القدس: زار وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرّف إيتمار بن غفير الأحد باحة المسجد الأقصى، حسب ما أعلنت الشرطة الإسرائيليّة، في خطوة تُفاقم التوتّر في القدس الشرقيّة المحتلّة وندّد بها الفلسطينيّون والأردن.

وقالت الشرطة في بيان إنّ بن غفير زار الموقع "هذا الصباح (...) ولم تقع حوادث خلال الزيارة". ونشر بن غفير صورة له في الموقع على تطبيق تلغرام قائلاً "القدس روحنا". وأضاف "تهديدات حماس لن تردعنا. ذهبتُ إلى جبل الهيكل!".

والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ويقول اليهود إنّه موقع "جبل الهيكل" ويعتبرونه أقدس الأماكن الدينيّة لديهم.

والمسجد في صلب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وتُسيطر القوّات الإسرائيليّة على مداخل الموقع الذي تتولّى إدارته دائرة الأوقاف الإسلاميّة التابعة للأردن.

ووصفت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزّة خطوة بن غفير بـ"الهمجيّة". وحمّلت الحركة في بيان "الاحتلال المجرم كامل تبعات هذا الاعتداء الهمجي"، داعية إلى "تكثيف الرباط في الأقصى وشدّ الرحال إليه".

ووصف المتحدّث باسم الرئاسة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة المحتلّة هذه الخطوة بأنها "اعتداء سافر على المسجد الأقصى له تداعيات خطيرة".

وقال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة إنّ "محاولات بن غفير وأمثاله من المتطرّفين لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى مُدانة ومرفوضة وستبوء بالفشل".

"القدس موحدة"
وفي وقت لاحق الأحد، عقد مجلس الوزراء المصغّر بزعامة بنيامين نتانياهو اجتماعه الأسبوعي في أحد الأنفاق التي تحفرها إسرائيل أسفل الحائط الغربي أو حائط "البراق" عند المسلمين.

وعبر حسابه على فيسبوك، نشر نتانياهو صورة من الاجتماع أرفقها بتعليق "القدس لنا، موحّدة إلى الأبد".

احتلّت إسرائيل القدس الشرقيّة، وهي جزء من الضفة الغربيّة، عام 1967، وضمّتها لاحقا في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

لكنّ نتانياهو رأى في بيان وزّعه مكتبه أنّ الجهود لتوحيد المدينة "لم تنته، اضطررت وأصدقائي مراراً وتكراراً إلى صدّ الضغوط الدوليّة التي مارسها أولئك الذي سيقسّمون القدس مرّة أخرى".

وأذ أشار إلى أنّ بعض القادة الإسرائيليين كان "على استعداد للرضوخ للضغوط"، أضاف "نحن تصرّفنا بشكل مختلف".

وأكّد "قمنا ببناء" القدس الشرقيّة و"توسيعها"، مشيرا إلى عدد من التجمّعات الاستيطانيّة التي تُعتبر غير قانونيّة بموجب القانون الدولي.

خلال الاجتماع، أقرّ المجلس زيادةً بقيمة 60 مليون شيكل (حوالى 166 ألف دولار أميركي) "لتحديث البنية التحتيّة وتشجيع الزيارات إلى ساحة الحائط الغربي".

إدانة واستنكار
من جانبه، دان الأردن "إقدام وزير الأمن القومي الإسرائيلي على اقتحام المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف صباح اليوم وتحت حراسة وحماية قوّات الاحتلال الإسرائيلي".

ووصفت دائرة الأوقاف الإسلاميّة في القدس التابعة للأردن تصرّف الوزير المتطرّف بأنّه "سافر".

وعلّقت دائرة الأوقاف على اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر، معتبرةً الخطوة "رسالة تصعيديّة واضحة وممنهجة ضدّ تاريخ وتراث المدينة العربي الإسلامي الأصيل".

تعترف إسرائيل التي وقّعت معاهدة سلام مع الأردن عام 1994، بإشراف المملكة ووصايتها على المقدّسات الإسلاميّة في القدس التي كانت كسائر مدن الضفّة الغربيّة تخضع للسيادة الأردنيّة قبل أن تحتلّها الدولة العبريّة عام 1967.

واعتبرت وزارة الخارجيّة الأردنيّة في بيان أنّ ما قام به بن غفير ما هو إلا "خطوة استفزازيّة مدانة وتصعيد خطير ومرفوض ويمثّل خرقا فاضحا ومرفوضا للقانون الدولي".

وطالبت بـ"الكفّ الفوري عن جميع الممارسات والانتهاكات بحقّ المسجد (...) ووقف جميع الإجراءات التي تستهدف تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم وفرض التقسيم الزماني والمكاني".

وعبّرت الولايات المتحدة الأحد عن "قلقها من الزيارة الاستفزازيّة" التي أجراها بن غفير لباحة المسجد الأقصى.

وقال المتحدّث باسم الخارجيّة الأميركيّة ماثيو ميلر في بيان "هذا المكان المقدّس يجب ألّا يُستخدم لأغراض سياسيّة، وندعو جميع الأطراف إلى احترام قدسيّته".

أمّا السعوديّة فأعربت عن "إدانتها واستنكارها" للخطوة، ووصفتها بأنّها "تَعدٍّ صارخ على كلّ الأعراف والمواثيق الدوليّة واستفزاز لمشاعر المسلمين"، محمّلة "قوات الاحتلال الإسرائيلي" المسؤوليّة.

من جهتها، جدّدت الإمارات تأكيد موقفها "بضرورة توفير الحماية الكاملة للمسجد الأقصى ووقف الانتهاكات الخطيرة والاستفزازيّة فيه".

كذلك، أكّدت الكويت "رفضها المطلق" لزيارة الوزير اليميني، داعية إلى "ضرورة تحرّك المجتمع الدولي الفوري وتحمّل مسؤوليّاته لوقف هذه الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة واحترام حرمة الأماكن المقدسة".

من جانبها، دانت منظّمة التعاون الإسلامي "بشدّة اقتحام الوزير المتطرّف". واعتبرت أنّ الخطوة ترمي إلى "تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى".

زيارة غير المسلمين
وتؤكّد الدولة العبريّة أنها لا تريد تغيير الوضع القائم منذ حرب 1967. وتسمح بوصول غير المسلمين إلى باحاته وفق مواعيد محدّدة ودون إمكانية الصلاة فيه.

إلا أن مجموعات من القوميين المتطرفين اليهود تنتهك هذه القواعد عبر الصلاة خلسة في المكان بعد دخوله كزوار عاديين.

ويتسبب ذلك بتوتر متكرر مع المصلّين المسلمين الذين يعتبرون الزيارات هذه "اقتحامات" ويخشون محاولة إسرائيل تغيير قواعد الدخول إلى الموقع.

وتذكّر خطوة بن غفير بزيارة أجراها زعيم المعارضة الإسرائيلية أرييل شارون في عام 2000، اندلعت على أثرها الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي استمرت حتى عام 2005.

زيارة سابقة
وكان بن غفير زار الأقصى في كانون الثاني/يناير الماضي ما أثار تنديداً عربياً وإسلامياً.

وفي شبابه وُجّه الاتّهام لبن غفير أكثر من خمسين مرّة بالحضّ على العنف أو باعتماد خطاب الكراهية. وأدين عام 2007 بدعم جماعة إرهابية والتحريض على العنصرية.

وكان بن غفير من بين عشرات آلاف الإسرائيليين الذين شاركوا في القدس بما يعرف بـ "مسيرة الأعلام" القومية التي تنظم سنوياً لإحياء ذكرى احتلال الدولة العبرية الشطر الشرقي من المدينة عام 1967.

ويأتي ذلك بعد أيّام على توصّل إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزّة إلى هدنة في 13 أيّار/مايو، بعد خمسة أيام من تبادل إطلاق النار على طرفي الحدود، ما أسفر عن مقتل 33 فلسطينياً وشخصين في الجانب الإسرائيلي.