يواجه فولوديمير زيلينسكي ضغوطًا من داخل أوكرانيا ومن خارجها لإنهاء الحرب. يأتي الضغط المتزايد من الداخل من القيادة السياسية والعسكرية، فيما تأتي الضغوط الخارجية من شركاء أوكرانيا الرئيسيين.

إيلاف من لندن: قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لشبكة "إن بي سي نيوز" أخيرًا إنه لا يعتقد أن الحرب الروسية - الأوكرانية وصلت إلى طريق مسدود. أضاف: "ظنوا أنهم سيهزموننا، لكن هذا لم يحدث". ووفقاً للمقابلات الأخيرة، فإن قيادته العسكرية لا توافق على ذلك، وتعتقد دائرته السياسية الداخلية أن إصراره على النصر وهم لا أكثر.

يواجه زيلينسكي ضغوطًا من داخل أوكرانيا ومن خارجها، ويأتي الضغط المتزايد من الداخل من القيادة السياسية والعسكرية على حد سواء، فيما تأتي الضغوط الخارجية من شركاء أوكرانيا الرئيسيين. وتدور المعركة في وسائل الإعلام الغربية. تشير مجلة "تايم" إلى أن بعض مستشاريه يشعرون بالقلق إزاء "إيمانه بانتصار أوكرانيا النهائي على روسيا". وقال أحد أقرب مساعديه إنه يخدع نفسه، مضيفًا: "نفدت خياراتنا. نحن لا نفوز. لكن، حاول أن تخبره بذلك".

يقول بعض مساعدي زيلينسكي إن تعنته يعيق قدرة أوكرانيا على التكيف مع الواقع المتغير في ساحة المعركة ويشعرون بالقلق من أن التفاوض على تسوية مع روسيا يظل "من المحرمات". وتأتي الانتقادات المحلية أيضًا من أعلى المستويات في الجيش. وبحسب ما ورد، زيلينسكي في صراع مع جنرالاته حول إدارة الهجوم المضاد ومطالبته بالدفاع عن باخموت وأفديفكا بأي ثمن، ما تعتبره القيادة العسكرية خطأً استراتيجياً يضر بأوكرانيا بشدة ويكبدها خسائر فادحة. وقال ضابط أوكراني كبير إن الأوامر الصادرة عن مكتب الرئيس تكون في بعض الأحيان منفصلة عن واقع المعركة، مدافعًا عن بعض قادة الخطوط الأمامية الذين بدأوا في رفض "الأوامر من الأعلى".

صراع داخلي

اشتد صراع زيلينسكي مع جنرالاته في 3 نوفمبر الجاري، عندما أقال الرئيس الجنرال فيكتور خورينكو، قائد قوات العمليات الخاصة الأوكرانية. ولم يطلب القائد العام للجيش الأوكراني الجنرال فاليري زالوزني إقالته. وذكرت "نيويورك تايمز" أنه لم يكن واضحًا إذا كان الجنرال زالوزني، القائد العام للقوات الأوكرانية، على علم مسبقاً بهذا القرار. فاجأت عملية الفصل الأميركيين الذين يصفون علاقتهم بخورينكو بأنها وثيقة وفعالة. حققت قوات العمليات الخاصة التابعة لخورينكو بعض النجاح من خلال الضربات بعيدة المدى والعمليات خلف الخطوط الروسية. لكن "نيويورك تايمز" تحدثت عن توتر بشأن ما اعتبره الجيش "قرارات موجهة سياسيًا بشأن الاستراتيجية"، وقد كانت مكلفة وغير فعالة.

وصلت التوترات بين زيلينسكي وجنرالاته إلى ذروتها في مقابلة زالوزني في الأول من نوفمبر مع مجلة "إيكونوميست"، حين أكد أن الحرب وصلت إلى "طريق مسدود". والأسوأ من ذلك هو أن زالوزني أشار ضمناً إلى أن الجمود سيتطور إلى هزيمة لأوكرانيا، لأنه يستلزم حرب استنزاف طويلة. وفي مقالة مصاحبة، نشرتها "إيكونوميست"، أوضح أن الحرب الطويلة "مفيدة لأحد أطراف النزاع، وفي حالتنا، إنها مفيدة للاتحاد الروسي، إذ تمنحه الفرصة لإعادة تشكيل قوته العسكرية، فيما ستنفد صواريخ أوكرانيا". أضاف: "حتى لو لم تنفد الأسلحة، فسوف ينفد الرجال. حرب الاستنزاف تؤدي إلى عجز أوكرانيا عن تحقيق التفوق على العدو". وقال أحد مساعدي زيلينسكي المقربين لمجلة "تايم" إنه حتى لو أعطت الولايات المتحدة أوكرانيا كل الأسلحة التي تحتاجها، فإن كييف "لا تملك رجالًا يستخدمونها".

انتقد مكتب زيلينسكي زالوزني، قائلًا إنه "يسهل عمل" روسيا ويثير "الذعر" بين شركاء أوكرانيا الغربيين. وتصف "نيويورك تايمز" هذا اللوم بأنه "توبيخ علني صارخ يشير إلى وجود صدع ناشئ بين القيادة العسكرية والمدنية". إضافة إلى الضغوط القادمة من داخل الدائرة السياسية والعسكرية الداخلية لزيلينسكي، تأتي الضغوط الدبلوماسية أيضًا من شركاء زيلينسكي الدوليين. فقد أفادت مقالة نشرتها شبكة "إن بي سي نيوز" بتاريخ 3 نوفمبر أن "المسؤولين الأميركيين والأوروبيين بدأوا يتحدثون بهدوء مع الحكومة الأوكرانية حول ما قد تنطوي عليه مفاوضات السلام المحتملة مع روسيا لإنهاء الحرب". ونقلت المقالة عن مسؤول أميركي حالي ومسؤول أميركي سابق مطلع على المناقشات قولهما إن المحادثات تضمنت خطوطًا عريضة جدًا لما قد تحتاج أوكرانيا إلى التخلي عنه للتوصل إلى اتفاق، فأوكرانيا قد لا تتمكن من تحقيق أهدافها في ساحة المعركة، والأمر قد يتطلب تقديم بعض التنازلات.

تقارب معبّر

ثمة تقارب ملحوظ في اللغة التي يستخدمها المسؤولون الأميركيون والأوروبيون واللغة التي يستخدمها مساعدو زالوزني وزيلينسكي. وذكرت "أن بي سي" أن المحادثات بدأت وسط مخاوف بين المسؤولين الأميركيين والأوروبيين من أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود. وتشير تقارير إن بي سي إلى أن بعض المسؤولين العسكريين الأميركيين بدأوا سراً في استخدام مصطلح "الجمود" لوصف المعركة الحالية في أوكرانيا.

ومثلهم مثل مساعدي زالوزني وزيلينسكي، فإن "مسؤولي إدارة بايدن يشعرون بالقلق أيضًا من نفاد القوات في أوكرانيا". وبحسب مطلعين على الأمر، ذكرت "إن بي سي" أن "بايدن ركز بشكل مكثف على القوات العسكرية الأوكرانية المستنزفة". ونقل عن أحد هذه المصادر قوله إن "القوى العاملة هي على رأس اهتمامات الإدارة في الوقت الحالي". ومرددًا ما قاله مساعد زيلينسكي المقرب في "تايم"، قال المصدر نفسه: "يمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها تزويد أوكرانيا بالأسلحة، لكن إذا لم يكن لديهم قوات مختصة لاستخدامها، فلن يكون هناك الكثير من الخير". وهذه المخاوف دفعت بالمسؤولين الأميركيين إلى الاعتراف سراً بأن "أمام أوكرانيا حتى نهاية العام، أو بعد ذلك بوقت قصير، قبل أن تبدأ مناقشات أكثر إلحاحاً حول ضرورة مفاوضات السلام".

مع تحول ساحة المعركة ضد أوكرانيا، يبدو أن الضغط الذي يستهدف زيلينسكي يتزايد، من الداخل والخارج، للتحول إلى الجبهة الدبلوماسية ومواجهة بداية نهاية الحرب في أوكرانيا.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها تيد سنايدر، ونشرها موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت" الأميركي