الخرطوم: تواصل إطلاق النار ودويّ الانفجارات الخميس، عشية عيد الفطر في الخرطوم فيما أكّد قائد الجيش الفريق أول عبد الفتّاح البرهان رفضه "أيّ حديث في السياسة" مع حليفه السابق الذي أصبح عدوّه اللدود قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
وبينما يحاول المجتمع الدولي انتزاع وقف لإطلاق النار من قائدي الجيش وقوات الدعم السريع في نزاعهما على السلطة، حذّر البرهان في حوار عبر الهاتف مع قناة الجزيرة من أنّه "لا خيار إلا الحسم العسكري" اذا لم تَعُد قوات الحسم السريع الي مواقعها التي كانت ترابط فيها في كانون الأول/ديمسبر الماضي.
وشدّد قائد الجيش في الوقت ذاته على رفضه أيّ حديث "مباشر" مع دقلو الملقّب بـ"حميدتي"، ملمّحاً الى أنّ الطموحات الشخصية للأخير بحكم السودان هي الدافع الأساسي لهذا النزاع.
وقال البرهان، الذي سبق أن وصفه دقلو قبل ايام بـ"المجرم"، إنّ "هذه الحرب (تقف وراءها أطماع شخصية لأشخاص محدودين يريدون أن يحكموا الدولة السودانية وان يستولوا على مقدّراتها وإمكانياتها".
وفي الخرطوم التي يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة، تسرع العائلات بالخروج إلى الطرق والفرار هربًا من الغارات الجوية والرشقات النارية والمعارك في الشوارع والتي أودت بحياة أكثر من 270 مدنيا منذ السبت، وتتركز في الخرطوم ودارفور في الغرب.
ويقول أحد النازحين الذين فروا من العاصمة بحثا عن مكان أكثر أمانًا لفرانس برس "إن رائحة الموت والجثث تخيّم على بعض أحياء وسط العاصمة".
وروى فارّ آخر من الخرطوم، نازك عبد الله (38 سنة) لفرانس برس "في الرابعة والنصف صباحا أيقظنا دويّ القصف الجوي. أغلقنا كل الأبواب والنوافذ خشية من الأعيرة الطائشة".
وعلى بُعد عشرات الكيلومترات من العاصمة، تستمرّ الحياة بشكل طبيعي وتفتح المنازل لاستقبال النازحين الذين يصلون في حالة صدمة، بسياراتهم أو مشيا لساعات على الأقدام مع ارتفاع سعر البنزين إلى عشرة دولارات لليتر الواحد في احد أفقر بلدان العالم.
وللوصول إلى مكان آمن، خضع هؤلاء لأسئلة وتفتيش رجال متمركزين على نقاط مراقبة تابعة لقوات الدعم السريع وأخرى تابعة للجيش.
وكان عليهم خصوصا التقدم في مسيرهم وسط جثث على أطراف الطريق ومدرعات وآليات صغيرة متفحمة بعد احتراقها في المعارك بالأسلحة الثقيلة، وتجنب أخطر المناطق التي تتصاعد منها أعمدة الدخان الأسود الكثيفة.
ومنذ تحول النزاع على السلطة الكامن منذ أسابيع بين الفريقين إلى معركة ضارية السبت، يبدو الوضع ملتبسا للسودانيين البالغ عددهم 45 مليون نسمة.
ولا يكف الطرفان عن إطلاق وعود بهدنات لم تتحقّق.
ودوّت الانفجارات مجدّداً الخميس في الخرطوم وفي الأُبيّض على بُعد 350 كيلومتراً جنوب العاصمة.
وسيجتمع من جديد الخميس مسؤولو الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى للدعوة إلى وقف لإطلاق النار بينما يستعدّ المسلمون في جميع أنحاء العالم للاحتفال بعيد الفطر صبيحة الجمعة أو السبت.
وفي الشوارع المليئة بالركام، من المستحيل معرفة من الذي يسيطر فعليا على مؤسسات البلاد.
ويطلق كلّ من الجانبين اعلانات عن انتصارات واتهامات للطرف الآخر. لكن لا أحد يستطيع التحقق ممّا يتم تداوله على الشبكات الاجتماعية.
وذكر أطباء أنّ سلاح الجو الذي يستهدف قواعد ومواقع قوات الدعم السريع المنتشرة في المناطق المأهولة بالخرطوم، لا يتردّد في إلقاء قنابل على مستشفيات أحياناً.
وقالت نقابة أطباء السودان المستقلة إنه خلال خمسة أيام "توقف عن الخدمة سبعون بالمئة من 74 مستشفى في الخرطوم والمناطق المتضررة من القتال"، إمّا لأنها قُصفت أو لنقص الإمدادات الطبية والكوادر أو بسبب سيطرة مقاتلين عليها وطردهم المسعفين والجرحى.
واضطرت معظم المنظمات الإنسانية إلى تعليق مساعداتها وهي أساسية في بلد يعاني فيه أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص من الجوع في الأوقات العادية.
ومنذ السبت في الخرطوم، استنفد عدد كبير من العائلات مؤنها الأخيرة وتتساءل متى ستتمكن شاحنات الإمداد من دخول المدينة.
وقتل ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي في دارفور في بداية القتال. ولم تعد الأمم المتحدة تحصي عمليات "النهب والهجمات" على مخزونها وموظفيها، وهي تدين "العنف الجنسي ضد العاملين في المجال الإنساني".
وبات على سكان الخرطوم اختيار أحد شرّين: إما البقاء في مدينة اختفت منها الكهرباء والمياه الجارية ويمكن في أي لحظة أن تخترق رصاصة طائشة جدارًا أو نافذة، أو الرحيل وسط إطلاق النار وتوقّع أن يتم الاستيلاء على منازلهم وينهب كل ما لم يتمكنوا من حمله.
ويأتي ذلك بينما لم ينس السودانيون المعارك والفظائع التي كلفت الرئيس المستبد السابق عمر البشير الذي أطيح في 2019، مذكرتي توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" و"إبادة جماعية" في دارفور.
وخلال حرب دارفور التي اندلعت في 2003، فوض البشير دقلو سياسة الأرض المحروقة بينما كان البرهان أحد قادة جيشه.
وتضم قوات الدعم السريع التي أنشئت في 2013 آلافا من المقاتلين المعروفين سابقًا باسم الجنجويد ومسلّحين عرباً جنّدهم عمر البشير لخوض تلك الحرب.
ووسط هذه الفوضى العارمة، أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري صباح الخميس أنّ ثلاث طائرات وصلت الأربعاء من السودان وعلى متنها غالبية العسكريين المصريين الذين كانوا في مهمة في السودان.
وأكّد أنه "بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر" تم تأمين "وصول باقي عناصر القوات المسلحة المصرية لمقر السفارة المصرية" في السودان تمهيدا لاعادتهم الى مصر "فور توفر الظروف الأمنية المناسبة".
وشدّد المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري على "صحة وسلامة كافة العناصر المصرية التي وصلت الى أرض الوطن وكذا المتواجدة بمكتب الدفاع بالسفارة المصرية بالخرطوم".
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية إنه تم تسليم العسكريين المصريين "المتواجدين لدى قوات الدعم السريع الى سفارة مصر بالخرطوم بالتنسيق والتعاون مع دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة".
وكان الناطق باسم الجيش السوداني أعلن ليل الأربعاء/الخميس عودة 177 عسكريا مصريا كانوا في السودان الى بلادهم.
وأصدر الجيش السوداني بعد الظهر بيانا صحح فيه كلمة وردت بالخطأ في بيانه السابق. وقال في بيان بعنوان "تصحيح وتوضيح" إنه "ورد في تصريحنا بشأن عودة القوات المصرية سهواً عبارة المحتجزين وهي غير دقيقة، فالذين تم اجلاؤهم" كانوا في مدينة مروي "ولكن لم يتم أسرهم" من قبل قوات الدعم السريع.
التعليقات