ود مدني (السودان): تفترش شول ماييك مع أطفالها الستة أحد جانبي الطريق عند مدخل مدينة ود مدني جنوب العاصمة السودانية منذ أربعة أيام بعد أن فرّت مع أطفالها من الخرطوم، منتظرة الحصول على وقود أو وسيلة نقل للمغادرة الى مكان آمن.

في الماضي، كانت ماييك غادرت وطنها جنوب السودان بسبب الحرب، واستقرّت في الخرطوم. قبل أربعة أيام، استغلّت تراجعا في حدة المعارك لتتوجّه نحو ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، الواقعة على بعد مئتي كيلومتر من الخرطوم. تسعى الى الوصول الى كوستي، أقرب مدينة سودانية من حدود دولتها، لكنها لم تجد بعد باصا يقلّها مع أطفالها.

وتقول ماييك لوكالة فرانس برس بينما تجلس وسط حقائبها على قارعة الطريق شبه الخالي من السيارات والمارة، "نعيش أنا وأطفالي هنا تحت الشمس منذ أربعة أيام.. نريد أي وسيلة نقل تقلّنا إلى كوستي، لكننا لم نجد حتى الآن".

وقدّرت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن 800 ألف لاجئ من جنوب السودان يعيشون في السودان، سيعتمدون على أنفسهم في العودة إلى وطنهم الذي فرّوا منه هرباً من الحرب خلال سنوات ماضية.

وتصطف المئات من حافلات النقل العام والسيارات الخاصة أمام محطات الوقود في مناطق عدة في انتظار تزويد مركباتهم به.

ويقول سائق إحدى مركبات النقل العام عبد الحليم أحمد لفرانس برس "الوقود مقطوع وأسعاره ارتفعت جداً في السوق السوداء".

ويقول عبدالرحمن حسين الذي يجلس محبطا قرب سيارته في صف المنتظرين "أنا هنا منذ 48 ساعة.. أريد فقط أن أصل إلى ولاية سنار حيث تقيم أسرتي".

أما براء عبداللطيف، وهو سائق حافلة، فيؤكد أنه اشترى غالون البنزين بـ25 ألف جنيه من السوق السوداء. قبل الحرب، كان سعره 3000جنيه.

في 15 نيسان/أبريل، اندلع القتال في الخرطوم وعدد من الولايات السودانية بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، ما أدّى حتى الآن إلى مقتل أكثر من 420 شخصًا وإصابة نحو أربعة آلاف بجروح.

هدنة نسبية
على ضوء هدنة نسبية بعد أيام، بدأ سكان الخرطوم من سودانيين وأجانب يفرّون إلى أمكنة أكثر أمنا، كما بدأت دول عربية وأجنبية إجلاء مواطنيها.

وتقول السودانية فوزية عبد الرحيم إن الأهالي في ود مدني فتحوا مدرسة لعشر أسر خرجت من العاصمة.

وتضيف "وصلتُ مع أفراد أسرتي الخمسة وليس لدينا أقارب هنا، لكن أهل الحي فتحوا لنا المدرسة".

ويقول الأمين محمد عباس الذي وجد مع عائلته ملجأ في المدرسة، "على الرغم من أننا نفترش الأرض، لكن ذلك أفضل من لحظات الرعب التي عشناها خمسة أيام قبل وصولنا إلى هنا".

نظام الرعاية الصحية
ووضعت الحرب في الخرطوم نظام الرعاية الصحية تحت ضغط هائل للتعامل مع حصيلة متزايدة للضحايا، وخرجت معظم المنشآت الطبية من الخدمة. ولكن في ود مدني، لا زالت المستشفيات تعمل، وقد لجأ إليها العديد من الفارين.

في مستشفى المدينة الرئيسي، يقول الطبيب في قسم الطوارئ ماهر أحمد لفرانس برس "منذ بداية الأحداث، استقبلنا مصابين، كما استقبل قسم غسيل الكلى عددا من المرضى من الخرطوم".

ويقول السوداني الريح محمد في المستشفى إنه ينتظر أن تجرى له جراحة لإخراج عيار ناري من قدمه، ويضيف "أصيبت قدمي بطلق ناري أمام منزلي في حي أركويت في شرق العاصمة".

رغم كل هذه المعاناة، نقطة إيجابية في بحر المأساة.

فتحت مبنى سكني استأجر معظم شققه وافدون من الخرطوم، تجلس وداد عبد الحكم تبيع الشاي والقهوة. وتقول "زاد دخلنا منذ أول أيام العيد (عيد الفطر)".