إيلاف من بيروت: دخلت الحرب في غزة شهرها الخامس، فيما نتذكر أن العملية البرية بحسب الخطة الإسرائيلية الأولية كانت ستستغرق أسابيع قليلة. وحول غزة أغرقت الجيش الإسرائيلي، فماذا سيحصل لو اندلعت الحرب في شمال إسرائيل، مع ميليشيا حزب الله التي تتمتع بقوة ميدانية وصاروخية أقوى كثيرًا من قوة حماس البدائية.
صحيفة "كالكاليست" العبرية أفردت حيزًا واسعًا لتقرير مفصل لسيناريو "مرعب" لحرب بين إسرائيل وحزب الله. في هذا التقرير، تبدأ الحرب متعددة الساحات من الشمال بإطلاق حزب الله صواريخ مدمرة تطال كل إسرائيل. ستكون عمليات الإطلاق كثيفة، بمعدل 2500 إلى 3000 صاروخ يوميًا، بينها صواريخ غير دقيقة وصواريخ أخرى دقيقة بعيدة المدى. من وقت إلى آخر، سيطلق حزب الله وابلاً هائلاً من الصواريخ على قاعدة مهمة للجيش الإسرائيلي، أو على مدينة ما، وهكذا.
قصف كثيف
يقول التقرير العبري: "في المراحل الأولى من الحرب، ستنضم إليها منظمات إرهابية من المنطقة بأكملها - الميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق، وحماس والجهاد الإسلامي في غزة، والحوثيون في اليمن - وكلها أذرع لإيران. سيكون الدمار هائلًا لم تعرف إسرائيل مثله من قبل، مع احتمال سقوط آلاف الضحايا في الجبهة وفي الداخل ما سيسبب الذعر العام، وسيأتي القصف في وقت واحد من اتجاهات عدة، ما سيتسبب بانهيار أنظمة الدفاع الجوي للجيش الإسرائيلي، حيث ستحاول الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز إلحاق الضرر الكبير بالقبة الحديدية حتى تدميرها".
كثافة القصف المفترض سيعرض التكنولوجيا الإسرائيلية لتحديات لم تواجهها بعد: سينفذ مخزون صواريخ القبة الحديدية ومقلاع داود الاعتراضية خلال أيام قليلة، وستكون إسرائيل معرضة لسقوط آلاف الصواريخ والقذائف على مدار الساعة من دون دفاع فعال. في الوقت نفسه، سيحاول حزب الله تعطيل أنشطة سلاح الجو والحد من قدرته على العمل، إذ سيتم توجيه الصواريخ الثقيلة والدقيقة إلى المدارج لمنع إقلاع الطائرات، واستعادة الطائرات التي تكون في الجو. وسيتم توجيه نيران كثيفة نحو حظائر طائرات F16 وF35 وF15، والتي تشكل الجزء الأكبر من القوة الجوية الإسرائيلية.
يضيف التقرير: "سيتم توجيه الصواريخ الدقيقة ذات الرؤوس الحربية التي تزن مئات الكيلوغرامات، بما في ذلك صواريخ كروز، إلى البنية التحتية الحيوية: محطات توليد الكهرباء والبنى التحتية لقطاع الكهرباء ومرافق تحلية المياه ونقلها، وسيتم إغلاق الموانئ البحرية في حيفا وأشدود وستتوقف تجارة البضائع الدولية".
بحسب التقرير، ستطير أسراب من عشرات الطائرات بدون طيار الانتحارية إيرانية الصنع على ارتفاع منخفض نحو أهداف مهمة في عمق إسرائيل، لضرب مصانع الأسلحة ومستودعات الطوارئ التابعة للجيش الإسرائيلي والمستشفيات، التي ستكون مكتظة بالجرحى بأعداد هائلة.
استهداف كل شيء
ليس هذا مجرد هجوم ناري، فستكون البنى التحتية الحيوية للنقل ووسائل الاتصال والمواقع الإلكترونية للوزارات الحكومية والسلطات المحلية هدفاً لهجمات سيبرانية واسعة النطاق، إلى حد تعطيل عمل الاقتصاد. ستكون حركة المرور على الطرق صعبة وخطيرة لأن أنظمة التحكم بالإشارات الضوئية ستنهار وستتساقط الصواريخ في كل مكان وستؤدي الاضطرابات إلى قطع طرق المرور المركزية.
يتابع التقرير: "ستشتد الفوضى عندما يرسل حزب الله المئات من مقاتلي الرضوان إلى الأراضي الإسرائيلية للسيطرة على المستوطنات على طول الحدود مع لبنان ومواقع الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وسوف يضطر الجيش الإسرائيلي إلى التعامل مع القتال والفوضى، وسيدخل في مناوشات مع الإرهابيين داخل الأراضي الإسرائيلية على حساب توجيه الجهود إلى عمليات فورية في لبنان ومناورات أرضية للسيطرة على مناطق الإطلاق".
داخليًا، سيجد الجمهور صعوبة لعدة أيام في الحصول على معلومات حديثة وموثوقة حول الوضع وسيفقد الثقة في الرسائل التي يتلقاها من المسؤولين والمتحدثين الرسميين. وسيزداد القلق والذعر نظراً إلى كثرة الضحايا والأضرار الجسيمة وانقطاع الكهرباء والمياه وتأخر وصول قوات الإنقاذ إلى مواقع الدمار وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية مثل الغذاء والطبابة. سيزيد حزب الله منسوب القلق والارتباك لدى الجمهور من خلال الحرب النفسية المتواصلة، وسيطلق حملة توعية واسعة النطاق من خلال إغراق وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بالتهديدات والمعلومات المضللة. سيبذل حزب الله قصارى جهده لإشعال النار في كل ساحة ممكنة، بالتحريض على الانتفاض في الضفة الغربية ومناطق عرب إسرائيل، من أجل إشغال أكبر عدد من أفراد الجيش والشرطة.
بعد نحو ثلاثة أسابيع من النار والدم، سيؤدي حجم الأضرار غير المسبوقة في لبنان وإسرائيل إلى انتهاء المعركة بشعور محبط بـ«التعادل»، تحت ضغط المجتمع الدولي. حتى في الساعات الأخيرة من الحرب، سيواصل حزب الله إطلاق الصواريخ والقذائف على الجبهة الداخلية وفق خطة إطلاق ممنهجة، مع تفعيل منظومات الإطلاق من عمق الأراضي اللبنانية من منصات الإطلاق التي أعدها مسبقاً.
سيناريو مرعب
هذا السيناريو المرعب ليس رداً صارماً مكتوباً بعد 7 أكتوبر. إنه نتيجة دراسة بدأت قبل نحو ثلاث سنوات في معهد سياسات مكافحة الإرهاب بجامعة رايخمان، وفي نهايتها تم إعداد تقرير وتوقيعه، لم يكاد يكتب مثله من قبل.
أساس التقرير، الذي يتكون من 130 صفحة، هو عمل ستة مراكز بحثية، تضم نحو 100 خبير في الإرهاب، ومسؤولين كبار سابقين في المؤسسة الأمنية، وأكاديميين ومسؤولين حكوميين، درسوا الجوانب الحاسمة المتعلقة بإعداد الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية لحرب متعددة الساحات.
من بين الموقعين على تقرير البحث، الذي تم الكشف عنه هنا لأول مرة، الجنرالات أهارون زائيفي براكاش (الرئيس السابق لأمان) ويتسحاق باريك (القائد السابق للكليات العسكرية)؛ الرئيسان السابقان لهيئة الطوارئ الوطنية، اللواء (احتياط) زئيف تسوك رام وبتسلئيل تريفير؛ الحاخام جوندار (متقاعد) أوريت أداتو، المفوض السابق لمصلحة السجون؛ العقيد (احتياط) عيران ماكوف، القائد السابق للقطاع الشمالي في قيادة الجبهة الداخلية، وحاييم تومر، الرئيس السابق لقسم الاستخبارات والعلاقات الخارجية في الموساد، ووزير العدل السابق دان مريدور.
على رأس هؤلاء الباحثين البروفيسور بوعز غانور، الرائد العالمي في دراسة الإرهاب في الأوساط الأكاديمية، والذي أسس معهد سياسة مكافحة الإرهاب قبل نحو 30 عاما، وعين في سبتمبر الماضي رئيسا رابعا لجامعة رايخمان. وفي الأشهر والأسابيع التي سبقت هجوم 7 أكتوبر، عرض البحث على الجهات المعنية في القيادة العسكرية والسياسية، في محاولة لإيقاظ الأجهزة الاستخباراتية وأصحاب القرار من غيبوبتهم ومن الفهم الخاطئ.
يقول غانور إن فهم حجم الحدث في حالة حرب متعددة الساحات هو بالضبط ما جعله يتنفس الصعداء في 7 أكتوبر. يتذكر قائلاً: "كنا بالفعل في منزلنا في هرتسليا عندما بدأت الصواريخ في السقوط. كانت أجهزة الإنذار لا تزال تنطلق وأخبرتني زوجتي أنها قادمة من غزة. أتذكر أنني أجبتها أنه إذا كان الأمر كذلك، فهو ليس سيئًا".
مفاهيم خاطئة
قامت مراكز الأبحاث الستة التي أعدت التقرير بدراسة التهديدات المختلفة والاستعداد لها. يرسم التقرير الفجوات، ويشير إلى نقاط الضعف في الجيش الإسرائيلي وفي المجتمع الإسرائيلي، ويتضمن توصيات عملية فورية. تم الانتهاء منها قبل أشهر من هجوم حماس، وأحد استنتاجاتها المؤلمة يتعلق بالجمهور الإسرائيلي، الذي لا يدرك ببساطة أنه سيتعين عليه أن يواجه وحده تقريبا في الساعات والأيام الأولى من النيران الكثيفة التي ستطلق ضده: "ستتبدد توقعات الجمهور وجزء كبير من القيادة بأن القوات الجوية الإسرائيلية وأنظمة الاستخبارات الفعالة سوف تنجح في منع معظم وابل الصواريخ على إسرائيل، وكذلك سيتم دحض التقييم القائل إن هجوماً واسع النطاق سوف يتم دحضه".
وقال التقرير بكلمات غير غامضة: "إن هجوم إسرائيل على مناطق في لبنان سيجبر حزب الله على فرض حصار بالنار على إسرائيل أو إلحاق أضرار كبيرة بها، وإطلاق الصواريخ باتجاه العمق الإسرائيلي".
يستند هذا التقييم إلى كتلة ودقة النيران التي ستستهلك قريباً مجموعة الاعتراضات التابعة للجيش الإسرائيلي، وعلى الصعوبة التي يواجهها سلاح الجو في تعطيل منصات إطلاق الصواريخ، التي ستكون منتشرة ومموهة على مساحة واسعة وليس فقط في لبنان ولكن أيضاً في سوريا وربما في العراق أيضاً.
يولي التقرير حالة القوات البرية الإسرائيلية وقدراتها على المناورة البرية في الحرب في عدة ساحات في نفس الوقت اهتمامًا خاصًا. عندما تبدأ قوات الهجوم البري بالمناورة، فإنها ستواجه تشكيلات دفاعية كثيفة لحزب الله، تتمتع بوسائل قتالية فعالة، مع العديد من الفرق المضادة للدبابات. إن الضغط على الجبهة الداخلية لن يتوقف لأن تنظيم حزب الله سيسمح له بشن حرب موزعة بين العديد من الخلايا الميدانية التي ستكون كل منها قادرة على العمل بشكل مستقل.
أبرز الاستنتاجات التي يخلص إليها التقرير هي أنه في حرب مبنية على مفاهيم من القرن الماضي، قد يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في ارتباك كبير، كما أن موقف إسرائيل المنفتح تجاه وقف إطلاق النار قد يذلها ويجعل من الصعب عليها أن تنتصر.
المصدر: "كالكاليست"
التعليقات