذيب باستخدام "الكهرباء والعصي" أثناء أسره وكان يُنقل من مكان إلى آخر.

سلسلة من أعمال الانتقام

وقالت المنظمة إن إطلاق سراح الاسدي جاء بعد تدخل الحكومة العراقية بعد مثل اختطافه الحلقة الأحدث في سلسلة من أعمال الانتقام ضد النشطاء البيئيين التي تستهدف على ما يبدو إيقاف أنشطتهم.

ورأى آدم كوغل نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش انه "بدل أن تتخذ الحكومة العراقية خطوات ملموسة لحل القضايا البيئية الجوهرية في العراق، فهي تهاجم من يتحدث عن هذه القضايا.

وحذر من ان "إقصاء الحركة البيئية في البلاد لن يؤدي الى لتدهور قدرة العراق على معالجة أزماته البيئية، التي تؤثر على مجموعة من الحقوق الحيوية".

اضاف كوغل ان "إقدام الحكومة العراقية على تكميم أفواه النشطاء البيئيين الذين يحاولون التوعية بشأن التحديات الخطيرة للبلاد هو جزء من موقف أوسع ترى فيه أن منظمات المجتمع المدني تشكل تهديدا وليست شريكة".

السلطات تلاحق النشطاء

أضافت المنظمة ان الأجهزة الحكومية احتجزت نشطاء آخرين ولاحقتهم جراء حديثهم عن مشاكل بيئية وقال سلمان خير الله، وهو ناشط بيئي آخر ومؤسس مشارك لجمعية "حُماة دجلة" إنه يعتقد أن الجماعات المسلحة والمسؤولين العراقيين يستهدفون الأعضاء الرئيسيين في الحركة البيئية لإسكاتهم وتوجيه رسالة تهديد إلى الآخرين.

واشارت المنظمة الى انها كانت قد كشفت في تشرين الثاني نوفمبر عام 2022 في تقرير موثق تقاعس السلطات العراقية عن مساءلة عناصر وضباط الأمن التابعين للدولة والجماعات المسلحة المدعومة من الدولة المسؤولين عن قتل وتشويه، وإخفاء مئات المتظاهرين والناشطين منذ عام 2019.

توظيف القضاء لمضايقة النشطاء

شددت المنظمة على انه ينبغي للسلطات العراقية فورا محاسبة المسؤولين عن العقوبات خارج نطاق القضاء، مثل الاختطاف.. وكذلك التوقف عن توظيف النظام القضائي لمضايقة النشطاء البيئيين والانتقام منهم وإسقاط جميع القضايا القانونية ضدهم التي تنطوي على انتهاكات.

وأوضحت المنظمة ان الاسدي كان يقود سيارته على الطريق السريع الجنوبي الى بغداد مع ابن عمه في صباح الاول من الشهر الحالي عندما أوقفته مركبتان على بُعد ستة كيلومترات جنوب العاصمة بغداد بحسب ما قال شقيق الأسدي لـ هيومن رايتس ووتش حيث قيّد رجال مسلحون بملابس مدنية يديه، وأجبروه على ركوب إحدى المركبتين ليصحبوه إلى موقع غير معروف، بينما تركوا ابن عمه في السيارة على قارعة الطريق. واكد انه لا يعرف الدافع وراء اختطافه، لكن كان العديد من مؤيدي الحكومة غير راضين عن أنشطته البيئية وبعد بضعة أيام، أُطلق سراح الأسدي لكن لم يُعرف سبب احتجازه وهوية الخاطفين.

الانتقام من النشطاء البيئيين

واضافت المنظمة قائلة انه رغم اتخاذ الحكومة العراقية، على ما يبدو، خطوات للتدخل وتأمين إطلاق سراح الأسدي الا انها كانت في حالات أخرى مسؤولة عن الانتقام من النشطاء البيئيين جرّاء جهودهم لجذب الانتباه إلى الانتهاكات الحقوقية المرتبطة ببيئة البلاد ومناخها.

ففي أواخر عام 2019، احتجزت السلطات العراقية سلمان خير الله، وهو ناشط بيئي آخر، ما دفع مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالمدافعين عن البيئة إلى التدخل للمطالبة بإطلاق سراحه ثم غادر بغداد بعد إطلاق سراحه بكفالة.

وقال ناشط آخر هو رئيس منظمة "الجبايش" البيئية رعد حبيب الأسدي، للمنظمة إنه خلال فترتي الجفاف اللتين ضربتا البلاد عامي 2019 و2020، انتقد وزارة الموارد المائية لسياساتها واستجاباتها الضعيفة للوضع المتفاقم. قال إنه نشر معلومات أساسية حول الجفاف في أهوار الناصرية، مثل مقدار انخفاض مستويات المياه. انتقمت الوزارة منه عبر أخذه إلى المحكمة.

واكد حبيب أن مسؤولي الوزارة عرضوا إسقاط القضية ضده إذا تعهد بالتوقف عن انتقاد الوزارة لكنه رفض.. وشدد بالقول "لم أقترف أي ذنب. عاملوني كمجرم فقط لأنني شاركت معلومات حول الجفاف في المستنقعات. لا يمكنني السفر أو فعل أي شيء لأن عليّ المثول أمام المحكمة كل اثنين وخميس. قال لي مسؤولو الوزارة "نريد أن نسكتك".

تعذيب لا يخطر ببال

كشف الاسدي عن تفاصيل اختطافه مبيناً ان مجموعة مسلحة اعترضته على الطريق السريع من محافظة بابل الجنوبية الى بغداد وعلى مقربة من دورية أمنية واقتادته إلى جهة مجهولة، مشيرا الى تعرضه للتعذيب على مدى 15 يوماً، موضحا أن الجناة كانوا يهدفون لثنيه عن الدفاع عن سكان الاهوار المحاذية لايران ومنعه من الحديث عن الجفاف، لم يستبعد ارتباطهم بجهات خارجية.

وأضاف الاسدي في تصريح لصحيفة "المدى" العراقية تابعته "ايلاف" قائلا "تعرضت للاستجواب والتحقيق ولأقسى انواع التعذيب على مدى 15 يوماً" مبينا ان "أشكال التعذيب لا تخطر على بال أحد".

وعن اسباب اختطافه قال الاسدي ان "اسئلة واجراءات التحقيق كانت تهدف لثنيي عن العمل في الاهوار والمطالبات بالمياه وعدالة توزيعها ناهيك عن ثنيي عن مؤازرة السكان المحليين". ولفت إلى أن "الخاطفين كانوا يريدون ان اكون شخصاً سلبياً تجاه البيئة وان اتجاهل ما تتعرض له من جفاف وما يتعرض له السكان من حرمان".

وشدد الأسدي على أن "الخاطفين كانوا يعتقدون انهم ان تمكنوا من كسره وثنيه عن قضيته سيثنون الاخرين".. وزاد ان "هذا الاختطاف سيزيدني اصرارا من اجل الناس والطبيعة وبيئتها".

وأفاد بأن "ما تلقيته من دعم وتضامن كبيرين من الاهالي والسكان المحليين والناشطين والمنظمات والجهات العراقية والدولية يجعلني اتمسك بالقضية التي اختطفت بسببها وسأواصل ذات الدرب في الدفاع عن بيئة الاهوار وسكانها".

وعد الأسدي "الافراج لم يتم بسهولة".. ويجد أن "هناك قوة قاهرة وضاغطة هي التي جعلت الخاطفين يفرجون عني".

تفاصيل عملية الاختطاف

عن عملية اختطافه قال الاسدي ان خمسة اشخاص كانوا يستقلون مركبتين اعترضوا مركبتنا وطوقوها من جميع الجوانب وشهروا السلاح علينا ثم تقدم أحدهم مني وكان يحمل مسدسا وآلة جارحة وعلى الفور قطع حزام الامان وسحبني وحدي من المقعد الامامي للسيارة واقتادني الى مركبة أخرى وفي تلك المركبة عصبوا عيني وقيدوا يدي وألقوا بي بين مقاعد السيارة".

اضاف ان "أحد الخاطفين داس بقدميه على جسدي، واتجهوا بي الى جهة مجهولة لا اعرف حتى الوقت الحاضر اين تقع".. وبين إن "التعذيب بدأ اعتبارا من اليوم الثاني لاختطافه حتى يوم الافراج عنه".

نشاط الاسدي للدفاع عن البيئة

يشار الى ان الأسدي قد دأب على مطالبة دول الجوار بالإيفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بحصة العراق من المياه محملا اياها والحكومة العراقية مسؤولية جفاف الاهوار الجنوبية المحاذية لايران وتفاقم معاناة السكان المحليين وصيادي الاسماك ومربي الجاموس وحرمانهم من مصدر رزقهم الوحيد.

والاسدي هو مؤسس منظمة "طبيعة العراق" المحلية غير الحكومية، والتي تعلن أن هدفها حماية البيئة الطبيعية للعراق والتراث الثقافي الغني الذي يغذيها واستعادتهما والحفاظ عليهما.

وظهر الأسدي بشكل متكرر في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية للتوعية بشأن التهديدات التي تواجه الأهوار الجنوبية في البلاد، بما فيها الجفاف وفقدان الغطاء النباتي.

وتعد منظمة طبيعة العراق واحدة من أبرز المنظمات البيئية التي تهتم ببيئة ومناطق الاهوار العراقية ولاسيما في مجال الطيور والتنوع الاحيائي وهي من المنظمات المعتمدة ضمن برنامج الأمم المتحدة للبيئة.