ينبغي لكل من يقرأ مقال مايكل نايتس الذي جاء بعنوان "العراق ينهار بهدوء" في فورين افيرز الأميركية ان يقرا أيضا بين سطوره حتى يعرف انه مقال يحوي باطلا يراد به باطل.

فقد استهل الكاتب مقاله قائلا ان العراق قد حقق قدرا من الاستقرار على السطح فقط وذهب يشرح في ان سيطرة الحشد الشعبي والاطار التنسيقي المشكل للحكومة الحالية، على مفاصل الدولة ستؤدي الى انهيارها.

عراقٌ جاذب للاستثمارات
لكنه نسى او بالتأكيد تناسى ان هذه الحكومة الحالية ذهبت الى ابعد مما كان متوقعا منها في ستة اشهر فقط، وان إنجازاتها تخطت البيانات الحكومية وباتت واقعا ملموسا على الأرض يشعر به العراقيون وتراه شعوب منطقة الشرق الأوسط وقادتها الذي باتوا يستثمرون بمليارات الدولارات في عراق ينعم بالامن والاستقرار.

ولن نستطيع في هذه السطور القليلة الاسهاب في كل إنجازات هذه الحكومة التي جاءت في ظروف هي الأصعب لكنها استطاعت الإبحار بالعراق نحو نحو بر التنمية الاقتصادية بفضل رؤية ربانها محمد شياع السوداني.

فالاتفاق السعودي الإيراني جاء بجهود عراقية وفق رؤية واضحة من بغداد بأهميته للاستقرار والتنمية وليس ادل على ذلك مما تبعه من اجتماع ضم السعوديين والإيرانيين على طاولة رأسها السوداني لمناقشة طريق التنمية الذي يطمح العراق في ان يكون نواة ابتعاده عن الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل.

وكيف يمكن لدولة "تنهار بهدوء" ان تجتذب استثمارات سعودية اخرها الاعلان عن جادة بغداد اكبر سوق تجاري بتكلفة مليار دولار يشارك فيها السعوديون.

وقبلها الإعلان عن مشاركة شركة قطر للطاقة بخمسة وعشرين في المائة في مشروع شركة توتال انيرجيز الفرنسية الذي تصل قيمته الى 27 مليار دولار. ولمن لا يعرف فهذه الشركات الكبرى لديها متخصصون لدراسة المخاطر والفوائد المتوقعة من كل مشروع وبالتالي لا يمكن ان يستثمروا كل هذه الأموال في عراق "ينهار بهدوء".

سياسة إقليمية ودولية ناجحة
اغلب الظن ان كاتب المقال ليس راضيا عن انخراط العراق المتزايد في محيطه العربي ولا عن المشهد في الشرق الأوسط ككل، ولذلك عمد في مقاله الى تشويه صورة تسر الناظرين لتفاهم غير مسبوق بين العراق ومحيطه الإقليمي بل والدولي بدأ يؤتي ثماره ويتخلص تدريجيا من سيطرة أمريكية على السياسة والاقتصاد منذ الغزو الأميركي له.

فاعلان العراق عن التزامه بخفض انتاج النفط الذي اقرته منظمة أوبك بالتأكيد يزعج عددا من صناع القرار في الولايات المتحدة من الذين بح صوتهم للمطالبة بزيادة الإنتاج حتى يتأذى الاقتصاد الروسي، ولكن تلك قصة أخرى.

وبالنظر الى منح الجولة الخامسة من تطوير عقود النفط والغاز الحدودية الى شركات صينية واماراتية لم نر مقالا على صحيفة صينية او إماراتية تقول ان العراق ينهار لا بهدوء ولا بضوضاء وانما نر تقاربا وترحيبا، وعرضا صينيا وآخر مجريا بالمساهمة والاستثمار في طريق التنمية من فرط القناعة باستقرار بلاد الرافدين.

وبشأن الميزانية العراقية فحدث ولا حرج عن ضحالة التحليل من جانب مجلة يفترض أنها ذائعة الصيت في التحليل السياسي. فقد ذكر الكاتب انه اذا انخفضت أسعار النفط خلال السنوات الثلاث المقبلة فسوف تنهار الميزانية العراقية وتختفي احتياطات البنك المركزي البالغة ١١٥ مليار دولار. وما فعلته الصحيفة لا يعدو كونه تخويفا لا سند له اذ ان سياسة أوبك الحالية تنتهج خفض الإنتاج لا زيادته بما يحافظ على مصالح الدول الأعضاء ومن بينها العراق فمن اين سياتي هذا الانخفاض المفاجئ في الأسعار. واذا افترضنا ان سعر البرميل سيتوقف عن الارتفاع فقد حددته الحكومة عند ٧٠ دولارا وهو الان يفوق ٧٥ دولارا. وفي حال انخفض بما يقل عن ٧٠ دولارا فان احتياطات العراق القياسية قادرة على سد عجز الموازنة التي عمل على صياغتها متخصصون اقتصاديون وسياسيون يعلمون ان أسعار النفط مرشحة للزيادة لا للنقصان خلال السنوات الثلاث المقبلة.


جملة لا محل لها من الإعراب
وفي حين استشهد الكاتب بتصريحات السفيرة باربرا ليف مسؤولة وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط التي قالت فيها إن الحيوية الاقتصادية للعراق تتجلى للمرة الأولى في العراق، ذكر الكاتب هذه التصريحات دون وضعها في أي سياق يخدم فكرته الرئيسية ما يزيد من سطحية مقال تنشره مجله في حجم فورين افيرز.

فهذه التصريحات لم تدل بها المسؤولة الامريكية لقناة او وسيلة اعلام عراقية ولكنها شهادة رسمية امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي لا تعقيب عليها سوى ان العراق "تتجلى فيه الحيوية الاقتصادية للمرة الأولى".

وبشهادة الكاتب انخفض العنف الإرهابي الى ادنى مستوى له منذ عشرين عاما ذاق خلالها العراقيون مر الإرهاب وويلات الاقتتال الطائفي.

وهذا الاستقرار الأمني، لا يمكن انكار دور الحشد الشعبي فيه اذ كان له فضل كبير في هزيمة تنظيم داعش الإرهابي واستعادة المدن التي سيطر عليها، وبالرغم من ذلك اعتمدت حكومة السوداني في ميزانيتها الجديدة أموالا كافية لبناء قواعد للقوات الأمنية خارج المدن العراقية.

وفيما يتعلق بشركة المهندس، لم نر اسم هذه الشركة على عقود النفط العملاقة ولم يرد اسمها في الوثائق التي قدمها العراق لشركاء طريق التنمية ولا في الاتفاقيات الموقعة مع ايران بشان استيراد الغاز، ما يعني ان هيمنتها على الاقتصاد العراقي هو من وحي خيال الكاتب (او بالأحرى من قبيل الابتزاز السياسي) ولا أساس اقتصادي له من واقع الاهتمام الإقليمي والدولي للاستثمار في العراق خلال المرحلة الحالية.

واذا كانت هذه الشركة غطاء لمليشيات اطلقت طائرات بدون طيار على السعودية والامارات منذ 2019 فلماذا اذا وافقت هذه الدول على استثمارات بمليارات الدولارات في العراق ولماذ قال ولي العهد السعودي للسوداني "انا ووزرائي مستشارين لديك ومستعدون للاستثمار حتى ١٠٠ مليار دولار في العراق"!

مقال فورين افيرز يعتمد على رؤية كاتب او حتى مجلة ترغب في مزيد من الاهتمام من الإدارة الامريكية ولكنه يغض الطرف عن إنجازات تحققت بالفعل وشهادة من الإدارة الامريكية نفسها وهو ببساطة محاولة للتشكيك في العمل الدؤوب الذي انتهجته حكومة السوداني منذ يومها الأول وبدأ يؤتي ثماره سريعا دون محاباة لأحد على حساب ارتقاء العراق.