يعدّ ألان فينكيلكروات المولود عام 1949 من أبرز الوجوه الثقافية في فرنسا.
وهو من أصول يهودية بولونية. وهو لا ينتمي إلى أي حزب يميني، إلاّ أنه يطرح منذ سنوات عديدة أفكارًا وأطروحات اشتهر بها اليمين الفرنسي التقليدي المحافظ خصوصا في ما يتصل بموضوع الهجرة. لذلك تصفه مجلة "لوفيغارو" المعبرة عن هذا اليمين بـ"المفكر الحر".

وفي كتاب صدر له عن دار "ستوك" في أواسط شهر تشرين الأول\ اكتوبر 2015 تحت عنوان "الاستقامة الوحيدة"، يُعلِن أن فرنسا "تعيش تحولًا تاريخيًا جديدا".
وفي هذا التحول لا يعني فقط أن الحاضر يكرر الماضي بل ويمهِّد أيضا لاستكشاف ما يخفيه المستقبل.

وفي كتابه المذكور الذي تكثر فيه الاستشهادات من أعمال كل من هايدغر، وليفيناس، وشارل بيغوي، يقوم باستعراض أهم الأحداث السياسية والإجتماعية التي عاشتها فرنسا على مدى 2014،2013. وهو يكتب قائلا: "الانترنت، آخر ثوراتنا التكنولوجية، رفعت الحاجز. والأحداث لم تعد صلبة وجامدة بل متحركة. ونحن باستطاعتنا ان نشكّلها بحسب الإيديولوجيات مانحين اضافة لهذه العملية الفاضحة للتحقيق المضاد".

ويرى ألان فينكيلكراوت أن الفكر الفرنسي يعاني راهنًا ما كان يسميه الفيلسوف رايمون آرون بـ"الكسل الفكري". وهو كسل يحول دون النفاذ الى جوهر الواقع ويبقي الفكر على السطح يشطح شطحات المذبوح العاجز عن أن يكون فاعلاً ومفيدًا وناصحًا ومضيئًا طريق الذين يتطلعون الى الخروج من العتمة.

وعن ذلك يكتب قائلاً: "هذا الكسل يسمى راهنا "الذاكرة". لكن لا بدّ من توضيح ما أقول: "أنا لا أناضل ضدّ واجب الذاكرة دفاعًا عن الحقّ في النسيان. حضارة أوروبا ضربت حدّ الموت من طرف أسلحة شعوبها الاكثر تحضّرا، ونحن لم نخرج بعد من هذه المأساة" كما يقول فرانسوا فوريي. غير أن التاريخ لا يرحم، ولا يمنحنا فرصة تدارك ما نحن فقدناه، وما أضعناه. ولدينا شياطين، وهذه حقيقة. كما لدينا أيضا أعداء. وقد قررنا عند خروجنا من الحرب الكونية الثانية أن لا يكون لنا أعداء. وإذا ما نحن اهتممنا بشياطيننا على حساب الانتباه الذي علينا أن نبديه نحو أعدائنا فإننا نكون قد حكمنا على أنفسنا بالموت. إن زمننا لا يشبه زمنا آخر. وهذا ما يتوجّب القبول به.
ولكن من هو هذا العدو الذي لا بد من مواجهته قبل فوات الأوان؟

عن هذا السؤال يجيب الان فينكيلكراوت قائلاً :"علينا أن نتذكر قول جوليان فرويند: "ليس نحن من يحدد العدو. العدو هو الذي يحددنا". والحال أن هذا العدو يُعلِن عن نفسه جهارًا، في حين نكتفي نحن بالقيام بتظاهرات للتعبير عن صداقتنا له، واحترامنا له. وقد أعلن الأصوليون الإسلاميون المتطرفون الحرب على من يسمونهم بـ"الصليبيين". لذا علينا أن ندرك فداحة الخطر المتربّص بنا. ولربما يعني هذا أن التنوع الثقافي الذي نعيشه في الوقت الراهن لا يعدو أن يكون وهمًا. فنحن نتطلع من خلال التنوع الى المحبّة البريئة. غير أن ما نعيشه يشير الى أننا نتجه إلى وضع سيكون أكثر عسرًا، وستكون فيه المواجهة عنيفة وحادة.

ويرى ألان فينكيلكراوت أن الجانب الذي يجب الإنتباه اليه هو أن جلّ المهاجرين القادمين من البلدان الإسلامية يرفضون الاندماج في الحياة الأوروبية. وجميعهم يشتركون في هذا الرفض بمن في ذلك أولئك الذين ينتمون الى الجيل الثالث والرابع. والعديد من هؤلاء الذين يتمتعون بجنسيات اوروبية التحقوا خلال السنوات الاخيرة بتنظيمات أصولية راديكالية مثل"داعش"، و"جبهة النصرة"، وغيرها من التنظيمات التي تنشر الموت والخراب في كل من سوريا والعراق وليبيا. وكل هذا يُشكِّل ادلّة قاطعة على أن ما يسميه علماء الاجتماع بـ"الاندماج" مستحيل التحقق.