بعد أن تلاشت مظاهر التضامن الدولي مع إسرائيل، تتزايد الانتقادات بشأن عدد القتلى المدنيين في قطاع غزة على يد قوات الدفاع الإسرائيلية

إيلاف من بيروت: نشرت "نيويورك تايمز" في 25 نوفمبر الماضي نتائج تحقيق شامل أكدت فيه أن معدل قتل المدنيين في غزة أعلى مما كان عليه في الهجمات المثيرة للجدل التي شنتها الولايات المتحدة في عام 2008 في العراق وأفغانستان وسوريا.

تقدم "هآرتس" الإسرائيلية مقارنة بين عملية "السيوف الحديدية" الحالية والعمليات الإسرائيلية السابقة. تقول الصحيفة: "كي يكون أساس المقارنة صالحًا، سنقوم بتحليل العمليات التي هاجمت فيها إسرائيل غزة من الجو من دون هجوم بري، وسنقارنها بالهجمات الجوية التي تم تنفيذها خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من حرب عام 2023، وسندرس نسبة القتلى المدنيين في غزة إلى العدد الإجمالي للقتلى".

تعكس هذه النسبة التزام الجانب المهاجم مبدأ "التمييز"، وهو مبدأ أساسي في القانون الإنساني الدولي. وينص على أن القوة المهاجمة ملزمة بالتمييز والتفريق بين مقاتلي العدو والمدنيين، وعليها تجنب إيذاء المدنيين، بشكل متعمد بالتأكيد.

تقارن الصحيفة الإسرائيلية "السيوف الحديدية" بأربع عمليات واسعة النطاق اعتمدت بالكامل على الهجمات الجوية: "عمود السحاب" (نوفمبر 2012) التي استمرت أسبوعًا، و"حارس الجدران" (مايو 2021) واستمرت نحو 10 أيام؛ و"بزوغ الفجر" (أغسطس 2022) واستمرت ثلاثة أيام؛ و"الدرع والسهم" (مايو 2023) واستمرت خمسة أيام. في العمليات الثلاث الأولى، بلغ معدل القتلى من غير المقاتلين نحو 40 في المئة من إجمالي قتلى الفلسطينيين. في العملية الرابعة، "الدرع والسهم"، حدث تحول طفيف وانخفض عدد القتلى المدنيين إلى نحو ثلث إجمالي عدد القتلى، على الرغم من أن الهجوم استهدف الشقق التي يسكنها ناشطو الجهاد الإسلامي، وقُتل فيه 10 مدنيين.

أرقام مرتفعة

في "السوف الحديدية"، بدأ الهجوم الجوي مباشرة بعد هجوم 7 أكتوبر، وانطلق الهجوم البري في 27 أكتوبر. لتحليل الأرقام المتعلقة بالفترة التي سبقت إطلاق الهجوم البري، استخدم ياغيل ليفي، مؤلف التحليل، البيانات التي قدمتها وزارة الصحة في غزة بين 7 و26 أكتوبر. بحسب هذه البيانات، قُتل 6747 شخصًا في غزة، يضاف إليهم عشرات آخرين لم يتم التعرف عليهم في وقت إحصاء الأرقام. يقول ليفي: "كعادتها، لم تميز وزارة الصحة بين المقاتلين والمدنيين. وبناء على ذلك، ولأغراض التحليل، سآخذ في الاعتبار ثلاث مجموعات يمكن تصنيفها على أنها غير مقاتلة: القاصرون (17 عامًا أو أقل) والرجال (60 عامًا فما فوق) والنساء. يظهر هذا الحساب أنه من إجمالي 6,747، قُتل ما لا يقل عن 4,594 فردًا من الجنسين يمكن تصنيفهم على أنهم غير مقاتلين - أي 68 في المئة من المجموع".

يضيف ليفي: "من منظور مقارن دولي أيضًا، يعد هذا رقمًا مرتفعًا، مع الأخذ في الاعتبار أنه في الحروب التي دارت رحاها خلال القرن العشرين، وحتى التسعينيات، كان حوالي نصف القتلى من المدنيين - وهذا يشمل الحروب التي كان القتال البري هو العنصر الأكثر أهمية فيها. وفي ضوء هذه النسبة العالية من غير المقاتلين الذين قتلوا في غزة، قد نشك في أن مبدأ التمييز لم يتم التمسك به أو ربما أن مبدأ التناسب كان يخضع لتفسير مرن. فبدلاً من أن تكون هذه حالة من "الأضرار الجانبية"، كان الأمر مخالفًا، لأن معظم المتضررين هم من المدنيين، فإن ما تم إنتاجه هو منفعة جانبية".

تفسير ساذج!

يقدم ليفي أكثر من تفسير لذلك. يقول: "التفسير الأول هو أن كثافة الهجمات جاءت على حساب التخطيط الدقيق الذي يفتخر به رئيس الأركان. ثمة تفسيرات أخرى أقل سذاجة وهي أن الجيش خفض مستوى الحذر في الغارات الجوية، وصار التركيز ينصب على الضرر وليس على الدقة". يضيف: "ينبغي أن نأخذ في الحسبان أن الهجوم الجوي كان يهدف إلى تقليل المخاطر التي تتعرض لها القوات البرية الإسرائيلية عندما تحركت في نهاية المطاف لتأمين منطقة القتال، سواء بضرب البنية التحتية العسكرية أو بتشجيع السكان المدنيين على الفرار".

الاستنتاج العام هو أن قتل المدنيين لا يساهم في أمن إسرائيل، بل يقوض ذلك الأمن. والاستنتاج الأكثر عملية هو أنه إذا كان الجيش راغباً في الواقع في خفض عدد الوفيات بين المدنيين في غزة، خصوصًا في ضوء الضغوط الأميركية، "فلا بد من أن يتوصل إلى استنتاجات قاطعة حول سياسة الضربات الجوية التي ينتهجها، قبل أن يشرع الجيش في أي تحقيق أعمق في ظروف مقتل المدنيين، وهو تحقيق سيتعين عليه إجراؤه نظراً لاحتمال إطلاق تحقيق دولي"، كما يقول ليفي، مضيفًا: "ممكن أيضًا أن يحتاج الطيارون ، الذين عارضوا الانقلاب القضائي التي قامت بها الحكومة خوفًا من أن يؤدي إصلاح النظام القانوني إلى ظهور سياسة قتالية غير قانونية قد تجعلهم عرضة لخطر الملاحقة القضائية الدولية، إلى ممارسة حكمهم الخاص على الأوامر التي يتلقونها".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن تحليل كتبه ياغيل ليفي ونشرته "هآرتس" الإسرائيلية