الخرطوم: بدأت فرنسا وبريطانيا ودول أخرى الأحد إجلاء رعاياها من السودان، بعد تأكيد الولايات المتحدة إخلاء سفارتها في الخرطوم، في وقت تتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أكثر من أسبوع.

وتسببت المعارك منذ 15 نيسان/أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، بمقتل أكثر من 420 شخصا وإصابة 3700 بجروح، ودفعت عشرات الآلاف الى النزوح من مناطق الاشتباكات نحو ولايات أخرى، أو في اتجاه تشاد ومصر.

وعلى رغم تكرار دعوات التهدئة، وآخرها الأحد من البابا فرنسيس، تتردد في الخرطوم وضواحيها الأحد أصوات إطلاق الرصاص ودوي انفجارات، وفق ما أفاد شهود وكالة فرانس برس.

وتسارع في نهاية الأسبوع إجلاء المواطنين الأجانب وسط مخاوف على مصير السودانيين متى انتهت هذه العمليات.

وأفاد مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس ستقوم الأحد، بإجلاء زهاء 200 شخص من رعاياها ورعايا دول أخرى، جوا من السودان الى جيبوتي.

وقال المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه "أقلعت طائرة أولى من الخرطوم ومن المتوقع أن تصل الى جيبوتي قرابة الساعة 18:00 (16:00 ت غ)"، على أن تقلع طائرة أخرى "عند الساعة 17:30" وعلى متنها أيضا ما يناهز 100 شخص.

وأكد أن العمليات "شديدة التعقيد" وقد تمتد يوما أو يومين إضافيين.

وكانت الخارجية الفرنسية أعلنت في وقت سابق بدء "عملية إجلاء سريع" لبعثتها وفرنسيين وأوروبيين وآخرين من "دول شريكة وحليفة".

كذلك، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك انجاز قواته العسكرية "عملية إجلاء سريعة ومعقدة للدبلوماسيين البريطانيين وعائلاتهم من السودان وسط تصعيد كبير لأعمال العنف وتهديدات لموظفي السفارة".

وبدأت ألمانيا بدورها إجلاء رعاياها.

وأعربت وزارتا الدفاع والخارجية عن أملهما "نقل أكبر عدد ممكن من الرعايا من الخرطوم في ظل هذا الوضع الخطر في السودان. ضمن امكاناتنا، سننقل أيضا رعايا الاتحاد الأوروبي وآخرين معنا".

وبدأت إيطاليا أيضا إجلاء رعاياها ورعايا سويسرا وأعضاء سفارة الكرسي الرسولي في السودان.

وأفادت الخارجية التركية عن قرار "ضمان إعادة مواطنينا الموجودين في مناطق النزاع برا عبر المرور بدولة أخرى"، وآخرين "طلبوا المساعدة".

وأتت هذه العمليات بعد ساعات من تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن، أن القوات الأميركية "نفّذت عملية" لإخراج موظفين حكوميين أميركيين.

وأوضح مسؤول في وزارة الخارجية أن "أكثر من مئة" شخص بينهم دبلوماسيون أجانب أخرجوا بواسطة المروحيات.

لكن لم يتمّ إجلاء المواطنين الأميركيين الآخرين الذين يعدّون بالمئات، ولا عملية إجلاء مقرّرة لذلك "في الوقت الحاضر".

وشارك أكثر من مئة من عناصر القوات الخاصة الأميركية في عملية الإجلاء التي ساهمت فيها ثلاث مروحيات من طراز "إيتش-47 شينوك" CH-47 Chinook توجهت من جيبوتي إلى إثيوبيا فالخرطوم حيث بقيت لأقل من ساعة في المطار.

وكانت الرياض أكدت السبت إجراء أول عملية إجلاء معلنة لمدنيين من السودان، اذ أخرجت أكثر من 150 شخصا من السعوديين ورعايا 12 دولة أخرى بحرا الى جدة، على متن سفن تابعة للبحرية السعودية.

إلى ذلك، أعلنت كندا الأحد أنها علّقت موقتا نشاطها الدبلوماسي، وأن بعثتها تعمل من "مكان آمن خارج البلاد".

وأفادت وزيرتا الدفاع والخارجية أن فريقا للانتشار السريع وصل جيبوتي وينسّق مع "شركاء حكومة كندا" من أجل القيام بعمليات إجلاء محتملة.

وبينما يشكّل إجلاء الدبلوماسيين والرعايا موضوعا ضاغطا للدول الأجنبية، تثير العمليات مخاوف على مصير السودانيين العالقين وسط نيران القتال بين البرهان ودقلو.

ويرى الباحث حميد خلف الله أن "المطالبة بممرات إنسانية آمنة لإجلاء مواطنين أجانب من دون المطالبة في الوقت نفسه بوقف الحرب، أمر رهيب".

ويقول "سيكون للاعبين الدوليين ثقل أقل بعد مغادرة مواطنيهم البلاد"، مضيفا متوجها الى هؤلاء "افعلوا ما تشاؤون للخروج آمنين، لكن لا تتركوا السودانيين من دون حماية".

وأفاد شهود الأحد عن تواصل أصوات المعارك وإطلاق النار في العاصمة وضواحيها، مع تحليق طائرات حربية في أجوائها. وتسبّبت الغارات الجوية والقصف المدفعي حتى الآن بإغلاق "72 في المئة من المستشفيات" في مناطق النزاع، وفق لجنة أطباء السودان.

في الشوارع، يمكن رؤية آثار الاقتتال: أعمدة كهربائية على الأرض، محال تجارية محترقة، ودخان يتصاعد من هنا وهناك.

ومن الفاتيكان، دعا البابا فرنسيس الى حوار لمواجهة الوضع "الخطر"، قائلا خلال قداس الأحد "للأسف فإن الوضع يبقى خطرا في السودان، ولهذا أجدد دعوتي لوقف العنف في أسرع وقت ولاستئناف الحوار".

كذلك، دان بايدن أعمال العنف، قائلا إنها "عبثية ويجب أن تتوقف".

وكان طرفا القتال أعلنا الجمعة وقفا لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام لمناسبة عيد الفطر، ثم تبادلا الاتهامات بخرقه.

وكان دقلو المعروف بحميدتي والبرهان حليفين عندما نفذا انقلابا في العام 2021 أطاحا خلاله بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة معهم، من الحكم. لكن الخلافات والصراع على السلطة ما لبثت أن بدأت بينهما وإن بقيت كامنة في فترة أولى.

وتشكّلت قوات الدعم السريع في إقليم دارفور لمساندة قوات الرئيس السابق عمر البشير آنذاك لقمع المتمردين في الإقليم الواقع في غرب السودان. واتهمت بتجاوزات وبانتهاكات وقمع.

وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي جون باس ليلا إن قوات الدعم التي تسيطر بشكل واضح على مساحة كبيرة من الخرطوم، "تعاونت" في عملية الإجلاء".

وتسيطر قوات الدعم على مطار الخرطوم الذي شهد معارك عنيفة واحترقت فيه طائرات. لكن يصعب التحقّق ممّا حصل فعليا على الأرض ومن يسيطر على ماذا.

ويقول الباحث في "مجموعة الأزمات الدولية" آلان بوزويل "للأسف، كان التركيز والزخم الأساسي لمحاولة وقف إطلاق النار خلال العيد في السودان منصبا على إجلاء الرعايا الأجانب وليس على أعمال الإغاثة الإنسانية أو دبلوماسية السلام".

في الخرطوم التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، يتملّك الرعب المدنيين داخل منازلهم، في ظل انقطاع شبه تام للكهرباء والمياه منذ بدء المعارك. ويتخوّف الجميع من استئناف المعارك بشكل أقوى بعد خروج الأجانب.

ويجازف عدد منهم بالخروج للحصول على مواد غذائية على نحو عاجل أو للفرار من المدينة.

وقال أحد السكان عوض أحمد شريف "جميع الأهالي هنا يعانون من مشكلة المياه".

أضاف "كما انقطعت عنا الكهرباء، وأعيدت قبل ثلاثة أيام. كنا نعيش في العتمة، وهذا غير طبيعي... ليحمنا الله".

كذلك، تحدثت منظمة "نتبلوكس" لرصد الشبكة العنكبوتية، عن "انقطاع شبه تام" في الاتصال بالإنترنت.

وتشهد مناطق أخرى غير الخرطوم معارك أيضا، لا سيما في إقليم دارفور حيث قالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن الوضع "كارثي" في مدينة الفاشر.