لامبيدوسا (إيطاليا): تراجع تدفق المهاجرين إلى لامبيدوسا الجمعة فيما تنقل السلطات الإيطالية آلاف الأشخاص إلى صقلية ومناطق أخرى قارية بعدما وصلوا هذا الأسبوع عن طريق البحر إلى الجزيرة المتوسطية القريبة من سواحل شمال أفريقيا.
وشدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة على "واجب التضامن الأوروبي" مع إيطاليا، بعد أيام من تعليق ألمانيا استقبالها الطوعي لطالبي اللجوء المنقولين من إيطاليا إليها، مبررة قرارها بـ"ضغط الهجرة الكبير الحالي الى ألمانيا" ورفض روما الالتزام بالاتفاقيات الأوروبية في هذا الصدد.
وأكّد ناطق باسم الحكومة الألمانية الجمعة أن عمليات نقل طالبي اللجوء المنصوص عليها في "آلية التضامن الأوروبي الطوعية" يمكن أن تستأنف "في أي وقت إذا وفت ايطاليا بالتزامها إعادة اللاجئين وفقًا لتسوية دبلن".
وأشار الناطق إلى أن برلين اتخذت هذا القرار بهدف "إرسال إشارة" إلى روما.
وتنظّم هذه الآلية نقل طالبي اللجوء من بلد الوصول في الاتحاد الأوروبي إلى دول أعضاء أخرى لتخفيف العبء عن دول مثل إيطاليا أو اليونان تعد منافذ المهاجرين إلى أوروبا.
وتقع جزيرة لامبيدوسا على بعد أقل من 150 كيلومترا من الساحل التونسي، وهي إحدى المحطات الأولى للمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط أملًا في الوصول إلى أوروبا.
8512 شخصًا بين الاثنين والأربعاء
خلال فصل الصيف من كلّ عام، يعبر عشرات الآلاف من المهاجرين البحر على متن قوارب تكون متهالكة في كثير من الأحيان في عمليات محفوفة بالمخاطر وقضى فيها أكثر من ألفَي شخص منذ كانون الثاني/يناير.
غير أن لامبيدوسا لم تشهد ضغطًا بهذا القدر من ذي قبل، مع وصول معظم المهاجرين إلى إيطاليا منذ الاثنين، والبالغ عددهم 11 ألفًا، إليها، وفق وزارة الداخلية. وجعل ذلك مركز الاستقبال الذي يديره الصليب الأحمر الإيطالي والذي يتّسع لـ400 شخص، عاجزًا عن استضافة المزيد.
وقال الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيديريكو فوسي لوكالة فرانس برس إن 8512 شخصًا وصلوا إلى الجزيرة بين الاثنين والأربعاء، أي ما يتجاوز عدد السكان المحليين.
في غضون ذلك، استمرّت عمليات وصول مهاجرين إلى الجزيرة، بمفردهم أو مع خفر السواحل، حسبما أفاد مصور وكالة فرانس برس.
وأكدت رئيسة قسم الهجرة في الصليب الأحمر الإيطالي فرانشيسكا باسيلي صباح الجمعة أن "المهاجرين مستمرون في الوصول، لكننا قادرون على إدارة ذلك".
ونظرًا لضيق المساحة في مركز الاستقبال، اضطر مئات الأشخاص، بمن فيهم أطفال، إلى المبيت في الشارع، مستفيدين أحيانًا من كرم السكان الذين يقدمون لهم الماء والغذاء.
وقال الشاب الغامبي عمر، وهو يجلس في الظلّ أثناء انتظاره حافلة، "الأمر ليس سهلاً هنا".
واضاف متنهّدا "عددنا كبير هنا (...) حتى الطعام أصبح مشكلة"، مشيرًا إلى أنه يريد الانضمام إلى شقيقه في هولندا بعد ستة أشهر من رحلة محفوفة بالمخاطر عبر منطقة الساحل.
ووصل ما يزيد عن 127 ألف مهاجر إلى الشواطئ الإيطالية منذ بداية العام، مقارنة بـ65500 خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
لكن الأرقام لم تتجاوز بعد الأرقام المُسجّلة في العام 2016 عندما وصل إلى إيطاليا أكثر من 181 ألف شخص كثير منهم سوريون فرّوا من الحرب.
مخاوف في أوروبا
أثارت موجات الهجرة الأخيرة ردود فعل سياسية عديدة، سواء في إيطاليا أو في الدول المجاورة.
وقال ماكرون الجمعة إن الوضع في لامبيدوسا يُظهر أن "المقاربات القومية البحت لها حدودها"، متمنيًا عدم "ترك إيطاليا وحيدة مع ما تعيشه اليوم"، بدون أن يوضح ما إذا كانت فرنسا ستستقبل مهاجرين من لامبيدوسا.
وتوترت العلاقات بين روما وباريس في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 بعدما رفضت إيطاليا استقبال السفينة الإنسانية "أوشن فايكينغ" و230 مهاجراً على متنها، ما دفع فرنسا إلى السماح لها بالرسوّ في موانئها مندّدة بالوقت نفسه بسلوك روما "غير المقبول".
وتنتقد رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، التي ترأس حزب "فراتيلي ديتاليا" ذا التوجه الفاشي، الدول الأوروبية الأخرى لعدم قيامها بدورها في استقبال مهاجرين فيما ايطاليا على خطّ المواجهة الأمامي.
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني الجمعة "تحرّك إيطاليا وحدها لا يكفي".
وتحدّث وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوس الجمعة مع نظيره الفرنسي جيرالد دارمانان، واتفقا على ضرورة "التعزيز السريع للتعاون العملي قبل كل شيء" مع الدول التي ينطلق منها المهاجرون بهدف "منع" عمليات العبور الجديدة.
وأشارت وزارة الداخلية الفرنسية إلى أن دارمانان دعا إلى اجتماع داخلي بعد ظهر الجمعة حول "وضع الهجرة في إيطاليا"، على أن يتحدث في وقت لاحق مع نظيره الألماني.
انتقادات
وفي تموز/يوليو، وقع الاتحاد الأوروبي بحضور رئيسة الوزراء الإيطالية مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة استراتيجية شاملة" مع تونس بهدف تقليص عدد المهاجرين الوافدين من هذا البلد، مقابل مساعدات بمئات ملايين اليورو.
لكنّ الاتّفاق أثار انتقادات بسبب طريقة تعامل السلطات التونسية في الآونة الأخيرة مع المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
واعتبر النائب من حزب الرابطة المعادي للهجرة أندريا كريبا أن "حكومة تونس أعلنت بوضوح الحرب على إيطاليا" بموجب هذا الاتفاق، من خلال السماح لعدد كبير من القوارب بالمغادرة في وقت قصير.
وحثت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دول الاتحاد الأوروبي في بيان الجمعة على التحلّي بـ"روح تقاسم المسؤولية والتضامن مع الدول التي يصل إليها المهاجرون أولًّا".
التعليقات