تل أبيب: تُركّز إسرائيل السبت عمليّاتها العسكريّة في جنوب قطاع غزّة حيث أفادت حركة حماس بمقتل 90 شخصا ليلا على الأقل، وسط خلاف بين إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة بشأن إقامة دولة فلسطينيّة.

وذكر شهود أنّ القوّات الإسرائيليّة قصفت ليل الجمعة السبت جنوب قطاع غزة، خصوصا خان يونس (جنوب) التي باتت البؤرة الجديدة للقتال البرّي والغارات الجوّية، بعدما تركّزت المرحلة الأولى من الحرب في شمال القطاع.

وأفادت وزارة الصحّة التابعة لحماس في ساعة مبكرة السبت بمقتل 90 شخصا على الأقل في العمليات الإسرائيلية ليلا.
وقال إنريكو فالابيرتا، المتخصّص في طبّ الحرب والذي عاد من مهمّة استغرقت أسابيع عدّة لصالح منظّمة أطبّاء بلا حدود، "اليوم في غزّة كلّ شيء تقريبا مُدمّر، وما لم يُدَمَّر بات مكتظّا ... العمل جارٍ بالحدّ الأدنى من الأدوية لضمان عدم نفادها".

ظروف غير إنسانية
وأسفت منظّمة الصحة العالميّة لـ"ظروف الحياة غير الإنسانيّة" في القطاع الساحلي الصغير الذي يفتقر سكّانه البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة إلى كلّ شيء، بما في ذلك الاتّصالات.

وأعلنت شركة الاتّصالات الفلسطينيّة "بالتل" مساء الجمعة عودة الاتّصالات تدريجًا في مناطق مختلفة من القطاع بعد انقطاعها ثمانية أيّام متواصلة هي أطول مدّة منذ بدء الحرب.

وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الجمعة أن نحو 20 ألف طفل ولدوا "في جحيم" الحرب غزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) في "ظروف لا يمكن تصورها، بينما عبرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن قلقها بشأن عدد "النساء والأطفال" ومحذرة من صدمة "على مدى أجيال".

شروطٌ مرفوضة
في الأسابيع الأخيرة، دعت الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل والداعم الأساسي لها في حربها ضدّ حماس، الجيش الإسرائيلي إلى خفض عدد الضحايا المدنيّين في عمليّاته، وكرّرت دعمها إقامة دولة فلسطينيّة، وهو موضوع في صلب الخلاف بين واشنطن وحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.

وصرّح نتانياهو الخميس بأنّ بلاده "يجب أن تضمن السيطرة الأمنيّة على كلّ الأراضي الواقعة غرب (نهر) الأردن"، قائلا إنّه أوضح ذلك "لأصدقاء إسرائيل الأميركيّين".

وشدّد نتانياهو على أنّ "هذا شرط ضروري ويتعارض مع فكرة السيادة (الفلسطينيّة)".
وسارع الفلسطينيّون إلى التنديد بهذه التصريحات، وتحدّثت واشنطن من جهتها علنًا عن خلاف مع حليفتها حول هذه القضيّة.

وغداة إدلائه بهذه التصريحات، تحادث نتانياهو مع الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة، في أوّل اتّصال بينهما منذ شهر وسط توتّر بشأن مرحلة ما بعد حرب غزّة.

وقال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي لصحافيّين "ما زال الرئيس (بايدن) يؤمن بأفق حلّ الدولتَين وإمكانيّته. هو يدرك أنّ الأمر سيتطلّب كثيرا من العمل الشاقّ".

وأضاف أنّ بايدن أبدى خلال محادثته مع نتانياهو "اقتناعه القوي بأنّ حلّ الدولتين ما زال المسار الصحيح للمضيّ قدما. وسنُواصل طرح هذا الموقف".

اتهامات بوريل
وأعلن البيت الأبيض الجمعة بعد المكالمة بين بايدن ونتانياهو أنّ إسرائيل ستسمح بشحن الدقيق للفلسطينيّين في قطاع غزّة عبر ميناء أشدود.
ويأتي ذلك بعد أيّام على مطالبة الأمم المتحدة إسرائيل بالسماح باستعمال الميناء لإيصال المساعدات الإنسانيّة العاجلة إلى القطاع المحاصر بالكامل منذ بدء الحرب.

رهائن
يُذكر أن الحرب التي دمّرت قطاع غزّة وشرّدت أكثر من 80% من سكّانه، اندلعت إثر شنّ حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) أسفر عن مقتل 1140 شخصا، معظمهم مدنيّون، حسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام رسميّة.

كذلك، احتُجز خلال الهجوم نحو 250 شخصا رهائن ونُقلوا إلى غزّة، وأطلِق سراح زهاء 100 منهم خلال هدنة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر. ووفق إسرائيل، لا يزال 132 منهم في غزّة، ويُعتقد أنّ 27 منهم لقوا حتفهم.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن عائلات الرهائن نظمت اعتصاما ليلا أمام مقر إقامة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الخاص في قيساريا شمال تل أبيب، للمطالبة بالتوصل إلى اتفاق يسهّل إطلاق سراح الذين ما زالوا محتجزين.

وردا على هجوم حماس، تعهّدت إسرائيل القضاء على الحركة التي تحكم غزّة منذ 2007. ووفق وزارة الصحّة التابعة لحماس، قُتل حتّى الآن في الغارات الإسرائيليّة 24762 شخصا، غالبيّتهم العظمى من النساء والأطفال.
لكن المنظمات المتابعة والدول الملمة بتاريخ القضية الفلسطينية منذ النكبة تدرك أن الأزمة بين إسرائيل وحماس لم تبدأ من 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، بل تضرب جذورها إلى عقود خلت، تخللها عدة مواجهات قاسية، بعضها استمر لأسابيع.