إيلاف من لندن: شهدت بغداد الاثنين احتجاجات رافضة لتعديل قانون الانتخابات بشكل يكرس سطوة الأحزاب التقليدية الحاكمة ما أرغم البرلمان على تأجيل مناقشته للقانون المقررة اليوم الى السبت المقبل.
ووسط إجراءات أمنية مشددة تم فيها غلق جسر حيوي وشوارع مؤدية الى مجلس النواب في المنطقة الخضراء وسط العاصمة فقد شارك في الاحتجاجات المئات من ممثلي الحركات الناشئة ومنتفضو تظاهرات تشرين 2019 ومستقلين.


حافلات نقلت محتجين من محافظاتهم الى بغداد للمشاركة في تظاهرتهم وسطها الاثنين 27 فبراير 2023 (تويتر)

وحذر المتظاهرون البرلمان من تعميم احتجاجاتهم الى محافظات أخرى وإشعال انتفاضة جديدة على غرار انتفاضة تشرين التي أرغمت البرلمان على إلغاء طريقة الانتخاب السابقة والتي تحاول القوى المهيمنة على السلطة الرجوع إليها حالياً.
وقالت حركة امتداد المنبثقة عن احتجاجات تشرين الشعبية في بيان تابعته "إيلاف" أن نوابها في البرلمان وبالتنسيق مع قوى سياسية ونواب مستقلين يرفضون تعديل قانون الانتخابات من قبل الأحزاب المتسلطة والتي تكبدت خسارة واضحة في الانتخابات الأخيرة لعام 2021 حيث تحاول مرةً اخرى الالتفاف على ارادة الشعب متجاهلة الدماء التي سقطت في تشرين في سبيل التغيير المنشود ومنها تغيير هذا القانون المجرب بفشله.
وحذرت من أن "المضي بالتعديل الحالي سيكون بمثابة استفزاز كبير للشعب ولات حين مندم".
ومن جانبها قالت "اللجنة المركزية للمحافظات المنتفضة" عزمها الخروج بتظاهرات ضد محاولات تمرير قانون "سانت ليغو" الانتخابي من قبل الأحزاب المهيمنة على البرلمان حالياً وخسرت انتخابات 2021 ثم عادت اليه بعد استقالة نواب التيار الصدري الفائز فيها.
وقالت اللجنة في بيان تابعته "إيلاف" أن السلطة "تضرب اليوم عَرض الجدار كل معاناة الشعب ونقص غذائهِ، وأزمة ارتفاع الأسعار والدولار، وتأخر إقرار الموازنة وآلاف العاطلين عن العمل والقابعين تحت خط الفقر لتتوجه نحو قراءة مسودة قانون انتخابات مجالس المحافظات في أروقة البرلمان".
وشددت على رفض مسودة القانون الإنتخابي المطروحة بصيغتها الحالية سانت ليغو كونها غير منصفة وغير عادلة وتكرس المحاصصة المقيتة".. موضحة أن هذه المسودة التي تسعى أحزاب السلطة الى تمريرها للإنتخابات النيابية بغلاف مجالس المحافظات تم رفضها من قبل غالبية الشعب والمرجعية سابقاً".
ومن جانبه رفض التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر تعديل قانون الانتخابات الحالي. ونشر القيادي في التيار حاكم الزاملي في تدوينة على حسابه الرسمي في "فيسبوك" مقطعاً مصوراً لممثل المرجعية الدينية عبد المهدي الكربلائي وكتب عليه "لا للقائمة المغلقة.. لا للدائرة الواحدة".
ويقول الكربلائي في المقطع إن "رأي المرجعية الدينية هو لا للقائمة المغلقة ولا للدائرة الانتخابية الواحدة".. منوهاً الى أن "القائمة المغلقة تغلق الطريق أمام الناخبين لاختيار من يمثلهم في البرلمان".

تحذير قانوني
ومن جانبه حذر الخبير القانوني العراقي سالم حواس الساعدي من أن تعديل القانون سجعل مسار العمل السياسي للبلد مهدداً بالانتفاضات والتظاهرات.

وقال الساعدي في بيان تابعته "إيلاف" أن الرجوع لقانون سانت ليغو يقدم خدمة جليلة للكيانات والأحزاب الكبيرة بعدما أصيبت بخيبة أمل باعتماد الدوائر المتعددة التي خدمت الكتل الصغيرة والمستقلين حالياً".
وأضاف أن الانتخابات الماضية حينما قسمت الدائرة الواحدة الى دوائر متعددة ضمن المحافظة الواحدة اعطت المجال لصعود وجوه جديدة وهذا حتماً يشكل تهديداً واضحاً للكيانات والأحزاب التي تتشتت أصواتها في الدوائر الانتخابية المتعددة ".
وحذر الخبير القانوني من أن "اعتماد سانت ليغو يجعل مسار العمل السياسي للبلد مهدداً بالانتفاضات والتظاهرات" .. منوهاً إلى أن البقاء على القانون الحالي يفتح المجال واسعاً لشخصيات وكتل سياسية جديدة لتثبت وجودها بعد أن كان الأمر محصوراً بين كتل وشخصيات تابعة لهذا الحزب أو ذاك".
واعتبر الخبير القانوني الساعدي أن محاولة أحزاب بإعادة وتدوير النظام الانتخابي السابق (سانت ليغو) عبر الدائرة الواحدة تستهدف عودتها للسيطرة وحرمان المستقلين من الصعود والمشاركة في العمل السياسي وإثبات الوجود".

تغيير القانون لإدامة هيمنتها
وكانت الانتخابات السابقة للبرلمان العراقي قد جرت وفق قانون "سانت ليغو" الذي وضعه خبراء الانتخابات العراقية التابعين للأمم المتحدة بعد سقوط النظام السابق عام 2003 ليوفر للأحزاب الكبيرة فوزاً كبيراً لكنه بعد إلغاء هذا القانون الذي فرض إجراء الانتخابات وفق القوائم المغلقة وتم إجراء الانتخابات الأخيرة على أساس القائمة المفتوحة فقد منيت الأحزاب الكبيرة التقليدية المتسلطة على البرلمان طيلة السنوات السابقة بخسارة فادحة لصالح التيار الصدري والمستقلين الذين حصلوا للمرة الأولى على 50 مقعداً في البرلمان الذي يضم 329 نائباً.
ويقضي قانون الانتخابات الحالي بتقسيم المحافظات العراقية إلى دوائر انتخابية متعددة بحيث يكون لكل 100 ألف ناخب في الدائرة ممثل في البرلمان ويبلغ حجم الدائرة نسبة إلى عدد سكانها لكن الفارق الأهم بينه وبين القوانين السابقة هو أنه يعمل وفق الدوائر المفتوحة بحيث أن لا تستطيع التحالفات أو الأحزاب الكبرى تحويل ألاصوات من مرشح إلى آخر.
ومنذ أسابيع بدأ البرلمان العراقي يناقش تعديلاً على قانون الانتخابات يعيد إجراء الانتخابات على القانون القديم المعروف باسم قانون "سانت ليغو" 1.6 الذي يعيد المحافظة لتصبح دائرة انتخابية واحدة.

ماهو سانت ليغو
و"سانت ليغو" هي طريقة رياضية في توزيع أصوات الناخبين على القوائم الانتخابية المشاركة فتُقسم الأصوات على 1.3 تصاعدياً حينها تحصل القوائم الصغيرة على فرص أكبر للفوز بمقاعد برلمانية وكلما ارتفع القاسم الانتخابي أي من 1.6 وأكثر قلّت فرص تلك القوائم وزادت مقاعد الائتلافات الكبيرة المهيمنة على الاوضاع السياسية منذ عام 2003 . وهذه الطريقة تمكّن الأحزاب التقليدية التي تمتلك المناصب في الدولة والمال السياسي، من الوصول إلى البرلمان او الحكومات المحلية بسهولة.
وباقرار هذا القانون فأنه سيصبح من الصعب على القوى المدنية والحركات الجديدة الحصول مجتمعة على ربع ما حصلت عليه في الانتخابات الاخيرة لعام 2021 .

منجزات انتفاضة تشرين الشعبية
وكان الصدر قد شدد في كلمة عام 2017 أمام احتجاجات مليونية في العاصمة ومحافظات أخرى ضد قانون الانتخابات السابق الذي تريد الأحزاب المهيمنة على السلطة حالياً العودة الى العمل به أن القانون هو منهج جديد لعودة دواعش الفساد وتسليطهم على رقاب الناس وسلب ماتبقى من أموال العراق .
وأضاف الصدر قائلاً "لا يسعني هنا الا أن أعزي الشعب العراقي وبشرائحه كافة فإن إقرار قانون مجالس المحافظات بصيغته الحالية (سانت ليغو 1.9) إنما هو موت لطموحات الشعب في التغيير والإصلاح"، معتبراً أن "هذا القانون يمثل قانوناً داعشياً إرهابياً".
يذكر أن قوى الإطار التنسيقي الشيعية ومعها القوى السنية والكردية في ائتلاف ادارة الدولة تريد العودة إلى نظام الدائرة الانتخابية الواحدة بدلاً من الدوائر المتعددة واحتساب الأصوات وفقاً لطريقة "سانت ليغو" وهو ما اثار جدلاً واعتراضات سياسية.
وأنهى البرلمان العراقي مؤخراً، القراءة الأولى لمشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات، الذي يُطرح أيضاً لاستخدامه في الانتخابات التشريعية وظهر مشروع القانون الجديد وفق نظام "سانت ليغو" القديم الذي يعتبر إلغاؤه سابقاً أحد أبرز منجزات التظاهرات الشعبية في العراق عام 2019.