إيلاف من أبو ظبي: لم يكن تعيين الشيخ منصور بن زايد آل نهيان في منصبه الجديد، نائبًا ثانيًا لرئيس دولة الإمارات، إلى جانب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس مجلس الوزراء، نتاجًا لمعادلة داخلية، أو محصلة لتوازنات وحسابات سياسية، بقدر ما كانت هذه الخطوة اختيارًا مدروسًا وواعيًا من قبل القيادة السياسية. كما أنها جاءت تتويجًا لمسيرة الرجل ودوره المستمر منذ أكثر من عقدين في الدائرة الضيقة لصانع القرار السيادي الإماراتي.

فالشيخ منصور بن زايد ليس غريبًا على مؤسسة الرئاسة، وهو بهذا المعنى ابن هذه المؤسسة منذ عقود، وبنى حضوره في الشأن العام من خلال وجوده ودوره فيها.

أشفَقوا عليه

فبعد أن انهى دراسته العليا في الولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي، التحق بديوان رئيس الدولة إبان حكم والده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث عين مديرًا لمكتبه مكلفًا بالقضايا المباشرة التي تصدر له تعليمات خاصة بشأنها.

كان شابًا في مقتبل العمر، إلى درجة أن كثيرين أشفقوا عليه آنذاك من ثقل المسوؤلية. فالشيخ زايد رحمه الله لم يكن رئيسًا تقليديًا في إدارته مسؤوليات الحكم ومتابعه شؤون المواطنين، بل كان متطلبًا في هذا المجال ويهتم بالتفاصيل ويتابعها، لا كمخططات فحسب، بل بجولات ميدانية لم تترك مدينة أو قرية أو جزيرة. وكان - رحمه الله - دؤوبا في متابعة قضايا المواطنين، خاصة في مراحل تأسيس بناء الدولة وتنظيم مؤسساتها، فضلًا عن واجباته ومسؤولياته الخارجية التي كان حريصًا فيها على تطوير مكانة الدولة وترسيخ موقعها، من خلال نشاط مكثف، زائرًا أو مستضيفًا، بصفته رئيسًا للدولة.

كان - رحمه الله - يبدأ يومه مبكرًا بجولات معظمها ميدانية متفقدًا مشروعات قيد البناء والإنشاء، أو عاقدًا لقاءات مفتوحة مع الناس تنتهي في الغالب إلى قرارات يتغير معها شكل الحياة.

ليس موظفًا تقليديًا

لم يكن الشيخ منصور في ذلك الوقت موظفًا تقليديًا، كان أول الحاضرين في مجلس والده اليومي، وآخر مغادريه. كان طوال الوقت الذي يقضيه إلى جانب والده كمن يتلقى دروسًا نظرية، تتعزز بتطبيقات عملية يومية حول إدارة الشأن العام، وأساليب متابعة التنفيذ.

من موقعه رئيسًا لمكتب رئيس الدولة، أصبح الشيخ منصور بن زايد قناة التواصل الحاضرة دائمًا مع كثير من مفاصل العمل العام، حاملًا توجيهات القيادة وشارحًا أولوياتها، وناقلًا من الميدان إلى رأس الهرم السيادي النتائج والمخرجات.

لم تلبث تلك المتابعة الحثيثة لتوجيهات القيادة العليا وتعليماتها أن تحولت، مع كثرة المسؤوليات وتنوعها، إلى عمل مؤسسي كامل من خلال عشرات الدوائر التي أنشأتها الحاجة، أو تشكلت من وحي تعليمات شملت شؤونًا حياتية تهم المواطنيين، أو مصالح تتصل بقضايا المجتمع، أمنًا وخدمات ورفاهية.

ومن خلال ذلك، تأسست وانشئت هيئات ومصالح حكومية متخصصة، كانت تتابع في الميدان كل المشاريع التي كانت تصدر بشأنها توجيهات وتعليمات من القيادة العليا للبلاد، وكان الشيخ منصور - بحكم قربه من القيادة - هو المرشح الدائم لتحمل المسؤولية الأولى في هذه الدوائر، وأصبح بحكم هذا الدور شريكًا في القرارات لأنه كان قادرًا على فهم التعليمات والتوجيهات ونقلها وشرحها ومتابعة تنفيذها، بما يضمن حسن التنفيذ ودقته، وتأمين ما تحتاجه من موارد وامكانيات.
وعلى الرغم من تنوع المسؤوليات التي اسندت إلى الشيخ منصور طوال هذه السنوات وتعددها، فإن التجربة العملية أظهرت قدرته على التعاطي مع تلك المسؤوليات المتنوعة كلها بمثابرة لا تعرف الكلل، ومتابعة لا تعرف الملل، منتهجًا في ذلك أسلوبًا علميًا، ومستعينًا فيه بفرق عمل متخصصة تتمتع بالكفاءة الشخصية والخبرة العملية والتأهيل العلمي.

وتشير التقارير التي تناولت أداء المؤسسات التي رأسها الشيخ منصور طوال الفترة الماضية إلى نجاحات مشهودة، سواء على صعيد فاعلية الأداء، أو حسن إدارة الموارد.

قناة ساخنة

ولم يكن نجاح الشيخ منصور في عمله الإنجاز الوحيد الذي حققه خلال هذه الفترة؛ إذ سرعان ما أصبح نتيجة تراكم خبرته ومعايشته تفاصيل العمل بمثابة ذاكرة لمؤسسة الرئاسة، وقناتها الساخنة لكل مواقع العمل في الدولة.

ويبدو أن هذه المكانة، وتلك النجاحات التي حققها الشيخ منصور، قد أغرت أصحاب القرار، بتوسيع دوره باستمرار، لتشمل أطرافًا أوسع، وقنوات أكثر.

فمع دخوله الحكومة وزيرًا لديوان الرئاسة أولًا، ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء في ما بعد، كُلف بترؤس المجلس الوزاري المصغر الذي يعهد إليه "فلترة" ودراسة المشروعات التنموية، والإقتراحات التي تقدم إلى مجلس الوزراء في الاجتماعات الموسعة التي يرأسها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

ومن خلال المجلس الوزاري، أصبح الشيخ منصور وفرق العمل الوزارية أو المتخصصة التابعة له، على صلة، لا بالتنفيذ فحسب، بل بتقديم البرامج والخطط والمقترحات، وتشخيص وتحليل المشكلات أيضًا.

تطور لافت

هذا الطيف الواسع من المهام رتب بالتدريج مسؤوليات سياسية على الشيخ منصور، لأن المرجعية الأولى لما يكلف به من مهام كانت دائمًا مؤسسة الرئاسة، ممثلة برئيس الدولة أولًا، ومن ثم نائب رئيس الدولة، والمجلس الأعلى للاتحاد الذي يضم حكام الإمارات السبع الاعضاء في الإتحاد.

ولعل من الملائم هنا ذكر تطور لافت في هذا الاتجاه، يتمثل في إلحاق وزارة شؤون المجلس الأعلى للاتحاد بوزارة ديوان الرئاسة من خلال وزير دولة، علمًا أن هذه الوزارة كانت مستقلةً قبل ذلك ضمن التشكيلات الوزارية المتعاقبة.

تلك المسؤوليات السياسية المستجدة التي اسندت للشيخ منصور، بحكم صلته بقمة مؤسسة الرئاسة، وضعته أمام مسؤوليات خارجية أيضًا؛ إذ كان مشاركا في كل النشاطات الخارجية والسياسية الداخلية لرئيس الدولة، وفي الكثير من المسؤوليات الخارجية لنائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

بحسب قراءة بعض المحللين والمراقبين لتطور عمل مؤسسة الرئاسة في دولة الإمارات، خاصة مع تسلم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولاية العهد في عهد الرئيس الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ومن ثم رئاسة الدولة حاليًا، فإن الدور السياسي الذي أخذت تلعبه دولة الإمارات على الصعيدين الإقليمي والخارجي أضاف أعباء جديدة على قيادة البلاد التي أصبحت مسؤولياتها تتعدى النشاطات السياسية المعتادة لدولة صغيرة الحجم مثل دولة الإمارات، بعد أن أخذ العالم ينظر إليها بوصفها لاعبًا مهمًا وأساسيًا، على المسرحين الإقليمي والدولي.

هو الأجدر

من الطبيعي، تبعًا لذلك، أن تزداد الحاجة إلى دعم مؤسسة الرئاسة الإماراتية بطاقة جديدة تكلف بحمل أعباء بعض الملفات الرئاسية المتزايدة. وباستعراض أسماء من هم أجدر بتحمل هذه المسؤولية، لم يكن هناك أفضل من الشيخ منصور على تحمل هذه الأعباء بحكم الخبرة المتراكمة التي اكتسبها من خلال عمله المتواصل مع مؤسسة الرئاسة وزيرًا لدوان الرئاسة ونائبًا لرئيس الحكومة، فضلا عن رئاستة المجلس الوزاري للتنمية الذي جعله على صلة مباشرة ويومية بكافة مفاصل الشأن العام في الدولة.

بهذا المعنى، من يتابعون الساحة الإماراتية ويتفاعلون مع ما تشهده من تطورات، يرون أن تعيين الشيخ منصور نائبًا لرئيس الدولة، هو في جوهره تتويجٌ مستحق لمسيرةٍ طويله، جعلت من المنصب المستحدث نتيجة منطقيه وطبيعة.

ولعل السلاسة التي ارتقى بها الشيخ منصور إلى موقعه الجديد دليل على أن منصبه الجديد ليس تكريمًا له وتقديرًا من قيادة الدولة بكافة مستوياتها وهيئاتها فحسب، إنما هو استجابة طبيعية ومنطقية لدور الرجل، ولنجاحاته المتواصلة في كافة مفاصل العمل العام في الدولة، وتأكيد على ما حققه من إنجازات خلال مسيرة عمله الطويل، التي اكسبته ثقة الناس ومحبتهم.