الخرطوم: اتهم قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان مبعوث الأمم المتحدة الخاص فولكر بيرتيس بالمساهمة بسبب سلوكه "المنحاز" وأسلوبه "المضلل" بالوصول الى النزاع الدامي الذي اندلع في منتصف نيسان/أبريل في البلاد، في ما يبدو حلقة من سلسلة تحركات تهدف إلى تعزيز موقعه في الحرب الدائرة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنه "صُدم" برسالة من برهان طلب فيها "ترشيح بديل" لبيرتيس واتهمه بارتكاب "تزوير وتضليل" أثناء قيادته عملية سياسية تحولت حربا مدمرة.
في 15 نيسان/أبريل، اليوم الذي بدأ فيه القتال في الخرطوم، كان من المفترض أن يلتقي البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو لإجراء مفاوضات بتسهيل من الأمم المتحدة.
وكان الهدف التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة السياسية التي يشهدها السودان منذ 2021، عندما استولى البرهان ودقلو معا على السلطة في انقلاب على شركاء الحكم المدنيين.
مع تفاقم الخلاف بينهما، ناشد المجتمع الدولي الجنرالين المتعنّتين التوصل إلى اتفاق بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
وكان فولكر بيرتيس عبّر مرارا عن "تفاؤله" بالوصول الى اتفاق. وقال إنه "فوجئ" بالحرب التي أسفرت منذ بدئها عن مقتل حوالى 1800 شخص ونزوح أكثر من مليون سوداني.
لكن البرهان قال، بحسب نص الرسالة التي نشرت اليوم في الخرطوم، إن المبعوث الدولي الخاص مارس في تقاريره "تضليلا وتدليسا بزعم الإجماع على الاتفاق الإطاري".
وأضاف أنه "أصرّ على فرضه (الاتفاق) بوسائل وأساليب غير أمنية رغم ما اعترى هذا الاتفاق من ضعف وثغرات"، فأفضى ذلك الى "ما حدث من تمرّد ومواجهات عسكرية".
واعتبر أن دقلو ما كان أقدم على ما اقدم عليه "لولا تلقيه إشارات ضمان وتشجيع من أطراف أخرى" بينها المبعوث الدولي.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة إنه "صُدم بالرسالة"، مضيفا أنه "فخور بالعمل الذي قام به فولكر بيرتيس ويؤكد ثقته الكاملة بممثله الخاص"، وفق ما جاء في بيان للمتحدث باسمه ستيفان دوجاريك.
ويشهد السودان اليوم الخامس من وقف إطلاق نار لأسبوع جرى الاتفاق عليه بوساطة الولايات المتحدة والسعودية، لكن طرفي النزاع تبادلا الاتهام مرارا بانتهاكه.
أقال البرهان الأسبوع الماضي رسميًا دقلو من منصب نائب رئيس المجلس السيادي الحاكم، وعين مكانه مالك عقار الذي يتزعم الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال المتمردة سابقا.
بعد ورود تقارير عن رسالة البرهان، قال نائبه الجديد عقار في بيان السبت إنه تحدث إلى بيرتيس حول "كيفية العمل على حل الأزمة وإنهاء الاقتتال".
ويسعى الجيش حاليا إلى تعزيز صفوفه، فقد دعت وزارة الدفاع الجمعة "المتقاعدين من الجيش" و"كل القادرين على حمل السلاح" للتوجه إلى وحدات القيادة "لتسليحهم تأمينا لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم".
لكنها تراجعت لاحقا وأصدرت بيانا حصرت فيه الدعوة بجنود الاحتياط والمتقاعدين من الجيش.
ووصفت قوات الدعم السريع الدعوة بأنها "قرار خطير" واتهمت الجيش بشن مزيد من الضربات الجوية في انتهاك للهدنة.
أسفر القتال في أنحاء السودان عن مقتل أكثر من 1800 شخص، وفق موقع النزاعات المسلحة ووقائعها (أيه سي إل إي دي).
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من مليون شخص نزحوا داخل السودان، بالإضافة إلى 300 ألف لجأوا إلى دول الجوار.
كان بيرتيس وبعثة الأمم المتحدة في السودان هدفا لاحتجاجات آلاف من مؤيدي العسكريين والإسلاميين الذين اتهموا المبعوث مرارا بـ"التدخل" وطالبوا بإقالته.
واندلعت احتجاجات مماثلة في مدينة بورتسودان بشرق البلاد منذ بدء الحرب في 15 نيسان/أبريل.
بيرتيس موجود حاليا في نيويورك حيث أطلع مجلس الأمن الدولي على الوضع في السودان في وقت سابق هذا الأسبوع، قائلا لمن "يتهمون الأمم المتحدة" إن المسؤولين عن النزاع هما "الجنرالان المتحاربان".
لم تصدر السلطات السودانية تأشيرات للأجانب منذ بدء الحرب، و"قد لا يُسمح لبيرتيس بالعودة إلى السودان، وهو أمر كان يعرفه بالتأكيد عندما غادر"، وفق المحللة السودانية خلود خير من مركز "كونفلوانس أدفايزوري" الذي يتخذ مقرا في الخرطوم.
وأضافت المحللة عبر تويتر "سيكون إصدار تأشيرته بمثابة اختبار حقيقي لقياس عودة الإسلاميين".
لطالما اتهمت الأصوات المؤيدة للديموقراطية عبد الفتاح البرهان بأنه "حصان طروادة" للإسلاميين الذين حكموا السودان خلال عهد الرئيس عمر البشير الذي أطيح من السلطة عام 2019 اثر احتجاجات حاشدة.
خلال ستة أسابيع من القتال، صار داعمو البرهان أكثر وضوحًا ومن بينهم "شبكة من الشركات القائمة على المحسوبية، من بنوك وشركات اتصالات مملوكة لإسلاميين وضباط استخبارات، فضلا عن شركات مملوكة للجيش نفسه"، وفق الخبير في الشأن السوداني أليكس دي وال.
وسلّط محمد حمدان دقلو الضوء على هذه المسألة، واصفًا البرهان بأنه "إسلامي" و"انقلابي" عازم على إحياء "بقايا النظام القديم"، على عكس قوات الدعم السريع التي قال إنها تقاتل من أجل دعم "الديموقراطية".
التعليقات