تطبيقًا لاستراتيجية نفذتها تل أبيب في الضفة والجولان، تقوم إسرائيل بتغيير معالم غزة بطريقة جذرية لا يمكن التراجع عنها، كي يسنحيل على الفلسطينيين السكن في القطاع

إيلاف من دبي: على مدى عقود، أنشأت إسرائيل 'حقائق على الأرض' لترسيخ سيطرتها على الضفة الغربية. والآن، بعد الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، تستخدم إسرائيل نفس الإستراتيجية لتحقيق هدف جديد: تطهير عرقي في غزة، على حد وصف طارق كيني-شوا في صحيفة "لوس أنجليس تايمز" الأميركية.

فمن خلال طرد مليوني شخص من منازلهم، وتدمير البنية التحتية الحيوية، وتجريف مساحات شاسعة من الأراضي بالكامل، الحقائق الجديدة على الأرض التي تخلقها إسرائيل ستجعل غزة غير صالحة للسكن بحلول الوقت الذي تصمت فيه المدافع، ما لا يترك للناس هناك أي خيار سوى النزوح الجماعي.

يستحيل التراجع عنها
هذا نهج يخلق واقعاً يستحيل تقريباً التراجع عنه، طبقته إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي من خلال بنائها السريع للمستوطنات على الأراضي الفلسطينية، والتي اعتُرف على نطاق واسع بأنها غير قانونية بموجب القانون الدولي. وبعد أن هزمت إسرائيل الجيوش العربية في عام 1967، سيطرت على مناطق واسعة من سيناء في مصر ومرتفعات الجولان في سوريا. في السنوات التي تلت ذلك، التف المجتمع الدولي حول الاعتراف بـ«عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب». لكن إسرائيل كانت لها أفكار أخرى. ورغم أن مصر استعادت أرضها في وقت لاحق بموجب معاهدة سلام، شرعت إسرائيل في حملة لتعزيز سيطرتها على فلسطين والجولان السوري بتأسيس حقائق جديدة تهدف إلى جعل أي تسوية من طريق التفاوض مستحيلة.

بين عامي 1967 و2017، بنت إسرائيل أكثر من 270 مستوطنة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما أدى إلى تقسيم الأراضي التي كانت ستكون بمثابة قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى جزر معزولة. واليوم، يعيش أكثر من 700 ألف مستوطن في شبكة المستوطنات الإسرائيلية التي تتوسع باستمرار، فحتى لو تحققت المعجزة وتم إنشاء دولة فلسطينية على طول حدود عام 1967، سوف تكون مجزأة بشكل ميؤوس منه وغير قابلة للحكم فعلياً.

يقول شوا: "في محاولتها إبادة حماس، تعمل إسرائيل على محو غزة كما نعرفها عن الخريطة، وتجعلها غير صالحة للعيش بالنسبة لنحو 2.3 مليون فلسطيني يسمونها وطنهم. هذه ليست النتيجة المؤسفة للحرب، ولكنها استراتيجية محسوبة لتحقيق هدف الحصول على أكبر قدر من الأرض مع الحد الأدنى من الفلسطينيين - اعتبر هذه الحقائق الجديدة على الأرض". يضيف: حتى قبل الهجوم الإسرائيلي الجديد، كانت البنية التحتية في غزة مشلولة بسبب أكثر من 16 عاما من الحصار الإسرائيلي الخانق. أصبح أكثر من 85 في المئة من سكان غزة نازحين داخلياً، ولا مكان آمنًا داخل غزة للفرار إليه. وإذا انتهى الهجوم الإسرائيلي اليوم، فإن تقديرات المحللين تشير إلى أن أكثر من 50 في المئة من المساكن هناك تعرضت لأضرار جسيمة أو دمرت بالفعل. وتشير التقارير إلى أن إسرائيل تخطط لإغراق شبكة أنفاق حماس بمياه البحر، ما يهدد بتلويث تربة غزة بشكل دائم، وتلويث طبقات المياه الجوفية، والتسبب في المزيد من انهيار البنية التحتية".

ممارسات تدريجية
أوضح الزعماء العرب أن التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة 'خط أحمر'. وحتى إدارة بايدن، التي أعطت إسرائيل تفويضا مطلقا لتدمير غزة، قالت إن على إسرائيل تجنب المزيد من التهجير للمدنيين الفلسطينيين. ومع ذلك، لا أحد يستخدم نفوذه لإثناء إسرائيل عن خلق الظروف التي من شأنها أن تجعل هذه النتيجة التي يفترض أنها غير مقبولة حتمية، "وهنا يكمن خطر استراتيجية الحقائق على الأرض التي تنتهجها إسرائيل"، بحسب شوا، مضيفًا: "حقق القادة الإسرائيليون على مر السنين أهدافهم التوسعية من خلال تنفيذ ممارسات تدريجية بشكل مطرد. في الضفة الغربية، ربما يؤدي التطهير العرقي لكل الفلسطينيين بضربة واحدة إلى تدخل إقليمي، وربما حتى دولي، ولكن الاستيلاء على الأراضي تدريجياً من خلال بناء المستوطنات كحقائق عنيدة على الأرض من الممكن أن يحقق نفس الغاية مع قدر أقل من ردود الفعل السلبية".

يتابع: "على نحو مماثل، لا تحتاج إسرائيل إلى قتل سكان غزة بالكامل دفعة واحدة. كل ما عليها فعله هو التأكد من أن قطاع غزة غير صالح للسكن وسيتبعه الباقي. يمكن لإسرائيل مرة أخرى أن تهز كتفيها وتشير إلى الواقع الذي لا رجعة فيه الذي خلقته".

ليس من الضروري أن ينتهي الأمر بهذه الطريقة. يمكن للمجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، أن يتخلص من مظهر العجز الذي يظهره ويستفيد من أدواته الاقتصادية والدبلوماسية الوافرة ليوضح لإسرائيل أن التهجير الجماعي للفلسطينيين أمر غير مقبول، وأن سكان غزة يجب أن يكونوا قادرين على العودة إلى ديارهم . ومن دون التدخل الآن فإن إسرائيل سوف تتقدم إلى الأمام، كما فعلت في الضفة الغربية، فتدمر بشكل منهجي جدوى كل الحلول البديلة وتضمن نكبة أخرى ذات أبعاد تاريخية.

المصدر: "لوس أنجليس تايمز"